قراءة في أوراق الماضي 2 - أحمد علي سليمان

وأَعُودُ لعيني أَذكرُ وضعًا يُحْزِنُ يُزْري...
حيثُ الجُرحُ النَّازفُ عُمْري...

فأعزيها ، والكلماتُ ثكالى مِثْلُ الجَمْرِ....
فأعودُ بذاكرتي أقرأ في صَفَحاتِ العُمْر ...

أتذكرُ بَقَّالَ القرْيَة....في «كَفْرِ سُليمان البَحَري»
«عباسٌ» يبذلُ كلَّ الخَيْرِ...

ويُريدُ مُقابلَ هذا عند رحيل الشَهْرِ...
وأنا تُرسلُني أُمِّي ، آخذُ مِنْ عباسٍ مَطلوباتِ اليَوم...

وعلى رغم عُبوسِ الإسْم يَبَشُّ بِوجهي...
مِعْطَاءٌ يا عباسُ ، ورجلٌ فوقَ الوَصف....

ورقيقٌ تَبذلُ للأطفال العَطف...
وأعودُ لأُمِّي أحملُ ما أعطاني فَورًا...

وأعودُ لعباسٍ مِنْ خَلفِ الأُمِّ سَرِيعًا...
آخُذُ حَلْوَى ...

لكنِّي لم تأمرْني بالحَلوَى أمي هذي المَرَّة...
ويُصَدِّقُ عباسُ الدَّعْوَى...

آكل ما أعطاني عباسُ وأمضي...
وإذا رحل الشهر تعالى خطْبِي

قد كنتُ أُعبِّئُ كل الماضي فِي ذاكرتي...
أَتَذكَّرُ أنِّي كنتُ أرى بعُيوني هذي دربي...

وأرى الأفكارَ العذبةَ تعدو صَوْبي...
وأرى حُبِّي...

لكنِّي كُنْتُ صَغيرًا ، لا أَدري حَجْمَ الذَّنْبِ...
-------------------------------------------------------------------------

أحْبَبْتُ القريةَ حُبًّا جَمًّا...
فهُنالكَ كانتْ كُل حياتي الأُولى...

وهنالك كانتْ أُمي وأبي جَنْبي...
والناسُ جميعًا صحْبي...

والفرحةُ كلُّ الفرحة تسكنُ قلبي...
والعيشُ يُرفرفُ عذْبًا مِثْلَ الشَّهد...

ولهُ عطرٌ رطبٌ رَخْوٌ مِثل الوَرْد...
الفترةُ هَذي لا أنسَاهَا أبَدًا...

إنَّ المَاضِيَ هذا يَسْعَى فوقَ سَمَاءِ المَجْدِ...
كانَ العُمْرُ يُزَمْجِرُ مثل الرَعْدِ...

ويُسافرُ في دُنيا الناس ، ويَقْطَعُ كُلَّ البُعْدِ...
وأطالعُ في أوراق المَاضي بعضَ الحُرْقَة...

قلتُ أعيشُ على هامِشِها ، أصْبرُ حتى أدخلَ قَبْرِي...
قَدْ كُنْتُ أُصَاحِبُ بَعْضَ الرفْقَة...

غَشتْهَا بَعْضُ الزُّرْقَة...
حيثُ أحالتْ بيني والأصحابِ الفُرْقَة...

فمشيتُ بعيدًا عنهم ، كانتْ أصْعَبَ شُقَّة...
ودموعُ فِراقِ الصَّحْبِ تزيدُ الخَفْقَة...

والقلبُ تناءتْ عنه العَزْمَة...
وطوتْهُ الظُّلْمَة...

فتناثَر في أرجاء المحْنَة ، مِثْلَ النَّسْمَة...
لم يتحملْ بأسَ الهَجْمَة...

ليتَ القلبَ تماسكَ بعضَ الوقتِ
ليَعْبُرَ هذي الأزمَة...

