دمعة على الزنداني! - أحمد علي سليمان

بَكَى القريضُ بدمع ساجم حاني
على رَحيل رَفيع الشأن زنداني

والتاعَ قلبٌ على مَن كان عَلّمَنا
رَبط العلوم زكَتْ بآي قرآن

عبدَ المجيد عليك العينُ ثاوية
تُزجي الدموعَ لها لطيفُ سُلوان

عَزيتُ فيك دِياراً أصبحتْ مِزَقاً
بين الفراعين مِن فرس ورُومان

عَزيتُ أمة حق هانَ سُؤدَدُها
وأذهبتْ بأسها أجنادُ عدوان

طلابُك اليوم مَن يقودُ جَحفلهم؟
ومَن يُناصِحُ في سِر وإعلان؟

ومَن يُفطنهم إلى شرافتهم؟
ومَن يقودُ إلى نصر وسلطان؟

ومَن يُبَصِّرُهم بالعائدات سبتْ
عقولَ مَن رَكنوا عمداً لطغيان؟

ومَن يَدُلُ على عِز ومَكْرُمةٍ؟
أمَّن يُحّذرُ مِن غدر وخُذلان؟

ومَن يُشاطِرُ في الأحزان مَن غلبوا
مِن بعد أنْ سقطوا في ساح ميدان؟

عَزيتُ فيك بصنعا خيرَ جامعةٍ
وللفروع عَزاءٌ لاحقٌ ثاني

أنشأتها ، فغدتْ بالعِلم عامرة
وبعدُ ألبسْتها وشاحَ إيمان

في حضرموتٍ وفي صَنعا وفي عَدَن
مأوى الأماجد مِن أبناء قحطان

غدا سيفنى جميع الخلق في يمَن
لكنْ صنيعُك هذا ليس بالفاني

عَزيتُ فيك حِمى (الظهْبيِّ) فارقه
ابنٌ مضى فقضى بدون حُسبان

في مَعقِل الترك فاضتُ رُوحُ عالِمِنا
والجسمُ وَدَّعها بكل إذعان

عَزيتُ (زِندانَ) لم ترقأ مدامعُها
بل قرَّحَ الدمعُ فيها بعضَ أجفان

ولو ترى (أرحباً) تُبدي الحِدادَ صُوَىً
وأظهرتْ للورى سَوادَ فستان

عبدَ المجيد نفحت العِلمَ في زمن
فيه الحقائقُ قد نِيطتْ ببُهتان

فكم رَدَدْت على قوم تخرُّصَهم
وكم دَحَضت لهم تضليلَ كفران

وكم أبنت لمن ضلوا ضلالتهم
مُدَعِّماً كل تبيين ببرهان

وكم تعقبت مَن بالباطل انتفشوا
واغتلت باطلهم بكل إيقان

وكم لقيت الأذى في كل مصطدم
ولم يُخِفك تحدي المجرم الجاني

وكم تفردت بالعلوم مشرقة
وما أعاقك حقدُ الحاسد الشاني

وكم أسِرت ، فكان الأسرُ تسرية
ولم يهُزك يوماً قيدُ سَجَّان

وكم تحمَّلت في ليل الفساد دُجىً
فقلت: فجري سيُردي كل إدجان

وكم تغربت عن أهل وعن وطن
فما بكيت على فِراق أوطان

وكم أبدت ظلاماً جابَ مؤتمراً
وكم خصصت الألى جاؤوا بفرقان

ابنُ الثمانين لم تفتُر عزائمُه
بل عاشَ ذا همةٍ عُليا وإثخان

حتى إذا زاره الشيبُ استكانَ له
فبات في الشيب كالمستأثر العاني

وحل ضيفاً عليه السقمُ دون هوىً
والسقمُ طاشَ بألقاب وتِيجان

وأصبح الشيخُ جُثماناً تُجَندله
أغيارُ كم وأدتْ شبابَ جُثمان

لا بأسَ يا شيخنا مما شقِيت به
فالأجرُ مدخرٌ بدون نقصان

رباه فارحمْه والطفْ يا رَؤوفُ به
وجُد عليه بتثبيتٍ وغفران

وكنْ له مُؤنِساً في القبر ما طلعتْ
شمسٌ ، وما بَقيتْ رُوحٌ بإنسان

مناسبة القصيدة

