قراءة في أوراق الماضي 3 - أحمد علي سليمان

وينتحرُ الأملُ المستطاب
لأن العبيد لدكِّ الحصون ، وقَطع الرقاب ، وسَفْكِ الدماءِ ،

وسبْي النساء ، وقتْل البريء ، وحرْق الضحايا ، وهتْك العهودِ ،
وتدميرِ دنيا اليتامى تسيرُ تسيرْ

وتبكي الديارُ لأن العبيد لأعدائهم أسلموها
وتشكو الشريعةُ مَن لسواد عُيون العِدا بدّلوها

وتشكو الخلافةُ كل الشياطين مَن زيفوها
وتشكو العقيدة مَن شيدوا الأضرحة

ومَن في الديار أقاموا الضلال مَقام الشريعة
ومَن حاربوا في الأنام الهُدى

ومَن عاملوا الخلْقَ فيها كمثل الحَميرْ
وتشكو المحاريبُ مَن أعرضوا

ومَن تركوها فلم يَعمَرُوهَا
ويشكو الكتابُ لربِّ السماء الذين طَغَوا

ولم يقرأوا فيهِ باسم المليك
ولم يَدْرسوه لمرضاة رب عفو غفور

ويشكو البريء مِن الناس ظُلمَ المُسئ
ويُمعن في الظلم مَن أجرموا

وليس يتوبُ مِن الذنب مَن أذنبوا
ويخترعُ الجائرُ المستبدُّ السببْ

ليُخربَ بيتَ التقي الفقيرْ
يُقدِّمه لقمة للعظيم الهمام الكبير

وبعدَ المؤامرة المُفتراة يقول: «كَفى»
ويُعلن توْبًا من الذنب ، لكنه لا يتوبْ

لأن الضمير طواهُ العَمى ، وأمسى المُعربدُ لا يستشيرْ
-------------------------------------------------------------------------

طُعِنْتُ أيا مُقلتي في الصديقُ
وعانيتُ يا عينُ غدر الرفيقْ ، وأحنى إبائي تخلي الشقيقْ

فلم ألقَ حتى سراب الرحم ، ولم ألقَ حتى بُخار الإخاءْ
يُحاربني اليوم بعضُ دمي ، ويَحرق قلبي الشقيقُ الغَدورْ

يُحاسبني أنني مُسْلم ، ويَضرب في الأرض ضربَ البعيرْ
ويَعْتَدُّ بالمال دون حَيا

ولستَ شقيقي كما تدعي ، لأن شقيقي التقيُّ البصيرْ
شقيقي الذي يعرف الحق ، يحيا لهُ ، يُضحّي لهُ ، يموتُ لهُ

شقيقي الذي لا يخاف العِدا
شقيقي الذي درهمي درهمُهْ ، ودينارُه في يميني إذا رُمْتُهُ

شقيقي الذي عِلمُه بالعقيدة نورٌ لهُ
شقيقي الذي إنْ بُليتُ أتاني كمثل النسيمْ

شقيقي الذي يبتغي رفعتي بين كل الورى
وخيبتَ ظني ، وما كنتَ قط كما قد ذكرتْ

فأنتَ على الغير ظل ظليل ، ولكن عليَّ كمثل الحَرورْ
وتزعم أن الذي بيننا يزولُ يزولُ كأنْ لم يكنْ

تريد الذي ما حلمتُ به ، وتُنْشِدُ بيتًا بأقصى النجومْ
لأن الدعيَّ بأحوال قلبيَ ليس الخبيرْ

ألا فالتمسْ في الخزايا شقيقًا سوايْ
ولا يخدعنَّكَ صمتي الطويلُ ، فإني حيالكَ في الله كلي غضبْ

ولستُ أراني حقودًا عليكَ ، ودنياكَ ليست بقلبي الشكورْ
لأني أتوق إلى جنة الخُلد عند الجليلْ

طعامي هناك وشربي إذنْ ، ومثلُك أعلافُه مِن شعيرْ
ولا أقبلُ اليومَ منكَ التزلفَ إني كريمْ