------------------------------------------------------------------------
وطفقتُ أُداعبُ كل خُيوطِ نُجومِ المَاضِي...

يا هذا الحاضرُ ، هلْ جرَّبْتَ دَلالَ النَّجْمَة...
تَبدو هذي النجمةُ في الآفاق

تُجَمِّلُ كل سَراب الغَيْمَة...
آهٍ ، قد حَرَقَ نفاقُ الصحب قماشَ الخَيْمَة...

والنجْمَةُ تَسألُ في الآفاق طُيورًا قد أزتَّها الهِّمَة...
تسْتَصْرِخُ: أينَ الأُمَّة؟؟

أينَ صَلاحُ الدِّين؟ وأينَ النَّخوة؟ أَيْنَ الذِّمَّة؟
بل أينَ رجالُ صلاح الدِّين جَمِيعًا؟

مَنْ يَغْسِلُ عَارَ الصَّدْمَة؟
«حِطِّينُ» تَناءتْ في كَوكَبةِ الظُّلْمَة...

وطوتْها في الدرب سَحائِبُ ضخمَة...
ومحتْها مِنْ عالمنا فعْلاً...

محقتْها رغمَ الأنفِ طُلُولُ العَتْمَة...
أصحابُ صلاح الدين تناءَوْا ، يا للوَصْمَة...

وانتُهِكتْ في أرض الدار الحُرْمَة...
آهٍ كيف المَهْربُ مِنْ مأزقنا هذا؟ قُولوا...

قولوا: كيف نصيرُ رجالاً؟
كيف نُرَجِّعُ مِنْ ظُلمات الليل الأخرسِ هذا هَدْيًا وَلَّى؟

أو كيف نهُزُّ الأرض بدَمِنا ، بجماجمنا ، وكتائبنا؟
نُرْجِعُ أرضًا سُلبتْ مِنَّا ، نرجع مجدًا وَلَّى ومَضَى...

أنا عندي الحَلُّ ، وربِّ العَرْشِ ، وليسَ سِواه...
الهِنْدِيُّ الصارمُ يمحو هذه الغُمَّة...

هذا السيفُ محاها أولَ مَرة ، وكذا يمحوها ثانِي مَرة...
للدَّوْر الألفِ أقولُ: السيفُ القاصلُ يمحو الغُمة...

وسيُسعد كل فؤادٍ كان يتوقُ إلى الحُرِّيَة...
وسيشفي صُدورَ القوْم العُزلِ في بَيْداءِ الاسْتِضْعَافْ

وسيمحقُ كُلَّ إسافْ ، وسيُهلِك من أعداء المَوْلَى بالآلاف...
وسيُذهب غيظ قلوبٍ تتمنى ذَبْحَ الإِرجَاف...

ويُعذِّب ربُّ الناس بأيدي الحق مَنِ استَعلى...
لكن ، أينَ رجالٌ تحملُ هذا الصارمَ؟ قولوا: أين؟

قولُوا: كيفَ بُلوغُ القِمَّة؟
لا ألقاكُم بعد نذيري هذا مَوتَى...

وَدَعُوكُمْ مِنْ أعذارٍ تَبْدُو ضَخْمَة...
ودَعُوكم مِنْ كلماتٍ خَجْلَى....

مُتجردةٍ تبدو فَخْمَة
لا ألقاكم بعد وَعيدي هذا هَلْكَى...

ودَعُوكم مِنْ قولتِكم: «هذي قِسْمَة»
إنَّ مَعِين الحَقِّ يُنادي:

فيخاطبُكم: هذي بئسَ التُّهْمَة...
لا ألقاكم بعد كلامي هذا صَرْعَى...

ودعوكم يا أقوامي مِنْ أغلال اللُّقْمَة...
مَكْفولٌ هذا القوتُ ، وربِّ الكَعْبَة...

