قراءة في أوراق الماضي 1 - أحمد علي سليمان

يَا شَامَةَ وَجْهي ، يا أُمنِيتي ، يا جَوهرتي ،
يا آسرتي ، يا مَفْخَرتي: «يا ذي العَيْن»

أنتِ الدُّرةُ ، أنتِ الحُرةُ
أنتِ لعَلَّ وليتَ وكيف وماذا وأَينْ

أنتِ البَسْمَةُ ، أنت الأمل الدافئ في آناء الضَّيْم
لأنكِ عَيْن

أنتِ النُّورُ ، وأَنْتِ الفَجْرُ
وأنتِ حَيَاتِي: يا ذِي العَيْن

وأنَا لفِراقِكِ مُلتاعٌ ، مَكْسُورُ الخَاطِرِ
باكِي العَين

وبكُلِ بُحُور الشعرِ بَكيْتُ
وتلظَيْتُ ، غزانِي الشَّينْ

بالبَحر الكامل ، كانَ بُكائي
وكذا بالوافر ، والمُتقارِب ، كُنتُ بَكَيتْ

وكذا بالرَّمَل بَكَيتْ ، وكذا بالهَزَج بَكَيتْ
وتَحَديْتُ بُحورَ الشعرِ ، وتَلَظَّيْتُ بوَزْنِ الجَمْرِ

وكذا عانَيْتُ بكل رَوي
وعَلا في قَلبي كلُّ دَوي

قافيةٌ تحْطِمُ قافِيَة أُخْرَى
لأعزيَ بالشعْرِ جميع الشعر ضِيَاءَ العَيْن

حتى بالشِّعْرِ الحُر المُوغِل في غَيَّابَةِ جُبِّ الزَّيْفِ
بَكَيْتُ العَيْن...

وكذا باللاشعر بَكَيتْ...
ما كنْتُ أفكِّر فِي هذا أَبَدًا

ما دار بخَلَدي ، لمْ يَطْرُقْ يومًا ذاكرتي...
أنْ أكتبَ لا شِعْرَ ، وأزعمَ أنِّي أكتُب شِعْرًا...

أنْ أمسَخَ شِعْرَ المُتنبي...
أنْ أطعَنَ بالكَلِمَات جَريرَ أو الخَنْساء...

أنْ أُوغِرَ بالألفاظ مَعِين زُهَيْرٍ وابْنِ المُقْرِي...
ولقدْ سَاءلتُ الماضيَ عنكِ مِرارًا...

فتجاهلني أولَ مَرة.... وتحداني ثانيَ مَرة....
فاستعطفتُ الماضيَ قلتُ: تمهلْ ، هذي ثالثُ مَرة...

مُذ وقعَ بعَيْن الشَّهم الحَين...
فإذا الماضي يضربُ كَفًّا فوق الكَفِّ بقسْوَة...

ويقولُ: تُسائلنِي عَنْ عينِكَ هَذي ، عَجَبًا...
مَا عِلمي؟ يا هذا قلْ لِي: ما تجربتي؟ من أعلمني؟...

أيامُ المِحنةِ وَلَّتْ تبكي... وكذا المُقلة تبكي
فاحملْ عينَك فوق جِبال الصَّمتْ...

ودع الماضيَ فِي حَيْرته...
واستقبلْ أمْركَ يا هذا ، وانهضْ فالأيامُ تَمُرُّ مُرورَ الطَيفْ

كُفَّ لعَلَّ ، وليت ، وأين ، وكيف....
--------------------------------------------------------------------------

طالعتُ الصورةَ يا عيني...
فتضايقْتُ كثيرًا جدًّا ، وتَململتُ ، وتَعَسرتْ...

وأخذتُ النفسَ بثورتها ، وأخذتُ الرُّوحَ بآهتها
وأخذتُ القلبَ بطعنته ، وبكيتُ كثيرًا ، وبكيتْ...

وطفقتُ أسائلُ أقلامي ، وكذا أرتادُ قراطيسي...
وأُحَاكِم في كل سُفور وجَلاء كُلَّ عُبوسي ، ومتاريسي...

وأُزمجرُ: أينَ حياتي يا أقوامي ، وأحاسيسي....
ثمَّ مشيتُ على آلامي ، حتى أدمتْني آلامي...

