كذبتني ، فهل صدقت؟! - أحمد علي سليمان

إني اشتكيتُك للمليك الكافي
يا صاحبَ القلب المَريض الجافي

كَذبتني ، ورأيتَ نفسَك صادقاً
وجهرتَ في عِز وفي استشراف

وطغى غرورُك ، لم تُفِدك حكايتي
وضَجرتَ مِن إرهاصة الإيقاف

وطعنتَ بالتكذيب خاصرة الوفا
وغدا العِنادُ هو الدليلَ الكافي

والصحبُ كم عابوا عليَّ تسامحي
مع راعن مُستبشع الإجحاف

سَردُوا ليَ التاريخ دون تجمُّل
سَرداً نزيهاً طيِّبَ الأوصاف

فعلمتُ أخباراً يَشينك ذِكرُها
حَفلتْ بالاستلئام والإسفاف

كم قِيلَ عنك مِن الحقائق مُرَّة
وأنا أدافعُ عنك باستعفاف

كم رَدَّدَ الأقوامُ عنك مَعائباً
تُزري بصاحب سُؤدَدٍ وطِراف

كم عَددوا عنك المَساوئ فجَّة
والقومُ بين مُصَدِّق ومُنافي

كم صَدَّروا لي عنك أسوأ قولِهم
بعبارةٍ مَرسومَة الأهداف

لكنني واللهِ ما صدَّقتُهم
وبرغم ما ذكروه مِن إنصاف

كم كنتُ مَأخوذاً بلهجة ثائر
يَهوى اتباعَ طريقة الأسلاف

حتى إذا كُشِفتْ حقيقة خادع
مُتترس خلفَ الجَلال الصافي

فجَفاك قلبي دونَ أي تردُّدٍ
وقلتْك رُوحي دونما استعطاف

وأمرتُك: اخرجْ مِن بُيَيتي عازماً
ألا أعودَ لمَبدأ الإسراف

أسرفتُ في حبي لأرذل صاحب
وزعمتُ صُحبته الإخاءَ الدافي

وخسِرتُه إذ لم يُراع أخوتي
كالصفوة الرئبالة الأشراف

وسعى إلى الإصلاح خِل طيبٌ
أدلى بدلو وافر الألطاف

ليُقِيلَ عَثرة مُبتلى في حُبِّه
فأذقتَه بالمَكر سُوءَ تجافي

لم يَستطعْ صَرفاً لعِندِك لحظة
فالعِندُ ساقَ الخُلفَ بالأضعاف

فأتى بأذيال العِتاب يَجُرها
نحوي ، وجاهرَ بالمَلام الصافي

ودعا إلى مُناظرةٍ ليَحكمَ بعدها
بالشرع ، لا بضوابط الأعراف

ليكون حُكماً لا يُخالطه الهوى
بالعدل مُتصفاً وبالإنصاف

يبقى نهائياً بلا نقض ، ولا
طلب بإبرام ، ولا استئناف

فنصحتُه ألا يواجهني بمن
وأدَ الإخا ، أبئسْ بذا العساف

فاختارَ تسجيلَ الكلام إنابة
وبدون إبطاءٍ ولا إيجاف

فشرعتُ في التسجيل أوردُ قِصة
حدثتْ قديماً في قرى وفيافي

صِيغتْ بأتعس أحرُفٍ وعِبارةٍ
والحِبرُ صُنِّعَ مِن نقيع زعاف

بدمي وأعصابي نسجتُ فصولها
لمَّا افترَى جِلفٌ مِن الأجلاف

وذكرتُ أحداثاً تُعرِّي ظالماً
وتُمِيط أستاراً مِن الإسداف

مِن يوم مَعرفتي بأحقر صاحب
حتى نهاية مُشْكِل وخِلاف

يَندَى الجبينُ لِما أنا سَجّلته
خجَلاً بما صَنعَ السفيهُ الغافي

والقلبُ يبكي حسرة وندامة
ويُسيلُ دَمعَ المَدمع الذراف

والنفسُ تُوبقها مَرارة حُزنها
والسر تركُ نصيحة الأشراف

وختمتُ تسجيلي بصادق دعوتي
لله ذي الإكرام والألطاف

ليكون حَسبي في القيامة وحده
مَن مِثله يَجزي الورى ويُكافي؟

وأتاك بالتسجيل أصدقُ صاحب
في حَيدةٍ كنضارة الأصداف

وتلا لك الشرطين كي يتحققا
والنصُّ خالفَ عن رَويِّ القافي