ويُطاردُ صاحبهُ القوتُ ، ولو في البُرج العالي...
والبيتُ له ربٌّ يحميه ، تخلُّوا عَنْ خيْبتكم هَذي...

والمبدأُ منتصرٌ حتْمًا ، رغم أُنوفِ نِفاقِ القوم...
أغلالُ اللقمَة ليْسَتْ عُذرًا...

لن تنفعَكُم هذي الكلمةُ أبَدًا...
فذروها في قاموسِ الخَذْلِ تُسلِّي مَنْ صَاغُوهَا...

وتُرفِّهُ مَنْ عبدوها ، وكذاكَ تُسَامِرُ مَنْ جعلوها عُذرًا...
يا أغلالَ اللقمة كُفِّي ، قد بددتِ القِيَمَ العُليَا...

وكذلك يا أقوامُ دعوكم مِنْ أغلال اللقمَة...
------------------------------------------------------------------------

قد كنتم يومًا جيلاً يضربُ في أسماعِ الدُنيا المَثَلا...
كنتم جيلاً يَغلبُ مَنْ عاداهُ ، ويزهو...

كنتم جيلاً لا ينتصرُ عليه عدوٌّ أبَدًا...
لا يعبدُ لاتًا أو عُزَّى...

وكذلكَ لا يَعْبُدُ شِعْرَى ...
وإذا افتخرَ عبيدُ الشِّعْرى...

أسمعَهُم بالصوتِ الهادر صوتَ الوحْي ونُورَ التقوى...
وأحال الدنيا أذنًا تسمعُ منه «السَّجْدة» بل و«البَقَرةَ»

و«الأعراف» كذلك ثمَّ «الشُّعَرَا»
ماتَ الجيلُ الشَّهْمُ المَرْجُو...

ودَّعَ هذي الدنيا مُنْذُ قُرونٍ مَرَّتْ تَتْرَى...
ذاك الجيلُ العالي الهِّمَّة...

جِيلٌ كانتْ تستهويه الحِكْمَة...
يتسامَى فِي أفلاكِ الرَّحْمَة...

يَرْعَى واللهِ حُقوقَ النَّاسِ جميعًا...
ويُحقق آمال الدنيا وِفقَ شريعة ربِّ الناس...

يَرْعَى رغمَ سَعِير الحالِ الحُرْمَة...
يَزْرَعُ في آفاق الكَوْن البَسْمَة...

وله رغمَ ظلام الليل ، وظُلمِ الناسِ ، وقصفِ الرعدِ
وبأسِ الكيدِ العَزْمَة...

لا يلهثُ خلفَ سَراب الدُّنيا...
ليستْ تَستعبده هِمَمُ الأرض السُّفْلى...

ليس يُفَرِّغُ كل الطاقة في مَطْعُومِ البَطْن
لا يسعى خلَف الرِّمَّة...

لا يطمعُ مِنْ هذي الدنيا فِي شَيء أبَدًا...
لا يطمعُ في أموالٍ تَفْنَى...

أو أغنامٍ تُرْعىَ...
أو أبناءٍ ليس لديهم مِنْ آياتِ اللهِ نَصِيب...

حتى ليسَ لديهم حِكْمَة...
لا يَطمعُ مِنْ هذي الدنيا في جَرْعَةِ ماءٍ أو قَضْمَة...

بلْ يَطمعُ في مَرضَاةِ اللهِ ، ونِعْمَ الهِمَّة
--------------------------------------------------------------------------

أَتذكرُ مِنْ صَفَحَاتِ المَاضي صَفْحَةَ أُمِّي...
وأنا بينَ يديها مِثلُ الزَّهْرة...

طِفلٌ قد داهَمَهُ المَرَضُ ، وعَانَى...
واحْتَارَ أطبَّاءُ الأرض وقالُوا:

لنْ يَحْيَا هذا الطفلُ كثيرًا...
فاحفُر يا لَحَّادُ الحُفْرَة...