ومشيتُ كثيرًا فوق الأمل الدامي هذا ، ثمَّ مشيتْ...
جِسْرُ الأحزان وزورقُه ، والموجُ على حُزني يطفو...

وأنا المستهدفُ يا قومي...
والدمعُ إلى قلبي يهفو...

والصورةُ هذي في المرآة تُعذبُني...
تَكوي في مَلهبة اللوعة رُوحي...

ثمَّ تُعبئ في خَلجَاتِ النفسِ كُلَّ جُروحي...
وحَزِنْتُ على شعر الماضي المُوغِل في أعمَاقِي...

حيثُ الشمعةُ ، تتلو الشمْعَة...
لا حُزنَ على قلبي أَبَدًا...

فالقومُ جميعًا عُوَّادي...
فعلامَ الحزنُ؟ وفيمَ اللوعةُ؟ إني رجلٌ أحمِلُ زادي...

لو أظلمتِ الدنيا ، نُوري عندي..
والأصداءُ هنالِك خلفَ سَرابِ العُمْرِ تُنادي...

والخِلان على مَوعِدَةٍ ، وكذلك قلمُ الشِّعر يُنادي...
إنْ خذلَ الأهلُ ، فعِندي كُتُبِي...

هُم أَصحابي هُم خِلاني ، بلْ فِي ميْدانِ الحرب جِيادي...
بلْ ، واللهِ أراهُمْ أفضلَ فِي مِيزانِي مِنْ أصحابي...

----------------------------------------------------------------------------
عُدْتُ بكل الذكرى عشْرَ سِنِيْن...

فتذكَرْتُ حياتي الأولى...
وتقلدتُ يَراعي ، رُحْتُ أغني...

أُخفي كُلَّ مَرار الغُربة مِنْ قُدَّامِي
إنَّ مَرارَ الغُربة يَكْوي كُلَّ ضُلوعِي...

يُطفئ رغمَ الأنفِ شُموعِي...
يُعْلِنُ وَسْطَ الناس جَميعِ الناسِ ، خُضُوعِي...

لا يجعلُ يَدِيَ الطُولَى أبَدًا...
فتذكرتُ الشاطِئَ في قريتنا ، عِنْد هُجُومِ العَصْرِ

والشَّصُّ الضاحِكُ في يديَ اليُمنَى يَرْمُق سَمَكة...
والتوتُ المُتَدلِّي في ماء النهرِ هُنَاكَ بأرضِ العُمْدة...

ناداني ذاكَ التُّوتُ بصوتٍ عالٍ يَخْرِقُ سَمْعَ الدُّنْيَا...
هيا أقبلْ ، اقطفْ واهرب ، فالعمدةُ في قَيْلُولَةِ صَيف...

فسمعتُ كلامَ التوتِ ، وسرتُ إليهِ بِسُرْعة...
وركبتُ لتوِّي تلكَ الشَجَرَة...

ويِحي ، ذهبتْ بِسَنَا عَقْلِي الفِكْرَة...
وكسَرْتُ الفرعَ بِسُرعة ، وكذا الغصنَ بِكُلِّ القوة...

مِسْكِينٌ غُصْنُ التُّوتةِ هَذي...
أحدَثَ عِند رُكوبي ضَجَّة ، وكذا عِنْدَ الكَسْرِ الصَّامِتِ ضَجَّة...

عند نزول التُوت كذلكَ ضَجَّة...
فصَحَتْ كلُّ كِلابِ العُمْدة...

ثُمَّ انهَالتْ فورًا فوقَ الظَّهْرِ السَّارِق سَوْطُ العُمْدة...
وأتى عند العُمْدَة في خَيْمَتِه جسمُ العُهْدة...

وعفا العُمدةُ لكنْ بعدَ ضَياعِ الوَقت...
--------------------------------------------------------------------------

وتَذكَّرتُ البَسْمَةَ في أَعْمَاقِ فؤادي...
واليومَ تحشرجَ صَوتُ البَسْمَةِ في أَعْمَاقي...

يُقْبِلُ رَمَضَانُ ، وَلا أدري...
أتظَلُّ الدَّمْعَةُ في عيْني...

وأُسائل نفسي: كيفَ يمرُّ الشهرُ علينا...
وتَمزَّقَ بين ضلوعي سُؤلي ، أبكي ألَمي...