ومرحى بكَ اليومَ إما أخًا مسْلمًا ، وإما شقيقًا يُراعي الرحمْ
ولا مرحبًا بالدعيِّ الأثيمْ

ومَن هو للمجرمين الظهيرْ
لأن الجبانَ الخذولَ مَعيبٌ ، يَبيعُ الشقيقَ ، يَخون العشيرْ

فلا تفتكرْ لحْظة بالإخاء الوشيكْ
فأمُّكَ ما ولدتْني لمثلكَ يا أفعوانُ إذا جُعتَ بَعضَ فَطِيرْ

وزدْ في الدراهيم حتى تزورَ القُبورْ
فلا خيرَ فيكَ ، لأنْكَ لم تستفد مِن كلام البشيرِ النذيرْ

لفظتُكَ بين الأنام سرابًا يزولْ
-----------------------------------------------------------------------

وبعدُ أعودُ إلى مقلتي
أغَيِّرُ بَحْري وترنيمتي ، وأنساكَ أنتَ نَسِيتَ الوِصالْ

مُقلتي الحزينةُ الكئيبةُ المقالْ
تَعلَّمِي الثباتَ مِن مواقفِ الرجالْ

وكفكفي لذوعةَ الجدالْ
وذكّري الفؤاد بالمآلْ

وفتنة الصراطِ والسؤالْ
وأغلقي بَوابة النقاشِ عن أرائك الضِّرارْ

وجَوْقةِ الفرارْ
وصولةِ الفراعن الكِبارْ

وذلة الفئام تحت أرجُل الكِفَارْ
وضيعةِ الصِّغارْ

ودولةِ الفرعون في حضيضِ الانحدارْ
-----------------------------------------------------------------------

فأسدلي يا مُقلتي الستارْ
على الخوارج الذين لم يَضُمُّهم قرارْ

وأجملي الكلامَ عن شواعر البلاط ، لأننا نعيشُ يا حبيبتي
في آخر الزمانْ ، نعم نعيشُ في أتونِ الانحطاط

فهؤلاء فوق هامة الضلالْ
يَكتبْنَ شعرَهن بالمَضا والانضباط

وبَسمةُ الفرعون للخليلة المناط
والكل في رباط

شماعةُ الحجَّاج فَلَّهَا التعللُ المَقيتْ
مسكينُ يا (سعيدُ) مِن مَنارة رُمِيتْ

وبعد فترة وجيزة نُسيتْ
ولو أطعتَ مَن طغى بَقِيتْ

ولو رضختَ للضلال ما ابتُلِيتْ
وما حُرمتَ عنده المَبيتْ

ولا الطعامَ ، كلا ، ولا الشرابْ
لأنه والحالُ هذه كريمْ

وأنتَ منه قد كُفيتْ
خسئتَ يا (حَجّاجُ) مِن هَبِيتْ

يا مَن تُقَطع الرقابَ دون خوفِ القارعة
وتأخذُ البريء بالمُسئْ

وعندكَ الجنودُ سيفُهم في الفتنة الوَكِيتْ
يَا ويلَهم ومثلِهم من ربنا المُقِيتْ

-----------------------------------------------------------------------
يا مُقلتي رأيْتُ في زماننا الكثيرْ

رأيتُ حَرْبةً في جَبهة الصغيرْ
رأيتُ كيفَ يُحْرق الجنينْ

وكيف تَسْفِكُ الدماءَ في الدُّنا أصابعُ العبيدْ
وكيف يَدَّعون بعدها بأنهم حمائمُ السلامْ

وكيف يَسرقُ الظلومُ فرحةَ المُوَحِّد الفقيرْ
وكيف يَنسجُ الزُّيوفَ والفسادَ في الورى مُستشرِقٌ حقيرْ

وكيف يَقمع الهُدى منافقٌ في كفره يَسِيرْ
وكيف ذِمةٌ تُباع في متاهة الهجيرْ

ويوأدُ المسكينُ والحنيفُ والأسيرْ
وكيف يَدفنُ الطغيانُ جُبَّةَ التقيِّ المُستجيرْ