وَارِ السَوْأةَ ، لا تأخذْكَ العَبْرَة...
إنَّ الطِّبَّ عَلِيلٌ هذي المَرَّة...

قالتْ أمِّي: حَاول يا دكتورُ ، ودَوِّنْ بعضَ القَطْرَة...
هذا طفلي الأوحدُ ، صَدِّقْ ، وأنا قبلُ أعاني حَسْرَة...

فأنا قبل رَحيلِ غُلامي ثَكْلَى...
مَا بَالُك إنْ فارق طفلي هذي الدنيا؟

قَدِّرْ يا دكتورُ شُعُورِي ، وارحَمْ ضعفي ، فأنا لَهْفَى...
وأراكَ بعِلمِكَ هذا ، في مَشْفاكَ الحُلوةِ هذي

أستاذًاً للطبِّ ، وعَلَمًا مِنْ أعلام الخَيْر ، وصاحبَ خِبْرَة...
قدِّر ما أَطلبُهُ مِنكَ ، فإنَّ فؤادي قد حَرَقَتْهُ الجَمْرَة...

ودُموعِي كَثُرَتْ فوقَ شِراع الأمل المُعْتِم هذا...
وسرابُ الدمع يُحَرِّقُ زورقَ سَفري...

ذبحتْ قلبي يا أستاذَ الطبِّ العَبْرَة...
خنقتْني الثَّوْرَة...

لو كان الأمرُ إلىَّ لجَفَّتْ بئرُ صِرَاعِي...
ولَمَا أحنيْتُ لشبح الجَزَعِ ذِراعِي...

ولَمَا أحرقْتُ يَرَاعِي...
ولَمَا مَزَّقْتُ شِرَاعِي...

ولنالتْ مِنِّي الدنيا كُلَّ الطبِّ ومَا لَمْ تَعْلَم...
ولكانَ العلم النابعُ مَنِّي أوديةَ شُعَاعٍ

تَضْربُ يا أستاذ الطب هنالكَ في أوديةِ شُعَاع...
لكنِّي أَمَةٌ عَزْلَى ، ليستْ تملك شيئًا يُذكر...

والأمرُ جميعًا يا دكتورَ الطب لربِّي الأكبر...
أكبرُ مِنْ كل الكَون ، وكل الناس ، وكل الدنيا...

لا يُشبهُه أحدٌ أبدًا ، لا يشبهه شيءٌ أبدًا...
وعلى العرشِ اللهُ المُوْلَى...

خلق الناسَ ، وخلق الدنيا...
فلهُ الخلقُ ، وله الأمْرُ

وأبو طفلي خَلْفَ الباب يُنادي
وأنا امْرأةٌ قد سَبقتْني دون العِلم الضَّرَّة...

وأخيرًا ، لك تقديري ، وتحياتي...
لكنَّ طبيبَ المَشْفَى قد أخذتْهُ الثَّورة...

واندفع يُجَرِّعُ أمِّي وأبي
كلَّ الأمل الكامن في أعطافِ القَلب...

ويُزمجرُ: ليسَ لديَّ الحِيلةُ صِدقًا...
خانتْ حالة هذا الطفل خزينة طِبِّي...

لا أعرفُ عنْ حالتِه شيئًا...
كيفَ أُحرِّرُ عنه كلامًا؟ قُولُوا...

كيف أُحررُ عن حالتِهِ تلكَ النَّشْرَة...
وأضافَ بِصَوْتٍ هادِي النَّبْرَة:

لَنْ يبقى هذا الطفلُ بهذي الدنيا فَتْرَة...
فتحجَّرَ قلبُ الأمِّ ، وأصبحَ مِثلَ الصَّخْرة...