وأُخبِّئ في طيَّات فؤادي كلَّ ظُنوني...
وأسيرُ فلا ألقى خلفي غيرَ دموعي...

والدمعةُ خلفَ الدمعةِ تبكي...
حتى الجفنُ حزينٌ يبكي...

--------------------------------------------------------------------------
يا عينُ تعَذَّبْتُ كثيرًا ، وتسامتْ في القَلْبِ البَلْوَى

وطفقتُ أُفتِّشُ ذاكرتي
وأُسَائِلُ عَاطِفتي دَومًا ، وأُعلل نفسي بالشَّكْوى

وأُناجي في الدرب الأملا ، وأُراجع كلَّ أحاسيسي...
لَكنِّي خَنقتْني النَّجْوَى

لم أسْبُرْ أغوارَ شَقَائِي...
وتبعثَرَ فِي الظِّل المَأوى

وغَدَتْ أحلامي أخيِلَةً
وخبَتْ في الأطلال نُجُومِي

وأصابتها تلكَ العَدوى
أمَّا الرُّوح فما أشقاها

عَرْقَلَ سَيْرَ الرُّوحِ طُمُوحِي...
شجَبَتْ رُوحي القَوْسُ العَطْوَى

وطوتْها الأوضاع الشَّجْوى...
قد كُنْتُ أعيش ، ولي أملٌ...

يا عينُ تَدهْوَرَ ذاك الأمَلُ...
وأنا مُلقَىً فوقَ تِلال المِحْنَةِ أطفُو...

وَحْدِي أشْكُو...
وعلَى شَوْك سُهادي أَقْضِي عُمْري

وعلَى جَمْرِ خِيانَةِ صَحْبي أقضي عُمري...
وعلَى رَغم تحشرج قدمِي أخطُو

وعلَى صَرخة ألمي هذي ، أَصْبَحَ غَيْري يَجْنِي ثَمَرِي
وعلَى أناتِ جِراحي ، وعلَى مَرْأَىً مِنِّي يَلْهُو...

أمَّا الصَّحْبُ فخانوا عَهْدِي
وهجيرُ عمالتهم يسعى فوق جبيني ، وبِلا تقوى...

إنَّ نفاقَ صحابي يَسرقُ فجْرِي...
يَسرقُ كل الشعر المُلْقَى في ذاكِرتي...

يذبحُ عِزَّة نَفْسِي...
لا ينسى أنِّي يومًا كنتُ صريعَ العِزِّ...

يعتبرُ كلامي الفصلَ له هزلاً
هَلْ مثلي يا مُتخرِّصُ يلغو؟

آهٍ ، عَكَّر سُمُّ نفاقِك كُلَّ الجَو
وأراكَ لكل هُراءٍ تَرْنُو

وأنا بالدمعةِ أخلُو
وأُعبئ كل نحيبي في حَنْجَرةِ الوَهْمِ ، وأَدْعُو

أنْ يأخذَك الله بكل نفاقِك كي لا تزهو
ويُبددَ صوتُك في هذي الدنيا كي لا تتلو

إنَّ تلاوةَ مِثلِك تدعو الناسَ إلى الإلحَادْ
يا موتًا فوقَ جبينِ الأُمَّةِ يَجْثُو

لنْ تَسْلَمَ مِنْ ذنب المُقْلَةِ هذي أبدًا
أنت سفكتَ دِمَاءَ العَيْنِ

وماءَ العُمْرِ ونُورَ الهَدْيِ
وعِطْرَ الوَحْي وزادَ الطِّفْلِ

وحُبَّ الزوجِ وقُوتَ الأَهْلِ لتَسْمُو...
وسَمَوْتَ ، ولكنْ في بَوْتَقَة الوَحْل

وانْصَهَرَتْ كلُّ رماحِكَ في مهزلةِ الهَفْوَة
وغَرقْتَ ببحْرِ الغَبْوَة

وعلَتْ فوقَكَ يا مغرورُ الرَّغْوَة
وطغيتَ على الضعفاءِ كَثِيرًا

وكذا حَرَّفْتَ جَمَال الدَّعْوة...
وحُسِبْتَ بكل الزيفِ المَاسِخ مِنْ أعمِدَةِ الصَّحْوَة...