وسمعت ، واحترقتْ سخائمُ حاقدٍ
لفضائح تُلِيَتْ على الأضياف

أحداثُ لم أجهرْ بها يوماً ، ولا
ناقشتُها في مَعرض استضعافي

والآن أذكرُها بدون تحفظٍ
واليومَ أذكرُ ما بدا والخافي

عقدين مِن عمري أصاع كَبوتي
بسِني ذل في البلاء عِجاف

واليومَ تمحقها بقولك: كاذبٌ
أنا (كاذبٌ) يا أيها المتجافي؟

والصدقُ قولك يا كذوبُ ، ألا أفِقْ
إن الكلام مُشعَّبُ الأطراف

وشهودُ ما قد قلت يُمكنُ سُؤلهم
لكنني رفقاً بكم سأعافي

قولي وقولك يا خصِيمُ تباينا
شتانَ بين الدُّوم والخُذراف

هذا القصيدُ أخطه متحققاً
ليكون مِن الكُلوم يُشافي

ولقاؤنا يا فظ عند مُهيمن
جَلَّ المليكُ المُستعانُ الكافي

يَقتصُّ منك ، ولا إخالك ناجياً
ربِّ اشفنا مما أتى يا شافي

مناسبة القصيدة

كذبتني ، فهل صدقت؟! (عندما تقومُ الصداقة على المبادئ والقِيم والأخلاق ، فإنها تستمر إلى الأبد ، ولكن عندما تقوم على الهُزء والاستخفاف والسخرية والاستهزاء والانتفاع الخسيس الرخيص ، فإنها سُرعان ما تتلاشى ، وتُصبحُ أثراً بعد عَين! ولا نعجبُ مِن زوالها بقدر ما نعجبُ كيف استمرتْ ثلاثة عُقود! والاستمرارُ عائدٌ إلى أنَّ أحد الصديقين كان يُحسنُ الظن ، وينتظرُ لعل صديقه يتغير ، أو لعل الله يُحدِثُ بعد ذلك أمراً! وتكذيب الصديق لصديقه أمرٌ مستحيل! إنه بسبب استخفافه بصديق كان يثقُ فيه جداً ، وصلتِ العلاقة بينهما إلى القطيعة. فأشفقَ صاحبٌ علم بقصتهما ، فأراد التدخلَ للإصلاح ، فنصحَه المظلومُ الصادق بأن المواجهة مستحيلة ، لأن هذا الرجل مغالط ، واعتادَ أن يقلبَ الحقائق في أقل من لمح البصر! فاقترحَ ذلك الصالحُ المُصلحُ أن يقومَ المظلوم بتسجيل شريطٍ يتناولُ فيه العلاقة منذ نشأتها عام 1978م ، وحتى 2007 م ، وتحديداً حتى يوم عقد الصلح بينهما! ويقوم بإسماعه إياه ، لعل وعسى نصلُ إلى الإصلاح والتوفيق! فوافقَ المظلومُ على شرطين: الأول: أن لا يُوقفُ الشريط ولا يُعلقُ أثناء إذاعته. والثاني: أن يعودَ إليه الشريط كما هو! فقام الرجل بالتسجيل ، وذكرَ الأحداث بعد رصدها من الألف للياء! وعند تسليم الشريط للوسيط سأله الطيب الموفق سؤالاً مفاجئاً ، فقال: ماذا تتوقع من الرجل؟ فقال بدون تردد: سوف يقول لك: فلانٌ بن فلان كذاب ، ولن يعترفَ بحدث واحد من الأحداث ، ولن يُسَلم بحقيقة من الحقائق! فقال الوسيط حسن النية: ليس إلى هذا الحد! أراك تُبالغ بعض الشيء ، إن لم يكن كله! فعقب الأول: سترى. وكان الأمرُ بعد السماع كما توقع الأول. حيث استمعَ الصاحب المغرض المغالط المجادل لثلاثة أرباع الشريط مع آخرين ، وقال ومن قبل أن يُسأل: هذا الكلامُ كله كذب! فقال الوسيط: سبحان الله ، إنها ذاتُ الكلمات التي قالها الرجل عندما سألتُه ماذا تتوقعُ من فلان؟)
© 2024 - موقع الشعر