وأضافت أمي: يا دكتورُ تمهَّلْ ، أعدِ النَّظْرَة...
وأضاف أبي: قَدَرُ الله المَوْلى أحْلَى

مِنْ كلماتِكَ هذي المُرَّة
سوف نُفَتِّشُ في أعماق الأرض نُريدُ الطِّب

وسنلتمِسُ العِلم هنا وهناك
فاطمسْ مِنْ كُرَّاسِكَ هذي الفكرَة...

واهدأ نفسًا ، واَمْحُ السَّوْرة...
إنِّي رجُلٌ ، فِلْذةُ كبدي بينَ يديكَ ضَحِيَّة...

وأُقَدِرُ تعبَك يا دكتورُ كثيرًا
وكذا أحترمُ الطبَّ ، وأشهدُ أنَّ العلم مُحِقٌّ جدًّا

لكن فوقَ الطبِّ ، وفوق العلم ، وفوق الدنيا والأكوانِ
وفوقَ الأرض وفوقَ سماءِ الكون وفوق العرش الرب...

أنا لستُ أقول بأنَّ الله المولى ، في كُلِّ مَكانْ
لكنْ أقصد أنَّ الله يُقدر أجلَ المرء

إنْ عاشَ ابني ، فلأنَّ الله المَوْلى قَدَّرَ هذَا
وكذا إنْ مَاتَ فربُّ الناس مُقَدِّرُ هذا

فارفعْ يا دكتور القلمَا...
جففْ يا متعدٍ هذي الصُحُفَا

نزِّهْ نفسَكَ وامحقْ هذا الزَيْفَا
واقبلْ أشواقِي وتحياتِي اللهفَى ....

-----------------------------------------------------------------------
يا عَيْني المَاثِلَةَ أمامي ، في آبار الحُمْرَة...

حُمْرَةُ دَمٍ ، حُمْرَةُ دَمْعٍ ، يَا وَيْحَ الحُمْرَة...
مَرَضِي الأولُ أعيا طِبَّ الأرض

أعيا حتى كُل رجال العِلم...
أعيا مَرَضِي مَنْ يَعْتقدُ الصَّلب...

مَنْ عبدوا غيْرَ الله المَوْلَى...
كُلَّ طبيبٍ أو شَمَّاسٍ قد قَتَلَتْهُ الشُّهْرَة...

أعياهُم وتَجَاربَهُم مَرَضِي هَذا...
وعَقَاقيرُ الطِّبِّ جَمِيعًا فَشَلَتْ....

وكذا أدويَةُ الطبِّ جميعًا عَجَزتْ...
وعِلاجَاتُ الجَدِّ الأكبَر...

والمِسْتِكَةُ كذا والعَنْبَر...
والرَّدَّةُ ، والعُشْبُ البَرِّي...

وتَعَاويذُ السِّفر الأول....
وتَرانيمٌ فِي مأتمهَا...

وأغاني الإصحاح الأوحَد...
وكذا وَصَفَاتُ الحَاخَام الأعظَمْ...

وتهَاوتْ كلُّ أساطين الطِّبِّ ، وفشَلَتْ....
سقطتْ كلُّ دعاوي الطب الماثل مِثْلَ هَتِيفِ الغَيث

أعيا كلَّ الناس بلا استثناءٍ مَرَضِي...
---------------------------------------------------------------------

واليوم تعاني من آلام الحادث عيني
ويُريدُ الطبُّ علاج المقلة ، لكن تأبى

ويُعيدُ الجِسْمُ الكَرَّة...
والعَيْنُ اليُسرى في الآلام تعيش السَّهْرَة...