وزَعَمْتَ بأنَّك في عالمنا أُسْوَة
وأراكَ زَرَعْتَ الفَجْوَة

وذَبَحْتَ إِبَاءَ الصَفْوَةْ
وَأَتْيتَ فِعَالاً لا ترضَاهَا في الأَحلامِ ولا الأَزَماتِ النِّسْوَة...

دَمِّرْ مِينَاءَ صداقَتنا...
واغسلْ بالنار مَوَدَّتَنَا ، وأخوتنا ، وعلاقتنا...

واغرسْ أشرعةَ الوهم بنار الغُربة هذي
واذبحْ بالسكين الكاذب كل وريد عُذْري

إي واللهِ: كلَّ وريدٍ كانَ يضخُّ الدَّمَّ بقلب الكِبْرِ
وحْدَكَ تبقى كاليَربُوع أسيرَ السِّحْرِ

وانشُدْ في أوباشِكَ هذي خِلاًّ غَيْرِي...
ما عُدتُ قميصًا تلبسُه ساعةَ ترضى

ما عدتُ طعامًا تأكله ساعةَ جُوع ، يا قاتِلَنَا...
ما عدتُ شرابًا تشربُه ساعةَ عطشٍ حتى تُرْوَى...

فابحثْ عن مَرْكَبَةٍ أُخرى...
جَفِّفْ دَمْعَ الأفعى ، واصدقْ نفسَك

قبلَ مُناشدة الغير التقوى ، ناشدْ قلبَك...
لا تلبسْ يا هذا لُبسَة غيرِك...

ليسَ يُناسِبُ هذا المِعْطَفُ قدَّك...
ليسَ يُناسِبُ أبدًا دَوْرَك...

صدقني ، ليسَ يُناسِبُ حتى شكلك...
صَنَمُكَ هذا مُوسى يومًا سيُحطِّمُه ، سيدمرُه ، سيحرِّقُهُ...

خُذ غَليونًا وقَلنسُوَةَ ليُناسبكَ الدور...
واصعدْ خشبةَ مَسْرحِ مَنْ أَلَّهت...

خفِّف وطأكَ فوق أديمِ الأرضِ
أنتَ هَتَكْتَ العِرضْ ، وصَعَقْتَ دِمَاءَ الفَرض

وسفكتَ هَزيم الوَمض
وقتَلتَ هَتيفَ الفيض

حَرَّمْتَ علَيْنَا الغَمض
ربي يَحْرِمُكَ الحَوض

وأجدتَ فُنونَ الحَرْبِ ، وحِيَلَ البَأس...
وبذرتَ على دَربي ودُروب الناسِ الرِّجْس

وزعمتَ لنفسِكَ أنك فوق النَّقد
أتحوَّلَ قلبُك صخرًا عَبْرَ الدَّرس؟

سَاعَة قِيلَ لَكَ: الزمْ أدبَكَ ، كُنْ مُحْتَرَمًا
عُدْتَ إليْنا ، وبلاَ خَجَل تبكي مثْل الأُنثَى...

ورأيتُكَ مهزومَ النفسِ تُعَانِي...
ونصحتُك ساعتَها ، لكنْ لمْ تَسْمَعْ مِنْ كلماتي حَرْفَا...

آهٍ مِنْ أفعالِكَ هَذي ، إنَّكَ قد أحدثتَ الجَرْفَا...
ولويْتَ ذراعَ الحرفِ ، فخلَّفَ حَرْفَا...

آهٍ ، قدْ حطَّمَكَ الفِلس
مِسْكِينٌ فِي عَقْلِكَ فِعْلاً ، أينَ العِلْمُ الجَمُّ تَوَلَّى؟

كيفَ نَسِيتَ بكل العَمْدِ ظَلامَ الرَّمس؟...
حتى كانتْ مِحْنَةُ عيني...

أدركتَ بأنَّك قد أذنَبت...
طاوعني: خَبِّئ حُزنَكَ في جُمْجُمَةِ اليَأس...

وأنا سوفَ أسيرُ بدربي وَحْدِي...
وأُواجه كلَّ رِيَاح الحَيْرَةِ وَحْدِي...

وسأصنعُ فجرَ الأمل الدامع وحدي...
وسأكشفُ كل نِفاق الصَّحب ، أيْضًا وَحْدِي...

