العدل بين الزوجات أولى - أحمد علي سليمان

قالوا: تزوجْت بعد المَدّ والجَزْرِ
فهل أتى البحرَ ما ترجو من القرِ؟

مازلتَ تدفعُ بالعِناد سَهمَ أذىً
وتُرّهاتُك بين الكَرِّ والفر

مازلت تُشعِلُ ناراً ليس يُخمدها
إحسانُك الدهرَ لمّا استفحلَ الصَهر

مازلت تخترعُ الأسبابَ واهية
حتى صَبغت حياة الأهل بالضُر

مازلت تُشهرُ سيفَ الهَزْر مُغتبطاً
شتان شتان بين الجِدِّ والهَزْر

مازلت تُوقد حرباً لا انتهاءَ لها
تحتاجُ بعد انقضا عُمْر إلى عُمر

مازلت تُغري بأوهام مُزركشةٍ
مِن أنّ مُستقبلاً يَختالُ في الخير

مازلت تجْترّ آمالاً مُلفقة
كأنما شاعرٌ يتلو مِن الشعر

حتى تزوجْت فازدادَ السعيرُ لظىً
وشَبّتِ الحربُ ، فانظرْ كُبّة الجَمر

فكل زوج لها سُوآى هواجسها
وأنت بينهما كالماء في القِدر

لأن ظلمك للأولى غدا شبحاً
يُهددُ العيشَ منه الشرُ يَستشري

هجرتها ، فدهى الهجرانُ عيشتَها
شتان شتان بين الوصل والهجر

واستأثرتْ زوجُك الأخرى بحِصّتِها
مِن الوئام ، فزالت مِسحَة البِر

فالأمرُ ما أمَرَتْ ، والنهي ما لفظتْ
وأنت كالعبد بين النهي والأمر

وغَيّرتْك ، فلم تُدركْ مكائدَها
فما أسرّتْ ، وصار الكيدُ بالجهر

وقيّدتْك بأغلال مُصَفدةٍ
ففي اليدين بدَتْ سلاسلُ الأسر

أم العيال غدتْ في الدار مُهمَلة
تلوكُ عيشاً يُعاني وَطأة القهر

بَردُ الشتاء كحَرِّ الصيف يُزعجُها
ما الحالُ إن أصبح الصقيعُ كالحر؟

جَندَلتها ، فانزوتْ أطيافُ فرحتِها
والبؤسُ زاحَمَ ما حازتْ مِن البِشْر

والبيت أصبحَ مثل البحر مُضطربا
يُصارعُ العيشَ بين المدّ والجَزر

وعاتبتْك ، فلم تُنصتْ لمَعتبةٍ
فالأذنُ أمستْ تُقاسي كثرة الوَقر

وآخذتْك على ما كان من خطأ
لكنّ قلبَك للأخطاءَ يَستمري

وأرشدتْك إلى تحقيق مَعدلةٍ
كي لا تُلاقيَ ربَ الناس بالجَور

تخشى عليك مَصيراً عَاتياً وَعِراً
فكنْ بصيراً بما تأتي وما يجري

ووَسّطتْ مَن رأت فيهم وجاهتهم
فما استمعت لهم ، يا خاملَ الذكر

بل كنت فظاً غليظاً لا رشادَ له
وليس مِن حِكمةٍ في عقله تسري

هم أفحموك ، وقد ساقوا أدلتهم
أكرمْ بأصحاب علم سادةٍ غر

فما استطعت لمَا قالوا مُجادلة
لكنْ وعدت وعوداً ذِكْرُها يُزري

فأين وعدُك ، والموعودُ مُنتظرٌ؟
شتان بين صدوق الوعد والهَتْر

كم ناولتْك مِن الأموال تطلبُها
أيامَ كنت تُعاني قسوة الفقر

كم أيدتْك برأي مُشرق نضِر
حتى ارتقيت بما حَبتْك مِن فِكْر

كم دافعتْ عنك في سِر وفي عَلن
وما أذاعتْ - لرب البيت - من سِر

واليومَ تحرقها بالنار ساعرة
إذ قادك الهجرُ للخذلان والغدر

أشمت فيها أناساً لا خلاقَ لهم
فأصبحتْ مِزقاً في ألسُن الغير

قالوا: تزوجت قالت: شرعُ خالقنا
وتلك سُنة خير الناس مِن مُضَر

ولم تُطالبْك بالتطليق يا رجلاً
ولم تُنفذ وصايا العم والصِهر

ما بالزواج من الأخرى مخالفة
وليس يحتاجُ هذا الحُكْمُ للفَسر

لكنْ لتعدلْ لكي تدومَ عِشْرتُنا
وكي يدومَ لنا - في العيش - ما يُغري

فما عَدلت ، وذي بلية عظمتْ
والظلمُ مُرتهنٌ بالإثم والوزر

فبيتُ زوج كمثل البئر مُظلمة
والماءُ فيها يُعاني مُؤنة الغور

وبيتُ أخرى كمِثل القصر مَنظره
شتان شتان بين البئر والقصر

ماذا يَضُرّك إنْ عدلت يا رجلاً
أليس ذلك أمْرَ الراحم البَر؟

ألم يُعددْ نبيُ الله أسوتُنا؟
فحققَ العدلَ في يُسر وفي عُسْر

هل اتبعت بما قارفت سُنتهُ؟