يَا عينُ كفاني حُزنًا ، قلبي ذابَ ، وذابتْ رُوحي...
ويحَ العين ، أليسَ تُحِبُّ «الأوكيوفينَ» دواء؟

ما أعتى هذي القطْرَة...
أإذا مَرِضَ الناس تَدَاوُوا؟

وأنا في الآهاتِ أجُرُّ العَثْرَة؟
أيعيش الغير العُمْرَ سَعِيدًا ،

وأنا في سَكراتِ الحَسْرَة؟
أيمُوتُ الصَّوتُ على شَفَتِي؟

وأنا وحْدِي تَحْتَ سِيَاطِ القَطْرَة؟
وأنا أيضَا تحْتَ عذاب العُسْرَة؟

لله الأمْرُ ، أيَا عَيْني...
وكفانِي في أشجاني مُكْثَا

وكفانِي في ظُلماتي حَيْرَة...
------------------------------------------------------------------------

أَتذكَّرُ كلَّ الماضي ، أسألُ كل شكاة: مَاذا العِّلَّة؟
وأسَطِّرُ كلَّ حُروفي الخَجْلَى فِي أوراقِي...

وَأعبِّئُ حُزْني في أعماق السَّلَّة....
في سلة أحزاني كمْ ، مِنْ أوراقٍ كَلْمَى تَلْهُو...

رغم دِماءٍ تنزفُ مِنْهَا تلهُو...
ثُمَّ تهبُّ سريعًا تعدو...

تَصرخُ في طابور الحَمْقَى....
تَسألُ: أين الصحبُ تناءوْا؟ أينَ الثُّلَّة؟

كيفَ الصاحبُ خانَ العَهْدَ ، وخانَ القِبْلَة؟
يا هذي الأوراقُ كفاكِ صُرَاخًا...

إنَّ رفاقَكِ باتُوا سَيْفًا
يذبحُ نُورَ الحَقِّ ، ويَشْرَبُ دَمْعَ الطِّفْلَة...

غدروا ، لعبُوا بالإسْلام ، وسَلَبُوا...
أكلوا بالآياتِ وشَرِبُوا...

أَخَذوا بالترتيل ونَهَبُوا...
باتَ شِعَارُ التقوى عُمْلَة...

والخيرُ صريعٌ فوق نفاق القومِ الحَمْقَى...
ليس هنالكَ مِنْ خِلانٍ أو أصحَاب...

وكذا ليسَ هنالك خُلَّة....
ذهبت رِيحُ الحق بِدار نفاق الصَّحب...

عُبدَ اللاتُ ، وعُبد إسَافُ وهُبلُ...
وكذا يَعبوبُ ونائلةٌ...

وَمَنَاةُ الثالثةُ الأخْرَى...
عُبدَ العُزى الأكبرُ ، رَغمَ أنوفِ رجالِ الحَق...

عَضَلَتْ بالإنسان الثُّقلة...
وطغَتْ «عَبْلَة»

صرنا في أدمغة شعوب العالم مُثْلَة...
أخذتْنا عن آيات كتاب الله الغفلة...

وأضعنا في الدرب هُويتَنَا ، وأضعنا كلَّ شهامتنا ،
وأضعنا كلَّ مروءتنا ، وأضعنا نورَ خلافتِنا ،

وأضعنا الأرضَ وكلَّ الأمَّة ، يومَ أضعْنا المِلَّة...
باتَ البَاطِلُ حقًّاً ، صِرْنَا للأعداءِ الكَلأَ...

------------------------------------------------------------------------
أراني بكيتُكِ بالدمِ والدمع يا مقلتي ، كم بذلتُ الكثيرْ...

ذرفتُ الدموع أعزي فؤادي بما نالني مِن أسى
مع الحزن قدمتُ دمعَ الإباء القريرْ...

أعزي بدمعي مصيرًا مريرًا محا أمتي...
على «البوسنة» انساب دمعُ الضمير الكسيرْ...

وأغرق «بُروما» التي تستجيرْ...
وأغرق طوفانُ دمعيَ «كشميرَ» حتى انتهى

حَزِنْتُ كثيرًا على المُبعدين مِن المسلمينْ...
هنالك ضاعوا ب «مرج الزهورْ»...