وحْدِي سأحَطِّم كلَّ رِمَاح الغدر
وحدي سَوفَ أُذيقُكَ نارَ الحسرةِ بالأشعار

وتموتُ كما ماتَ أبو لهب كمَدًا...
وسأمحو زَيْفَكَ مِنْ أفئدِة النَّاس

فوراءك قلمي يا ابنَ سلول ، والدَّهْرُ طَوِيل
------------------------------------------------------------------------

والصُّمتُ القاتلُ يذبحُ بَأسِي...
ويُعرقلُ في أعماقي هَمْسِي...

ويُسربلُ في طيات المحنة نفسي ...
وأسائلُ: كيف يسُود ضبابُ الزَّيف؟

وأحاربُ كلَّ خُيوطِ الطِّيف...
وأعزِّي عيني رغمَ سَرابِ الخَوف...

وأجففُ دمَها عبرَ جحيم الحَيف...
وأمُدُّ يَدِي مغتربًا ، مِثْلَ قُدوم الضَّيف...

وَأسَائِلُ: يَا عَيْني ، مَاذا حَلَّ ، وكيف؟
وَالحادثُ هذا فَجَّرَ عَبْر الليلِ الألمَا...

وَلَّدَ فِي إحْسَاسِي السَّأمَا...
أوجَدَ في وجهي السَّقَمَا...

حَوَّل إنسانِي صَنَمَا...
صَعَّدَ عَبرَ الليلِ الحُمَمَا...

أحدَثَ في الدرب الخَطبَ العَمَمَا...
حَطَّمَ في أجْواءِ الشِّعْر القَلَمَا...

أشمتَ فِيَّ اليومَ الغَنَما...
والعينُ تُعبِّئُ في جَعْبَتِهَا قَيْحَ ظُنونِي...

تَتَشَاءَمُ إنْ أبْكاني بعْضُ حَنِينِي...
وتُسائِلُنِي: أيْنَ يَقيني؟

وثباتي أينَ ، وأينَ سُكوني؟
ولماذا لمْ أمْحَقْ كُلَّ شُجُوني؟

وأجيبُ على عيني وَجِلاً:
صبرًا يا عينُ فهذا قَدَري...

ورجعْتُ بذاكرتي ، أبْكي كُلَّ شُؤونِي.........
وَشَردتُ بذهني خَلْفَ سَراب البَحر...

وعلمتُ بأنَّ العينَ تهاوتْ تحتَ رِماح القَهر...
والدمعُ الهادرُ ليسَ يُعيدُ لعيْني البِشْر....

والموجةُ بعدَ المَوجة تُغرقُ كل أريج الشِّعر...
والمِحنةُ تِلْوَ المحنة تَسْحَقُ في الأعماقِ الصَّبر...

والفرحةُ ماتتْ في أشلاءِ الهَجر...
والبسمةُ وئدتْ تحتَ سِنان الكيد هنالِكَ في أنقاضَ الغَدر...

والعينُ دمٌ ودموعٌ في طياتِ الليل...
والشعرُ يُزمجرُ إنْ عاتبني الوَيل...

حتى أغرقني السَّيل....
ودخلتُ الظُلمةَ وَحْدي

مَيْدَانُ صِراعٍ كانتْ ، وأنا فيها وَحْدي...
قد كنتُ الأعزلَ فِيهَا جَبْرًا ، وَبِلا خَيل...

قدْ كُنْتُ الأولَ في قَومي...
واليومَ على رغم الأنف مَكاني الذَّيل...

وأكِيلُ لقومي خيرًا قَدْرَ هواءِ الكَون...
يا ليتَ القومَ اليومَ يَكيلونَ بذاتِ الكَيل...

كلاَّ ، بلْ مالوا عنْ صَفي وتجاريبي كلَّ المَيل...
نالوا مِنِّي كُلَّ النَّيل...

-----------------------------------------------------------------------
قَلَّبْتُ الذاكرةَ الثَّكْلَى...

وَفجَّرْتُ العاطفةَ الخجْلَى...
وَطعَنْتُ المهزلةَ العَجْلى...

وفحَصْتُ يَواقِيتَ الأمل بقوُة...
وحَقنْتُ دمَ الأحداث ودمعَ الهُوَّة...

وعلى آلامي أمسَى غيري يشربُ قَهْوَة...
ويُضخِّم فِي أخطائي ، ولهُ قَسْوَة....