هل اقتديت به لوافر الأجر؟

العدلُ أولى ، فكن بالعدل مُتصفاً
مِن قبل سُؤلك في غيابة القبر

العدلُ أولى ، فكنْ عَدلاً ولا تجترئْ
على الشريعة خف من موقف الحشر

العدلُ أولى ، فما في الظلم مَنقبة
فاز العُدولُ بما نالوا من الفخر

العدلُ أولى ، فإن الجَور مَخبثة
والجائرون لهم مَصارعُ البَور

العدلُ أولى لتلقى اللهَ مُبتشراً
كي لا تبوءَ بضنكِ الحال والثبر

العدلُ أولى ، وأنت اليومَ تملكُهُ
والعاقلُ الفذ مَن ماضيهِ يَسْتقري

العدلُ أولى ، وربُ الخلق مُطلعٌ
غداً ستحصدُ ما زرعت من بَذر

العدلُ تِبْرٌ ، وتُربٌ كل مَظلمة
فهل تساوى تُراب الأرض بالتِبر؟

فاسمعْ لها ولمَا تُلقيهِ من زبدٍ
من المواعظ جَلّتْ عن أسى الزجر

تقول: يا صاحبي ، رفقاً بعِشرتنا
ما كان قلبُك يا زوجاه كالصخر

وما عهدتُك تكويني وتجرحُني
بسيّيء القول والسوآى على الفور

ماذا دهاك؟ أمَسحورٌ ومُختبِلٌ؟
فهل نطالبُ بالإمساكِ والحَجر؟

نصحتُك اليومَ نصحاً أسْتعينُ بهِ
على عِنادك ، لا تمدحْ ولا تُطري

بل انتصِحْ ، ربما أزلت وَحشتنا
حتى أعالج ما استدبرتُ من أمري

والله يشهدُ أني لستُ شامتة
ولن أكون التي حَليلها تشري

يا هذه الزوجة العصماءُ جُدتِ بما
أوتيتِ من كَلِم في ذروة السحر

فاللفظ عذبٌ ، وفي التصوير فلسفة
وفي العبارات باقاتٌ من الزهر

جزاكِ ربكِ خيراً أن نصحتِ له
يا ربة الجود والإخلاص والطهر

أديتِ حق حَليل والعِيال معاً
أنا أثمّنُ ما طرحتِ من نُذر

أنا حِيالكما أحتارُ صبح مسا
ماذا أقدّمُ في شِعري؟ وما عُذري؟

ألا أكون بذلتُ الوُسعَ في حدثٍ
اِحترتُ فيه ، وما عرفتُ ما دَوري؟

شهران لي في صراع دائم شرس
حتى يَراعي خبا في جوفه حِبري

شهراً أفكر في حَل لمعضلة
وأسأل العُلما قرابة الشهر

ماذا أقولُ؟ وقلبي لا يُطاوعُني
حتى يَراعي أبى ، وقد عصى فكري

فهبتُ بالقلم الرصاص يُسعفني
فقال: سِني كسيرٌ ، صاح فلتبري

وبعدُ سطرتُ نصاً ما فرحتُ به
بالدمع أقرؤه على مدى الدهر

فقد فجعتُ بظلم الزوج زوجتهُ
بلا ترو ولا شيء من الحِذر

يا صاح عَدّدْ ، وطبقْ ما أمِرت بهِ
مِن العدالة تحصدْ أعظمَ الأجر

والله ناصرُ أهل العدل ما عدلوا
ومَن سواه يُوافي الخلقَ بالنصر؟

مناسبة القصيدة

العدلُ بين الزوجات أولى! (اعتاد ذلك الصديق على أن يُصلي الخمس في جماعة وفي المسجد! ولا يُمكن أن يُفوّت صلاة الفجر مطلقاً في جماعة وفي المسجد ، إلا أن يكون مسافراً أو مريضاً! ولبعض الخلافات مع زوجته بين مَد الحياة وجَزْرها تزوج عليها الثانية! ومال إليها بكُليته ، وهجر الأولى ، وأهمل بيتها وأولادها ، فأصبحت كالمعلقة لا هي مطلقة ولا هي ذات زوج! فلامتْه وعتبتْ عليه ووبخته ، فلم ينصت! فعمدتْ إلى بعض الصالحين ليُراجعوه ، فلم يسمع إلا صوت نفسه! وكأن الله تعالى أمر بالصلاة وأباحَ تعدد الزوجات ، ولم يأمر بالعدل بين هؤلاء الزوجات! وازدادت الهوّة بينهما ، وأشرفا على الطلاق والخلاص ، لكنها أنصتتْ أخيراً لصوت الشرع والعقل والحكمة معاً ، فربّت أولادَها وحفظتْ زوجها فيهم ، وأكملتْ مسيرتها ، وقامت بدور الم والأب في حياة هؤلاء الأولاد! فكتبتُ أناشد كل مُعدد للزوجات بالعدل بينهن! ومن هنا رحتُ أنصح شعراً وشرعاً لصديقي هذا أن يتوب إلى الله تعالى من ظلمه وتجاوزه قبل فوات الأوان!)
© 2024 - موقع الشعر