خياران أحلاهما مُر 2! - أحمد علي سليمان

حارَ فِكري ما بين ضِدٍ وضِدِّ
والموازينُ أشكلتْ بعدُ عِندي

وابتأسْتُ إذ ضِعتُ كمًّا وكيفاً
كيف آلتْ حالي لهذا التردي؟

كيف هُنتُ حتى طوتْني خطوبي؟
وعلى ماضي العمر كم طال وجدي

كم بذلتُ الخيورَ عن طِيب نفس
رغم أحوال بين جَزْر ومَد

كم تحمَّلتُ أنفساً لا تُبالي
سَربلتْ عَيشي بين بَرق ورَعد

كم تغاضيتُ عن بلايا عِظام
صانعوها كم أمعنوا في التحدي

كم تكلفتُ كي أبَلغ غيري
ما تمنى من كل خير وسَعد

كم تنازلتُ عن حقوقي لغيري
عَلني أحظى ذات يوم برَدّ

كم نصحتُ مَن عاقبوني لنصحي
ثم كادوا ، وبالغوا في التعدي

كم وعظتُ قوماً أبوا كل وعظٍ
ليتني كنتُ صُنتُ بذلي وجُهدي

مِثلَ كل زوج تزوجْتُ فضلى
أظهرتْ لي طوعاً صُنوفَ الود

فاخرتْ بي أهلاً وصَحباً وقربى
وحبتْني الألقابَ فوق الحد

ناولتْني تشجيعَها عن يَقِين
فانطلقتُ أسعى لنيل المجد

دون شرطٍ أعطتْ لينزاح همي
واستزادتْ في جُودها دون قيد

وقضينا عقدين في خير حال
والوفاقُ للخير والبر يَهدي

ودوامُ الأحوال شييءٌ مُحالٌ
حيث عِشتُ انقلابَ ضِدٍّ لِضِد

عَضَلتْ بي الحياة لمَّا استبدتْ
زوجة غالتْ عِشرتي بالحِقد

وهنَ العظمُ ، والمَشِيبُ اعتراني
والقوى هِيضتْ عندما التاعَ كَبْدي

وارتضتْ زوجي ذِلتي وانكساري
ولذا خانت في الكُهولة عَهدي

قلبتْ لي ظهرَ المِجَنِّ اعتباطاً
والدموعُ سالتْ على كل خد

تخِذتْ ردْءاً أهلها ، فتقوَّتْ
والجميعُ في الظلم أشرسُ جُند

لم يَعُدْ لي إلا خياران قطعاً
لم يعُدْ وقتٌ بين أخذٍ ورَد

إنَّ فصلَ الخطاب أدلى بدَلو
وإذا بي لا أستطيعُ التصدي

هل زواجي يَحُل أعتى القضايا؟
هل يُعِيدُ الصبا زواجي بخَود؟

هل يَسُرُّ النفسَ ارتباطي بأخرى
ذاتِ دين حق ، وحُسْن ، وزُهد؟

تحتفي بي من بعد لأي وضنكِ
إن تبدتْ تغتالُ ضِيقي وسُهدي

إن هذا – واللهِ – أشقى اختيار
قد يَزيدُ حِنقي وحُزني وحَردي

والمصيرُ المعهودُ مكرٌ وكيدٌ
هل يفوقُ كيدَ الحليلة كيدي؟

ربما تُؤذيني بشتى الأواذي
أو حظِيتُ منها بلعن وطرد

أو أعيشُ بالصبر حتى ألاقي
خالقي المَولى ، ثم أسكنُ لحدي

إن هذا الخيارَ أهدى سبيلاً
رغم إخلال يَعتريه ونقد

قد يكونُ في الصبر أرجى عِلاج
ساقه لي بعد الدعا بعضُ رُشد

كم بلايا بالصبر والرُّشد تُزوَى
عندما تُمسي زوجة شرَّ نِد

قد يَزيدُ الزواجُ حالي اكتئاباً
وانفعالاتٍ ما لها مِن خَمد

بينما بالصبر العذاباتُ تخبو
ثم في يوم الحشر جناتُ خلد

قِصَّتي فيها الصبرُ سَمتٌ وهَديٌ
صُغتُها بالأشعار بعد السرد

ولربي الرحمن أكبرُ فضل
وله شُكري بعد ذِكري وحمدي

مناسبة القصيدة

(تزوجها على كتاب الله تعالى وسُنة رسوله – صلى الله عليه وسلم - ، ليس يَطمحُ إلى شيءٍ سوى مرضاة ربه ، بينما كانت لها ولأهلها مطامحُ أخرى ومطامعُ مختلفة ! ولما تحققتْ هذه المطامحُ وتلك المطامعُ ، وأدركتْ أن الرجل كان قد طعنَ في السن ، تمردتْ عليه ، واتخذتْ من أهلها حِصناً ودِرعاً ، وبات الرجلُ بين خِيارين أحلاهما مُرٌ للغاية: إما أن يستمر معها ريثما ينصلحُ الحال ، وإما أن يتزوجَ من أخرى مُضحِّياً بكل ما يملك! وفي هذه الحالة يكونُ قد ضَيَّع على أولاده أموالاً وعقاراتٍ شتى يملكها! وبعد دراسةٍ واستخارةٍ تصبرَ الرجل ، وارتأى أن يترك أولاده أغنياء! فإن ذلك أولى! وضحَّى بنفسه في سبيل تلك الغاية! وكما عنوَنا للقصيدة بأن هذا الخيارَ خِيارٌ مُر! وأمَرُّ منه أن يتزوج من أخرى صالحةٍ يستعيد على يديها ما افتقده من الشباب! وهذه مغامرة ، فإنه لا يضمن الثانية!)
© 2024 - موقع الشعر