وعَلِمْتُ بأنَّ لكلِ جَوادٍ كَبْوَة...
وكذا العالِمُ رغمَ وُجودِ العِلم تُراودُه الهَفْوَة...

وخلوتُ بنفسي بعضَ الوقت وحيدًا...
فوجدتُ فؤادي يَعشقُ ظِل الخَلْوَة...

فقرأتُ سُطورًا تُغْري في أوراقِ الخَلْوَة....
-----------------------------------------------------------------------

وتَذَكَّرْتُ حياتي الأُولى...
في كُتَّاب القرْيَة ، كنتُ أُحِبُ الذكرَ كثيرًا...

أتلو ، أتعلمُ ، وأرتل ، كانَ العُمْرُ قريرًا...
وكذا قلبي كانَ قريرًا...

والقرآنُ العذبُ المُغدِقُ كانَ سَمِيرًا...
والدربُ المُوْصِلُ للآمال العَذبة كانَ يسيرًا...

والجسمُ الناحلُ في أجواء الغُربة كان صَغِيرًا...
«وابنُ بشيرٍ ، وابنُ العِتْرِ ، وهادي

وابنُ الخَضْر ، وخامسُهم كانَ فُؤادي»
كانوا كُلَّ حَياتي ، كلَّ صِحابي ، كُلَّ عَتادي...

والعَريفُ الطيبُ كانَ رشارًا فوقَ رشادِ...
كنتُ أذوبُ إذا نظرتْ عينَاه إليَّا...

وله صوتٌ يملأ كل الناس دَوِيَّا...
وإذا عاتبَ يومًا طِفْلاً كَان حَفِيَّا...

لا يَلْطِمُ وجهًا أبدًا...
لا يشْتِمُ أُمًّا أبدًا...

لا يلْعنُ دهرًا أبدًا...
لا يتضايقُ مِنْ نِسْياني للآياتِ ، وَرَبِّي...

بل كان يُرَكِّز: كيفَ خروجُ الحرفِ بغيرِ لُحُون...
ويركِّز كيف نرتلُ آيَ اللهِ بغير لحون...

والعَرَقُ اللافحُ يَطوي كلَّ شُجون...
وله كل نهاية شهْرٍ بعضُ قروش...

مسكينٌ يا عَرِّيفَ القرْيَة...
مَنْ يَمحقُ باسم المَولى هذي الفِرْيَة...

وأبي يدفعُ هذا المالَ ، ويمضي...
ويقولُ العريفُ الصابر: «ربي أكرمْ»

وتقولُ الدمعةُ في عيني: «أنا فِي مرية»
يا عريفَ القرية: خُذها عَشْرَ دراهمَ مَعْدُودات...

بيع كتابُ الله ببعضِ قُروش...
ودعائي أنْ يحفظك المَوْلى...

هي خيرٌ في الميزان لكم مِن أي عُروش...
والعِربيدون السِّكيرون لهم في المَصْرِفُ كلُّ المَال...

ولكم أتعَسُ حَال...
والواحدُ منكم لا يجدُ القُوت...

والعِربيدون لهم في الناس كُروش ، أي كُروش...
حاشاك العَربدةُ عريفي ، أنت شَريف

وأراكَ بما يحوي صَدرُك هذا عَفًّا...
فاقت عِفتُك العِفَة...

بل فاقتْ في عِزَّتها كُلَّ عَفِيف....
قلبُك مِنْ كل الأحقاد نَظِيف...

لا تحْزنْ ، أنتَ تُعلِّمُ نَشْأً ذِكْرَ الله...
لا تَغْضَبْ إنْ فاتكَ في هذا الدربِ الجَاه...

لا تُكثر مِنْ نَصَب العَمَلِ الآه...
دعْ قطعانَ البَشَر ، مَهَاةً تنطحُ شَاه...

وإذا اغتابكَ منهم غِرٌّ ، فاملأ باسْتِرْجَاعِكَ فَاه...
إنَّ كتابَ الله بصدركَ ، يكفي هذا ، إي وَالله...

وسَيجزيكَ الله الحُسْنَى ، خيرُ جزاءٍ تتلقَّاه....
لن يَجزيك الله المولى ، إي واللهْ

كنت الأكرم ، عشت الأسمى وولياً يعبد مولاه
--------------------------------------------------------------------

© 2024 - موقع الشعر