تبادل الزوجات! - أحمد علي سليمان

بئسَ الحياة مِن الهداية تمْرُقُ
وتضِيقُ بالهدْي القويم وتَشرَقُ

والجاهلية أشربَتْها كأسَها
والكأسُ - بالسمِّ الذعافِ - مُعتق

أسَنتْ حياة لا تُسَلي أهلها
هل يُسعِدُ الأقوامَ عَيشٌ مُوبق؟

يا ليت شِعري كيف رَاجَ فجورُها
ودروبُها اختلطتْ ، وغاب المَفرق؟

أو ليت شِعري كيف طابَ سُفولها
والناسُ ضلوا: غرَّبوا أو شرَّقوا؟

أو ليت شِعري كيف جَندلتِ الورى
فتنٌ تمُوجُ ، بها الخلائقُ كم شقوا؟

أو ليت شِعري كيف منها مَخرَجٌ؟
إني على مَن غاصَ فيها مُشفِق

أو ليت شِعري كيف دَكَّتْ عَيشنا
بدعٌ عليها الجاهلية بَيرق؟

هذي الجحافلُ رحَّبَتْ بدمارها
وغدتْ بكل نقيصةٍ تتعلق

كيف ارتضَتْ غيرَ الرشاد طريقة؟
أبئسْ بمَن سلكوا ، وبئس المنطق

كيف استكانتْ للضلالة والهوى
وغدتْ بأعذار وَهَتْ تتشدق؟

و(تبادل الزوجات) شرٌ مُؤشِر
يَصِفُ السقوط ، فذا بَلاءٌ مٌحْدِق

هذي الدياثة مَن تُراه وراءها؟
تلك الدعاية مَن عليها يُنفق؟

هل هانتِ الزوجاتُ يا أهلَ الخنا؟
تعساً لكم ، أنا لا أكادُ أصَدِّق

زوجٌ يُقدِّمُ زوجَه لمَن اشتهى
وأمام عينيه الكرامة تُسْرق

فبأي وجهٍ طابَ للتيس الرضا؟
هل في الوريدِ دَمُ الحيا يتدفق؟

أين الرجولة عن رذيل أدبرَتْ؟
فمضى يُغَلّبُ ما يُحِبُّ ويَعشق

أين التقاليدُ التمسكُ خانها
فغدتْ على مُستهتر تتحرق؟

بل أين أعرافٌ بكتْ أصحابَها
منها استطابوا بالهوى أن يَمرُقوا؟

أين المعاييرُ التي ترقى بهم
حتى يكونَ بها المَقامُ الأليق؟

أين الموازينٌ الكرامة أسُّها
ولها السعادة والمَهابة رَونق؟

أين المقاييسُ التي إنْ أمحلتْ
فقدَ الأنامُ إباءَهم ، وتفرَّقوا؟

هل كان يُعقلُ أن تسودَ دَعارة
تُزري بمَن للهاثها يتشوَّق؟

حَنتْ لها (شبَكاتُ) عُهر تجتنني
طهرَ الديار ، بها الغواة تخلقوا

تهفو القِحابُ لرجسها وفسادها
وبهن مَن حذقوا المُراودة التقوا

وتسعَّرَتْ شهواتُهن لفسَّق
بالساقطات الفاجرات تعلقوا

حاكوا الخنازيرَ التي بإناثها
ظفِرَتْ ، وذا بابُ الحظيرة مُغلق

تنزو وتَحكُمُها الغريزة وحدها
والجمعُ في قاع الرذيلة يَغرق

يتبادلون إناثهم بمِزاجهم
ويَضمُّهم بيتٌ لهم أو فندق

وتكفلَ الشبقُ الرقيعُ يُحِيلهم
زمَراً بحُريَّاتها تتحذلق

ويَؤزهم نحو التحلل دُعرُهم
وجميعُهم في المُوبقات استغرقوا

ويقودُهم نحوَ الضياع سُعارُهم
وقد استلذ بذا الضياع الفيلق

ما هذه الفوضى؟ وما تبعاتُها؟
والبعضُ يَشجبُها ، وبعضٌ يَقلق

ما هذه المحن الرهيبة تجتني
مُهَج العباد؟ ومَن يَثرْ فسيشنق

الغربُ صَدَّرَها ، وأشعلَ نارها
وبناظريه – إلى الضحايا – يرمُق

وأرادها حرباً ضَروساً لا تنِي
والأمرُ مَدروسُ الصُّوَى ومُوثَّق

مَوجٌ إباحيٌ يجُوسُ خِلاله