وقد علا في أرضه الزئيرْ
وأهله يَستصرخون جَوْقة الحَمِيرْ

مِن الذين يُشركون بالإلهْ
مِن الذين يَعبدون غيرَ ربنا القديرْ

مِن الذين يَزعمون أنهم مُلوك الآخرة
وسادةُ الورى ، وساسةُ الأمم

مِن الذين يَزعمون أنهم على هُدى الرشاد
ويبرأ الرشادُ ممن أشركوا

كذاك موسى مِنَ العبيد قد بَرِئْ
والأنبياءُ كلهم تبرأوا مِن الذين أشركوا

بالواحدِ الكبيرْ
-----------------------------------------------------------------------

يا مقلتي رأيتُ في زماننا الفنونَ بالورى تمورْ
تُروِّجُ الفسادَ في الدنا ، وعُصبةُ الرشادِ تستجيرْ

والعُهر كم أضل مِن فتاة تستحي ، وكم أضلَّ مِن غلامْ
والرقصُ في زماننا وفيرْ

وكأسُه تدورْ
تحطمُ الرشادَ والجمالَ والهُدى

وتقتلُ الضميرْ
في خِدرها كانت تعيشُ كل غادةٍ بعِزِّها

واليوم في الورى تبيعُ عِرضها القريرْ
بالدرهم الحقيرْ

وسوأةٌ تكشفتْ أمام أعين النساء والرجالْ
وبِيعَ للمُريد حُسنها الجهيرْ

وفوق هامة الجمال مشهدٌ عطيرْ
وأصبح الخنا وظيفة تُرادُ في زماننا المَريرْ

والبوسنويةُ انتهى من الوجود صوتُها
وودعتْ قبل الوفاة طفلَها ، وزوجَها ، وعِرضَها

وزايلتْ كرامةً تأصلتْ
وأسلمتْ ضميرَها لموتها

والمُسْلمات فوقهن صُبَّتِ المِحنْ
ومَن يوحد المليك في زماننا مُهانْ

وفي الديار تعزفُ القِيانْ
وتضربُ الدفوفَ خلف ظل الصولجانْ

ويُمسكُ السياطَ مَن يبيعُ دينَهُ
ومَن يُعبِّئ الكُؤوسْ

مِن الذين إن قَضَوْا على الذي عليه لا ، لنْ يدخلوا لجِنانْ
لأنهم يؤلهون غيرَ ربنا

حياتُهم بأسرها على الضلالِ أُسستْ
قلوبُهم مَنزوعةُ الحنانْ

وغِلظة الطباع ديدنُ الجبانْ
وجفوةُ النفوس والفسوق فوق هامة الظلوم مَعْلَمَانْ

ومسرحُ الحياة للقرود والذئاب والعبيد مِهْرَجانْ
والسادة الكِبارُ غارقون في الخمور والطبولْ

يلفُّهم في ثوبه الدخانْ
هم يُفصحون عن مُرادهم لمَن يُريدْ

فعندهم في كل مجلسٍ وحانةٍ كلامْ
وقولُهم في غاية البيانْ

ودونهم فوق الأرائكِ البغيضة الحِسانْ
ويُنْشِد العبيدُ في مزابل اللئامْ

أنشودةَ التزلف الرخيصْ
وتَقرعُ الأصابعُ الدفوفْ

أيدي غُواتنا لا تعرف السِّنانْ
لكنها لمَن طغى تُعبئ الدِّنانْ

وفي براعةٍ وخفةٍ تُزخرف الكِعابَ للذئابْ
وتُسدلُ الستارَ عن تطلع العبيدْ

لكل مجرم في ليلةٍ خمريةٍ ثمانْ
وأُعلنت نِخاسة الحَريم والعِيالْ

في غابةٍ للحُر في أصقاعها الدمارْ
وللعفيفةِ التقيةِ الهَوانْ

--------------------------------------------------------------------------
مزابل التاريخ كم فيها من العُتاة