و«موستارُ» يقلقني جُرحُها...
----------------------------------------------------------------------

وليست تُعَدُّ دموعي على (الوطن اليَعربي الكبير)
وقد أحرقته سهامُ الفتن

يُفتش عن دربه في الظلام فلا يهتدي
ويلبس بُرْنُسَ أهل الغروب لكي يُكرموه

ويغسل بالذل وجهَ الكرامة ثم يَخُورْ
ويُرضي العبيدَ ومَن نسبوا للمليكِ الولدْ

ويكْرم أهلَ الخنا والزنا ، وأهلَ الغواية مَن أفسدوا
وأهلَ التهتكِ مَن شوهوا كل حسن بدا

وأهلَ الفنون من الهازلينَ ، من الراقصينَ دعاةِ الفُجور
ويقتلُ أهلَ الهداية أهلَ السماحة مَن آمنوا

ومَن رفضوا الذل لم يرضخوا
ومَن للشياطين لم يَركَنوا

ومَن أخلصوا دينهم في الورى للعلي القديرْ
فلم يعبدوا غيره أبدًا

ولم يُجْرموا ، ولم يُشْركوا ، ولم يُفسدوا
ولكنهم تبعوا المصطفى

وساروا على نهجه المستنيرْ
أراني بكيتُ على إرث هذا النبيِّ

وقد أصبح اليومَ بين الأنام كمثلِ الغريبْ
بكيتُ الشريعة في جُل شعري الكئيبِ الحزينْ

وسجلتُ دمعي شعورًا وشعرًا بعزمٍ جهيرْ
وغيري يُسَخر أشعاره للخنا

يُسطرها لتكون وقودًا لأهل الغِنا
ليَحرقَ في الناس ما عندهم مِن بقايا الحيا

ويرفعَ شأنَ المُكاء الحقيرْ
ويعلو الهُراءُ ، ويسمو الضلالُ ، ويحيا الصفيرْ

لأن المشاعر أمست تُباع لأهل الفنون
وأمستْ سبيلاً لتدمير أهل الهُدى

وأمستْ تُهيِّئُ مَن يجتبيها لنار السعيرْ
كذلك أمست تُباع وتُشرى بسوق العبيد جميعُ الذممْ

ومَن يجهل الحق يكدح في هذه السوق حتى يبيعْ
-------------------------------------------------------------------------

ويُنصَب فوق العبيد الجياعِ المَزادْ
ويأتي الجميعُ لكي يأكلوا

وبعد الطعام سيشربُ كل الأنام مياهَ الغديرْ
ويدخل نارَ الشياطين مَن لا يبيعْ

يُصب عليه العذابُ الشديدْ
ويُحرم مِن كل خير رفيع

وتنظر في الأفق لستَ ترى
سوى جَوْقة يَقرعون الطبولْ

وبعضَ العبيد بأيديهمُ البوق كي ينفخوا
وبعض الأصاغر في ذلةٍ يحرقون البخور

ومَن كان ينكح أمًّا له بعد موتِ أبيهِ
يقولُ له اليَوْمَ: أنتَ أبي

وأنت الملاكُ ، وأنتَ المَلاذُ ، وأنتَ الحِمى ، بل وأنت المُجيرْ
وأنتَ بأخذ مكان أبي عند أمي جديرْ

وليتكَ جئتَ مِن الأمس كي نستريحْ
ألا إنَّ ذلك هزلُ العبيدْ

وقولٌ عن الزيف لم يختلفْ
وزورٌ دنيءٌ خسيسٌ خطيرْ

----------------------------------------------------------------------
ولو قال رهط لفرعونَ: «لا»

وقدَّم بعد الكلام الفِعالْ
وقدَّم في الحرب بعض الرجالْ

وقدَّم عند النزال الدماءَ ، وبعضَ الحياة
يمينًا لعاد إلى رشده ، وأدركَ بأسَ صنيع الإباءْ