(استحق أستاذنا عبد المجيد الزنداني دمعة تأبين ، حيث رحل عنا يوم 22 من أبريل لعام 2024م ، وكنت أتوقع كذب الخبر ككل مرة! ذلك أننا اعتدنا أن نسمع بموت الزنداني من ثلاثة عقود أو يزيد! ولكن للأسف هذه المرة توثقَ الخبر! فرحمَ اللهُ الشيخَ الزنداني! فمن هو الزنداني؟ وماذا استفدنا منه عبر مسيرةٍ علميةٍ امتدت أربعة قرون ، ونحن نطالع له موضوعاً تفرد به: (الإعجاز العلمي في القرآن الكريم)؟! ولد الشيخ عبد المجيد بن عزيز الزنداني سنة 1942م ، في قرية الظهبي بمديرية الشعر من محافظة إب ، إحدى محافظات الجمهورية اليمنية ، ولكن أصله من منطقة "زندان" في مديرية أرحب بمحافظة صنعاء. تلقى تعليمه الأولي في الكتّاب بمسقط رأسه ، والتحق بالدراسة النظامية في عدن ، ثم انتقل إلى مصر للدراسة الجامعية ، فالتحق بكلية الصيدلة ودرس فيها سنتين ، ثم تركها بسبب اهتمامه بالعلم الشرعي ، وأخذ يقرأ في علوم الشريعة ، وتسنى له الالتقاء بأكابر العلماء في الأزهر الشريف. انكب على الدراسة على علماء ومشايخ الأزهر الشريف قبل أن ينتقل إلى المملكة العربية السعودية ويلتقي كبار علمائها وأدبائها ، من أمثال الشيخ عبد العزيز بن باز ومحمد بن صالح العثيمين ، وحصل فيما بعد على شهادة الدكتوراه من جامعة أم درمان الإسلامية في السودان. ووسّع مداركه من خلال المطالعة واستنطاق النصوص الشرعية ، ومحاولة فهمها في ضوء الحياة المعاصرة والاكتشافات العلمية ، مما فتح أمامه مجال الإعجاز العلمي في القرآن الذي شكل أحد أهم انشغالاته ومجال تميزه. وكان قد مارس التدريس أثناء وجوده في السعودية ، وتولى بعد عودته إلى اليمن وظائف ومسؤوليات مختلفة ، من بينها إدارة معهد النور العلمي ووظائف تدريس في بعض مؤسسات التعليم. ثم عاد الزنداني إلى صنعاء وتولى إدارة الشؤون العلمية في وزارة التربية والتعليم ، وساهم في تدريس عدد من المواد العلمية كمادة الأحياء ، ثم عيّن رئيساً لمكتب التوجيه والإرشاد عند إنشائه سنة 1975 م قبل أن يعين في وزارة المعارف. وشكل الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة النبوية أحد الانشغالات الأهم للزنداني ، واعتبر على نطاق واسع أحد أبرز العلماء المعاصرين الذين حاولوا البرهنة على سبق القرآن في مجال الحديث عن الاكتشافات العلمية في مجالاتٍ كثيرةٍ كالطب ، وخلق الإنسان ، والجيولوجيا. وفي عام 2004م أعلن أنه اكتشف دواء لمرض فقدان المناعة المكتسب (الإيدز) ، وذلك عن طريق خلط مستخلصات من أعشاب قال إن لها تأثيراً على الفيروسات وعلى بعض الخلايا السرطانية. وأكد أن أبحاثه في هذا المجال استغرقت 15 عاماً ، رافضاً الكشف عن الوصفة خشية السطو عليها مما سماها "مافيات الأدوية". ثم أعلن عنها فيما بعد احتساباً للأجر عند الله تعالى! ونفع الله تعالى بها أناساً فشفاهم!)
© 2024 - موقع الشعر