سيّدة النخيل - رضوان الحزواني

سيّدة النخيل
 
 
سيّدتي السَّمراءْ
مَوْكُبها أُغْنَّيِةُ الجَمَال وَالجَلالِ والإبَاءْ
تُطِلُّ مِنْ هَوْدجِهَا فَتُشْرِقُ الصَّحْرَاءْ
وَيَشْمَخُ النَّخيلُ في أهْدَابِِها، وَيَصْدحُ الحُدَاءْ
ولَوْ تَرَونْهَاَ عَلَى حصَانها الأصيلْ
مُنطَلقاً.. يُراقصُ الضِّيَاءْ
في خِفَّةِ النَّسيم.. في عُذُوبَةِ الأنْدَاءْ
صَهيْلُهُ نَشيْدْ
وَزَنْدُهُ- يا حُسْنَهُ!!- حَديْدْ
ورأسُهُ
-يا آيَةَ الشُّمُوخ!- في مَعَارج السَّمَاءْ
سّيدَةُ النَّخيلْ
صُوْرَتُهَا مَحْفورةُ في خَاطري مِنَ الصَّغَرْ
يا حُلْميَ المَلوَّنَ الجميلْ
***
وَتَرْكُضُ السُّنُونْ
وَكُلَّمَا رَكَضْتُ خَلْفَ حُلمِيَ الوَرْدِيَ
جُنّتْ حَوْلِيَ الأشواكْ
وَحَيْنَمَا سَأَلْتُ عَنْهُ جَدِّيَ الخبيرَ مَا أَجَابْ
بحثْتُ عَنْ أَشْرَعَتي البيْضاء في العُبَابْ
لكنَّهَا تَنَافَرَتْ..
... وابْتَعَدَتْ حَتَّى تَوَارتْ بالحجَابْ
***
يَا جَدّيَ الجليلَ.. يَا مقامَهُ الرّفيعْ
أَخَافُ أَنْ يضيعَ حُلْمَيَ الوَرْديّ... أنْ أضيعْ
يُخِيفُني أَنْ يُضْرِبَ الصَّباحُ عَنْ حُضّورِهِ...
.. وَتَغْرقَ النّجُومُ... أَنْ يَنْتَحرَ الرّبيعْ
"غودو" الَّذي يجيْءُ لا يجِيْءْ
يُخِيفُني أنِّي أَرَى سَيِّدَةَ النَّخِيل قَدْ تخلَّقَتْ
مِنْ جِسْمِها أَجْسَادْ
وَبَعْضُها، غَدَا لَهُ مَخَالبٌ... أَنْيَابْ
حيناً يَشُنُّ غَارَةً، وَتَارةً يُضَمِّرُ الجِيَادْ
وَبَعْضُها كَنَمْلَةٍ أَصَابَهَا الدُّوارْ
تدُوْسُهَا سَنَابكُ التَّتَارْ
وَبَعْضُهَا تَأْتِيْكَ دُونَ شاهدٍ بِأغْلَظِ الأيمَانْ
بأَنَّهَا لا تَعْشَقُ الغِيْلانْ
لكنَّمَا..
.. مِصْبَاحُهَا وَزَيْتُهُ...
..لُؤْلُؤُهَا وَخَيْطُهُ تُهْدِيهِ للغِيْلانْ
وَرَبِّكَ العَظيمِِ لولا الوشْمُ في جَبينِهَا، وَالضَّادْ
لولا عَبَاءَةٌ لَهَا، وَنَاقَةٌ وَحَادْ
ما كنْتَ تَدْرِي أَنَّهَا مِنْ هَذِهِ الأَنْجَادْ
***
يا جَدّيَ الفَطيْنْ!
تُخيفُني الجُدْرَانُ، سِرُّهَا الدَّفِيْنْ
حَيَّرني رُسُوخُهَا عَلَى الرِّمَال وَانْهِيَارُ أَمْنَعِ
الْجُدْرَانِ في "بَرْلِيْن".
ومِنْ زَمَانٍ رَحَلَ المُهَنْدِسُ اللَّعِيْنْ
وَهَذِهِ الْجُدْرَانُِ مَا تَزَالُ كالجبَالْ
تَصِيْدُ في سَمَائِنَا حَمَائِمَ الخيَالْ
تُقَسِّمُ النَّسِيمَ فيمَا بَيْنَنَا، وَالنُّوْرَ، والظِّلالْ
وكُلُّنَا نَخَافُ أَنْ تَنْهَارَ أَوْ تُزَال
نحْرُسُهَا بالمَالِ، بالسِّلاح، بالرّجالْ
وكُلُّنَا نَشْتَاقُ للصَّهيْلْ
وَنَشْتَهَي أَنْ نلتَقِي سيِّدَةَ النَّخِيلْ
مُخْتَالةً عَلَى حِصَانِهَا المُحَجَّل الأَصِيلْ
وَنَشْتَهي كَمَا الصِّغَار قِطْعَةً مِنَ القَمَرْ.
***
يا جَدِّيَ الجَليْلْ
يُخيْفُني أَنْ تَجْهِلَ المِهَارُ نَغْمَةَ الصَّهيْلْ