مِن الذين بدلوا شريعة الإلهْ
وحرفوا كلامه وهديه بلا حياءْ

وحاربوا كتابه وهديه بلا مِرَاءْ
وقاتلوا عباده ومَن له أطاعْ

حقًّا هم الجُناة ، ومَن سواهُمُ نراهُمُ الجُناة؟
مِن الذين سلموا الديارَ للعبيد

وأخلفوا الوعود
وبعدها خانوا الجميعَ عامدين والعُهود

ودمروا ببأسهم كتائبَ التقاة
وأفسدوا البقاعَ والنفوسَ بالفنونْ

وأحرقوا شموسَ عزنا المَهيبْ
وأصبحوا على الحنيفة العَلِيّة الطغاة

ولم يُراعُوا حُرمةً لمؤمن ضعيفْ
كلا ، ولمَّا يرحموا كآبةَ الصغيرْ

فشوهوا طلاوة الحياة
وسَمموا الغِذاءَ والغِطاءَ والكِساءَ والدواءْ

ولوثوا يا ويلهم حلاوة المياهْ
وذبَّحوا فئامهم كأنها شياهْ

وسائلي يا مقلتي - عمّا جنوه - دُورَنا وقَومَنا
وسائلي بُيوتنا والبَرَّ والفلاة

وصدقي جواب كل هؤلاء أنهم بُغَاة
وأنهم عند انتصار الحق يلبَسُون لُبْسَةَ الهُداة

وأنهم قُمامةٌ يَفوحُ مِن خلالها الأذى
وأنهم لِمَن يبيعُ دينه رفاقْ

وأنهم على المُوحدين نارْ
وعندما تكلموا ترهلتْ قواعدُ النُّحاة

لأنهم يا مُقلتي قوالبٌ مُترجمة
وخيبةٌ على الأنام ألقيتْ

ولا احترامَ عندهم لسُمعة الدعاة
طعامُهم لحومُ مَن يُوحد المليك

ويشربون مِن دماء مَن يُتابع النبي
ويرفعون أهلَ وحدة الوجودْ

وعندهم في الاعتزال نبرةٌ علتْ
وإن بدتْ لصالح الطغيان معركة

كانوا بها مِن أشجع الرُّماة
رماهُمُ المليكُ بالعَمى

وصيَّر العزيزُ دُروهم ومالَهم وأرضهَم غنيمةً لمن هَداهُ باردة
ودمّر القَويُّ كيدَهم ، وكيدَ مَن وراءهم سعى

وحطمَ المُعِز كل قوة بها يُدمّرون عزة الذي لربه أنابْ
-------------------------------------------------------------------------

¬مُقْلَتي الحبيبة ُ النديةُ الجمالْ
تُحرّق الدموعُ وجنتي ، لأنني مسربلٌ مُكبلٌ حزينْ

ويقتل العذابُ خاطري في مَفرق الطريقْ
إما نظرتُ في اليمين راعني القلقْ

وإن نظرتُ في الشمال هالني تنطعُ الرفاقْ
وفي زماننا على الأشاوشِ العِظام ، تجرأ العِيالْ

مِن الذين لا رشادَ عندهم ولا ضميرْ
مِن الذين يشربون همة الشهيدْ

مِن الذين يسحقون كل بسمةٍ تُراودُ اليتيمْ
مِن الذين يأكلون طينة الوبالْ

ويَمْحقون كل عزمة تُرصِّع الجبينْ
ويَشتهون أن يُلوثوا البرئْ

ويَنبشون قبر (صاحب الجمالْ)
ويَصرفون عن كلامه في الأرض كلها العبيدْ

¬لكي تجهَّزَ الديارُ والنفوسُ والقِفارُ للعبيدْ
لكي يَروقَ للطغيان أنْ يُنوّع الفساد ، ويُتْخِمَ البلادَ بالعَتاد