جيلٌ إلى حُسن العواهر يُحْدِق

ما انفك تُصْليه المَواقعُ نارَها
وعيونُه مما يُشاهدُ تُصعق

واستسلمَ الجيلُ البئيسُ لحتفه
ورأيتُ أرواحَ الأشاوس تُزهق

وهنتْ عَزائمُ أهلها ، فتقهقروا
وبدا لهم نفقٌ دَجِيٌ ضَيق

وتمرَّسَ الشبانُ في عِشق الزنا
يا ليتهم صَمَدوا ، ولم يتحذلقوا

يا ليتهم هرعوا إلى قرآنهم
ليُغِيثهم مما يُضِيرُ ويَمحق

يا ليتهم لجأوا لسُنة أحمدٍ
لتُجيرَهم مِن باطل يتملق

يا ليتهم ندِموا على ما فرطوا
فالله يَقبلُ مَن يَتوبُ ويَصْدُق

مناسبة القصيدة

(تحتاج هذه الظاهرة الملعونة القذرة – تبادل الزوجات - إلى علاج شرعي وآخر شعري ، وبينهما علاجات أخرى نفسية ، وعصبية ، ومجتمعية ، ريثما تنقشعُ من المجتمعات الطيبة ، بعد أن كثرَ بلاؤها وشرُّها! وهذه الظاهرة كأني بها تقول للواحد منا: مرحباً بك في القرن الواحد والعشرین. حیث ُ بات الحــرامُ مجانياً وبأيسر السبل وأرخصها ، والحلالُ مكلفاً جداً وبأصعب الوسائل وأغلاها. حیث أصبحَ وصولُ البیتزا أسرعَ من وصول الإسعاف والأمن. حیث صار فقدانُ الھاتف أكثر ألماً من فقدان الكرامة. والملابسُ اليوم تحدد قیمة الشخص. حیث أصبح الوفاء وأصحابه من الطراز القدیم. حیث إن المال اليوم ھو تمثال الحریة والعدالة والمساواة. مرحباً بك في ھذا العصر الموحـش. حیث أصبح الكذب فھلوة ، والخــیانة ذكاءً ، والفقر عیباً. والعُــري قمة الأناقة والحریة ، والتحشم قمة التخلف ، والجمال ھو عامل الجذب الأول ، وكسر الخاطر أصبح صراحة ، وجبر الخواطر أصبح طِیبة وھبلاً ، والمال یجبر الناس أن تحترمك حتى لو كان من حــرام ، والخمر مشروبات روحية ، والحِشمة والحجاب رجعية وعودة إلى عصور الظلام ، والتبرج والسفور والعُرْي البهيمي العجماوي تقدماً وحضارة ، والزنا تعاطِيَ الحب ، والربا فائدة ، أصبحت المبادئ والقیم قمة التخــلف والتأخر. أھلاً بك في قمة الزيـف وفي أسـوأ عصر من عصور البشریة ، للأسف الشديد. في عصرنا المنحط ، بعض الزوجات تُتبادل كالسيارات والدراجات البخارية والثياب والفساتين! لقد سمعنا عن تقسيم بعض الصحابة للزوجات تقسيماً أبدية ، ففي صحيح البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: قدم علينا عبد الرحمن بن عوف ، وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن الربيع ، وكان كثيرَ المال ، فقال سعد: قد علمت الأنصار أني من أكثرها مالاً ، سأقسِّمُ مالي بيني وبينك شطرين ، ولي امرأتان فانظر أعجبهما إليك ، فأطلقها حتى إذا حلت تزوجتها. أما عن التبادل الملعون المعاصر ، فما سمعنا به ولا قرأنا عنه إلا في الجاهلية الأولى عندما كان النكاح في الجاهلية كما تصفه أم المؤمنين عائشة على أربعة أنحاء!)
© 2024 - موقع الشعر