أَنْ تَأَلَفَ الأَرْسَانَ.. أَنْ تَمُدَّ جِيْدَها للسَّائِسِ الدَّخيْلْ
يُخيفُني ألاَّ تُجيْدَ رقْصَةَ الخُيُوْلْ
وَجُثَّةُ الخليفَةِ المقْتُوْلْ
مَنْسِيَّةٌ غَارقَةٌ في دَمِهِ المطْلُوْلْ
تَنْتَظِرُ النَّخيلَ أَنْ يَطُولْ
أنْ تَسْتَويْ قَامَاتُهُ وَتَخْفَُقَ الجُذُوْرْ
وَأَنْ تَعُودَ في الجُذُوع رحْلَة العَصيْرْ
أَنْ يَسْتَفيقَ الأثْلُ وَالخَطِّيُّ وَالعَرَارُ والغَضَا
أَنْ تَسْريَ الحيَاةُ في الطُّلُوْلْ
فَمَا تَزَالُ جُثَّةُ الخليْفَةِ المقْتُوْلْ
تَنْتَظِرُ المِهَارَ وَالخُيوْلْ
وَتَسْأَلُ الرِّفَاقْ
هَلْ ضَلَّ في الآَفَاقْ؟
أَمْ خَرَّ في المَيْدَانِ بَيْنَ ثُلَّةِ الرِّفَاقْ؟
أَمْ أَنَّهُ مَازالَ في ضَمَائِرِ الْكُثْبَاْنْ؟
يَنْتَظِرُ الأَذَاْنْ؟
***
وَكُلَّ يَوْم تُقْرَعُ الطُّبُوْلْ
وَتَزْأرُ الخِصْيَانُ كالفُحُوْلْ
وَتَدَّعِي... تَقُولُ مَا تَقُوْلْ
صَدَّقْتُ أَنَّ الذِّئْبَ جِدُّ طَيِّبٍ نَبيْلْ
يُوَادِعُ الخِرافَ و َالسِّخَالْ
صَدَّقْتُ كُلَّ مَا يُقَالْ
تَبِعْتُ مِنْ سَذَاجَتي أَبَا رِغَاْلْ
وَقَادَني أَبْرَهَةٌ في حمْلَةِ الضَّلالْ
سَلَّمْتُ للسّمَوْءَل الدُّرُوعَ والنِّبَالْ
وَبِعْتُ سَيْفَ خَالدٍ وَنَاقَةَ الفَارُوقِ وَالمِفْتَاْحْ
وَخَيْمَةَ السُّلْطَان وَالمصْبَاحْ
نَشَدْتُ بابَ قَيْصَرٍ لأَسْتَعِيْدَ الكَرْمَ والسِّلالْ
وَصَاحِبي بَكَى الطَّريقُ دُوْنَهُ لمَّا رأَى السَّرَابَ
والرِّمَالْ
يَا صَاحبي لا تَبْكِ عَيْنَاً إنّما نَحَاول الآمالْ
فَفي بَلاطِ قَيْصَرٍ يَا حُسْنَ مَا يُقَالْ
امْسَحْ عَلَى أَعْتَابِهِ الأَذْيَالْ
هُنَاك في إِيوانِهِ لا بأسَ أَنْ تُصَافِحَ الذُّؤْبَانَ وَالغِيْلانْ
أنْ تَرْتَدِي عَبَاءَةً مَسْمُومَةَ الأرْدَانْ
لا بَأْسَ أَنْ تُعَانِقَ الغُرْبَانْ
وكُلَّ مَنْ داسُوا عَلَى عَمَامَةِ الخَليل( )، مَنْ أَرْدَوْهُ
وَاغْتَالُوهْ في مِحْرَابِهِ، مَنْ أَهْرَقُوا دِمَاءَهُ
غَدْرَاً عَلَى سُجَّادَةِ الصَّبَاحْ
***
هَذَا أَنَا أُصْغِيْ إلى جميْعِ مَا يُقَال في الغُدُوِّ وَالرَّوَاحْ
عَنْ خُضْرَةِ الزَّيْتُون وَالقَرَنْفُل الشَّذِيّ وَالأَقَاحْ
كَلامُهُمْ أَحْلامُ شَهْرَزَادْ
أُصُغِي وَيُصْغِي شَهْرَيَارْ
يُطْرِبُني الحَديثُ عَنْ سَيِّدَةِ النَّخِيلْ
عَنْ قَامَةٍ مَمْشُوقَةٍ لَهَا وَعَنْ جَديْلَةٍ بَتُولْ
عَنْ حَوَرِ الْعَيْنَيْنِ..
.. عَنْ رُضَابِها المعْسُولْ
عَنْ شَمَمِ الجبين..
.. عَنْ حِصَانِها المحَجَّل الأَصيْلْ
وَددْتُ أَنْ أَجيْدَ رَسْمَهَا بِرِيْشَتي
كَمَا اَشْتَهِى أَبي مِنَ الصِّغَرْ
وَأَنْ أُضِيءَ فَوْقَ رَأْسِهَا القَمَرْ
لكنَّمَا
أَدْرَكَنَا الصَّبَاْحْ
وَشَهْرَزَادُ أَمْسَكَتْ عَنْ قَوْلِهَا المُبَاْحْ
 
 
***
© 2024 - موقع الشعر