ولمَّا يُصرح «أنا ربكم» ، وليس على الأرض لي من نظيرْ
ولمَّا يقلْ: «ما علمت لكم من إلهْ»

فليس لكم أن تقولوا: سِوايَ الإلهْ
ومَن خالفَ الأمر يلقَ جزاهْ

أطاع الجميعُ ، ولم يُنكروا
ومن قال: لا ، ذاق أعتى مصيرْ

وساد الفراعنُ مِن يومها
وذاق العبيدُ سُمومَ الطغاة

لأن العبيد يُحبون أي حياة
أطاعوا لأن التزلفَ للظُّلم سَمْتُ العبيدْ

ولا يرتضي الجَوْرَ والقهر إلا الذليلُ الحقيرْ
وقالوا لنا: «نحن مستضعفون»

ولم نقْوَ بعدُ على حربهِ
وليس لدينا الرجالاتُ حتى يكون النفيرْ

وليس لدينا العتادُ المكافئُ للمجرمينْ
وإن لقاء الفراعين أمرٌ علينا عسيرْ

وحربٌ ضروس ستُودي بنا
ولن ترحمَ اليومَ فينا النساءْ ، ولن ترحمَ اليوم حتى الصغيرْ

فهوِّن عليكَ ، وكن مُنصفًا
وزيِّنْ كلامكَ بالمنطق العدل ، لا تنفعلْ

وأعطِ اليراعةَ بعض الشهيق وبعضَ الزفيرْ
ودعنا نحللُ أمرَ الخروج على مَن طغى

ومَن قال: إني إلهٌ لكم
وإني أنا الرب ليس سواي

فقلتُ: تريدون أن تُفحمونا
بأنَّ الخروجَ عليه ابتداعٌ مُبيرْ

وأن الإطاعة رغم الأنوف له واجبة
أقول: خسئتُم ، وردي عليكم يسيرٌ يسيرْ

لأني أسائل ما فَرْعَنَه؟ وما ألَّهَه؟
ولا أسمعُ اليوم منكم جوابًا يثيرُ الهممْ

أسائل: أين زئيرُ الرجال؟ وأين الفئام؟
وأينَ الحنيفةُ يومَ انجمعتُم لديه ضُحَىً؟

ونادى عليكم: أنا ربكم ، وإني الإله
وزاد: سأهدي جميعَ الأنام سبيلَ الرشادْ

وأسأل: أين الجوابُ الجهير؟
وأينَ الرجالُ ترد عليه ، تقول بأنكَ لستَ الإلهْ؟

ولكن ربَّ السماوات والأرض ربُّ الجميعْ
له الخلق والأمر معبودُنا ، وليسَ سواهْ

تبارك ربُّ الوجود الإلهُ القديرْ
وما دمتَ تزعمُ أنك فينا إلهٌ كفرت

وكنتَ على الله أنتَ الجريء ، وكنتَ على النار أنت الجَسورْ
ولكنكم قد ركعتُم له ، وصفقتُمُ للضلالِ المُبينْ

وغركُمُ بالمليكِ الغَرورْ
رضيتُم بما قد رآه لكم ، سبيلَ الرشادِ كما يَدَّعي

وضاعت على الدرب آمالُكم
كأنَّ الديارَ على فِسقها

أقامت ، ولم تكُ يومًا تثورْ
وما كان «يُوسُفُ» فيها العزيز

وما كان شرعُ الإله بأرضي يَسودْ
يمينًا يضيعُ بِذلِّ العبيد القرارْ

ويُفلتُ ممن يحب الرشادَ الإباءْ
وتغدو الكرامةُ في الصدر نارًا تفورْ

ويسعى الأُباةُ لإنقاذ مَن آمنوا
ولكنَّ بأس القيود عنيفٌ عَتِيُّ المِراسْ

ويَسعد في الدار مَن عربدوا
--------------------------------------------------------------------------

© 2024 - موقع الشعر