لكي يكافئ المنافقون جَوْقة الفنون ، مِن الذين عُهرهم نما
لكي تكون طُعمةُ الصغير حفنةً يسفها مِن أخبث الرمالْ

يلوثون سُمعة الشهيد ، لم يخافُوا الآخرة
ويكسرون عظْمه علانية

وينسلون لحمه والجيدَ بالمُدى ، ويسلخون جلدَه بلا حياءْ
ويفقأون عينَهُ ، يُحصلون قُوْتَهم كما ادعَوْا

ويَجْدعون أنفه لكي تكون حِلْية رخيصة لعاهرة
ويُتْرعون صدره بظلمهم والغش والخبالْ

ويملأون جوفه بالاحتيالْ
ويحملون للعدا رُفاتَهُ مدفوعةَ الحسابْ

لأنهم يا مقلتي مَعَاولُ الفساد ، وجَوْقَةٌ تُعَبِّئُ السمومَ في الكُتبْ
منافقون يرفعون راية الرياءْ

و(ابن السَّلول) فارسٌ لديهمُ مُهابْ
وخلفه بين الجموع يُطفئ السنا (مُسيلمة)

وعنده (سجاحُ) تنسج الضلال ، وتنفخُ الجحيمَ فوق طلعة الهلالْ
و(الخير) في غياهب السُّجون ثابتُ اليقينْ

يستنصرُ المليكَ ، لا يخافُ مَن طغى
ولا يموتُ إن دعا موحدٌ إلهَه الأملُ

ولا تضيع عند ربنا أجورُ مَن عَمِل
ولا يُخيِّبُ المليكُ مَن دعاهُ مخلصًا

وعندما (أُمية) افترى ، دعا الجليلَ ضارعًا مستنصرًا (بِلالْ)
وربنا استجابَ للمُوحد المشردِ المعذب الأسيرْ

وأرسل (الصِّدِّيقَ) رحمةً يفوحُ مِن دُجى الهلاك عطرُها الجميلْ
والطاهرُ البريء «مخلصٌ» تلوكُه الذئابْ

يُخمِّشون في وحشية جراحَه ليشربوا الدماءْ
لم يَعْلموا مِن الكتاب آيةً تُوحد المليكْ

لم يفقهوا مِن الحديث رُوحَه مِن نبعه الأصيلْ
حتى إذا تكلموا اعتراهُمُ العَثَارُ والهُزالْ

لم يَعْرِفوا الحرامَ - ويحَهم - مِن الحلالْ
وبالشِّمَال يأكلون قُوتَ مَن غفا مِن القطيعْ

وبالشمال يشربون مَاء مَن علا نحيبُه المُريعْ
وبالشمال يَسْفكونَ عِزة العباقرة

كأنهم يا ويحهم على الذين أسلموا أكاسرة
كذاك هم تعودوا أن يَذْبحوا بعلمهم مروءةَ الرجالْ

لم يُدْركوا حقوق أهل المعرفة ، مِن الذين أدَّبوا الطغاة
والعلمُ في مجلَّداتهم له شَذًىً يَفوحْ

فهؤلاء لم يُدَلِّسوا لصالح العُتاة
ولم ينافقوا لنيْل درهمٍ زهيدْ ، أو مركبٍ فريدْ

لأنهم يا قومنا عِبادُ ذي الجلالْ
لم يأكلوا على حساب دينهم ، لم ينهبوا نَضَارةَ الهُدى

لم يشربوا دموعَ مَن يؤزُّهُ هجيرُ الانفعالْ
لم يعبأوا بما يزخرفُ الرعاةُ مِن صُنوف الاحتفالْ

ولم يُضللوا بما ارتأوه جيْلنَا المضيعَ الحقوقْ
ولم يُتوِّهوا يا مقلتي العَوامْ ، ولم يُلمِّعوا بالزيف غُرَّةَ المَقالْ

صاغوا الهدايةَ التي مِن السماء أُنزلتْ ، بإذن ربنا المليكْ
على الرسول المصطفى نَبيِّهِ الأمينْ

وأخلصوا ولاءهم للواحد القديرْ
وكان مِن لوازم السرور عندهم شهادةٌ عزيزةٌ يَسوقُها القَدَرْ

يزفها رضا الإله عن عباده بساحة القتالْ
تحمَّلوا العذابَ في سبيل ذلك الهدف ، وصاحبوا الشَّظَفْ

وشُرِّدوا وجُوِّعوا وزُلْزلوا ، وفي الجحيم أُهبطوا
وهذه (الأهواءُ) لا تُسْعِفُكُم ، ولا اعتبارَ (بالمخاذم) التي مِن خلفها النِّصالْ

ونسألُ الإلهَ أنْ يُعِيْنَنَا على التُّقى لأننا مُعذبونَ نشتكي
يا رب جُدْ على الدعاة بالهنا

ومُتعةِ الحياة في جِوار مَن أناب
ولذةِ الطعام والشراب في رطوبة الرخاءْ

وبَهجةِ النعيم في جوار مَن تشوقه القِيَم
ونخوةِ الإباء في نضارة النضالْ

وعزةِ المَضاء في التشامخ الجهيرْ
لأنهم يُبلِّغُون دعوة المليكِ مِن شروق شمسه إلى الزوالْ

و(صاحب الجمال) بينهم يقود جمعَهم في المَوكب الكبيرْ
مُعطرَ الجبين في يمينه يَراعةٌ تذودْ

وفي يساره دَوَاتُهُ ، والحِبرُ مِن دمهْ
وفي النُّهى إرهاصةُ العطاء تنفعلْ

وفي الفؤاد هِمّة تضاءلتْ بسَفحها الجبالْ
وفي الضمير عَزمةٌ يفوحُ مِن عبيرها الأريجْ

وفي ترفِّع العظيم (مخلص) تعففٌ بديعْ
وفي إبائه تعاظمٌ حماه عن تذلل العبيدْ

والنيل مِن شموخه مُحَالْ
لأنه فوق اليراع يحملُ الصعودَ للعُلا ، ويَرفعُ القرآنَ عاليا

وفوق رأسه دماؤه يبيعُها ، يريدُ جنة الكريم ربنا
يَبيعُ روحه رخيصةً ، كذا يبيعُ نفسَهُ ، والمُشتري هُوَ الرحيمْ

و(صاحب الجمال) بعد جولةٍ وجولةٍ وجولةٍ شهيد
يُودِّعُ الحياة والعَناءَ والشقاءَ والعذابَ والفَنَا

بإذن ربه سيدخل الجنانَ في دَلالْ
وسوف يشربُ الرَّدَى عدُّوه اللدودْ

ويسألُ المليكُ مَن يرشُّ لَحدَه بنارِ مَنْ بَغَى
وسوف تسقطُ الوجوهُ يومَها مِن ذِلَة السُّؤالْ

ف (صاحبُ الجمال) يا عِيالُ لمْ يَمُتْ
أقول ذلك الكلام كي تُخففوا هجومَكم ، وتَحْقِنُوا سُعاركمْ

أقوله لتلْفِظوا لحومَ أهل العِلم مِن بُطونكمْ
أقوله لتعلموا بأن مَنْ يموتُ في سبيل ربه يعيشْ

أقوله لتُقلعوا عنِ الجدال والعِراك والنقاش والمِحِالْ
أقوله ، ولا أخاف مَنْ يخصكم بماله الوفيرْ ، والمنصب الكبيرْ

ويُغرق العميلَ والخؤونَ والجَهولَ بالنوالْ
أقول: إن (صاحب الجمال) في عُيوننا مَصُونْ

كلامُه الصحيحُ في قلوبنا فداؤهُ المُهَجْ
بغيظكم موتوا وأعلنوا الحِدادْ

وكل مكر سيئٍ بأهله يحيقْ
وعند ربهم سيُجمع الخصومُ يا غثاءْ

---------------------------------------------------------------------
© 2024 - موقع الشعر