رثاء أم - رضوان الحزواني

رثاء أم
 
 
بكيْتُ، ولم أملكْ عَلَيَّ إبائيا
 
لَعَمْرُكِ ما أرْخَصتُ قبلُ بكائيا
 
بكيتُكِ لا ضعفاً وإنْ أوْهَنَ المُصابُ
 
- فيكِ تجلُّدي، وأوْهى قناتيا
 
ولا من أسىً مُرٍّ وإنْ صدّع الأسى
 
حنايايَ تصْديعاً وَحَزَّ فُؤادِيا
 
وَلا منْ حَذارِ البَيْنِ أبْكي وإنْ يَكُنْ
 
فراقُكِ مَقْضِيّاً، وَمَثْواكِ نائيا
 
ولكنَّني أبكي لِعَجْزي فَما اسْتطعْتُ
 
-رَدَّ جميلٍ أوْ أكونَ المُفاديا
 
***
أمامَ عيونِ القَوْمِ أُبدِي تَعَزِّياً
 
وأخلو مَعَ الذِّكرى فأسْلُو عَزائيا
 
أُصَعِّدُ آهاتي.. وَأشياؤُكِ الثّكلَى
 
تُفَجِّرُ مِنْ حَوْلي طُيوفاً بَوَاكيا
 
لَقَدْ أصبَحَتْ داري بدونِكِ قَفْرَةً
 
وأحْلاميَ الزَّهراءُ حِلْنَ دَوَاجِيا
 
أطوفُ فتَعروني لِذِكراكِ رَعْشَةٌ
 
وأذهلُ إنْ أبْصَرْتُ رُكْنكِ خاليا
 
يسائلُني الأطفالُ عنْكِ بلهْفَةٍ
 
فتشهَقُ في حَلْقِي الحُروفُ صَوَاديا
 
أَمَا كنْتِ نجْواهُمْ؟ وكُنْتِ ملاذَهُمْ
 
إذا أبْصَرُوني مُغضَبَاً أوْ مُجَافِيا؟
 
تضمّينَهُمْ حِيْناً فَيَسْكُنُ روْعُهُمْ
 
وتَسْعَدُ في دفءِ الجناحِ فراخيا
 
 
ورُحْتِ تسوقينَ الحِكاياتِ عَذْبَةً
 
تُوَشِّحُ بالسِّحرِ القُرُونَ الخَواليا
 
فأغفَوْا عَلَى جَرْسِ الحَديثِ سَعَادَةً
 
وهَبُّوا... فَلَمْ يلْقَوْا سَميراً مُنَاجِيا
 
وَقالوا: أمَا تَأْتي تُتِمُّ حَديثَهَا
 
لِنَعْرِفَ مَنْ أرْدى السَّعَالي العَوَاتيا
 
ألا نَلْتَقِي هَذَا المَسَاءَ؟؟ فَأطْبَقَتْ
 
جُفوني عَلَى جَمْرٍ وَأجْهَشَتُ باكيا
 
كأنّي غَدَوْتُ اليومَ طِفْلاً مُفَجَّعَاً
 
بِيُتْمٍ فَلَمْ يتْرُكْ لَهُ المَوْتُ راعِيا
 
***
بِنَفْسِيَ إذْ تُسْتَلُّ رُوحُكِ بيْنَنَا
 
ويا طَالمَا رَفَّتْ عَلَيْنَا لَياليا
 
أيَنْضُبُ مِنْ دُوني حَنَانُكِ كلُّهُ
 
وأَبقى مَعَ الكُثْبانِ حَرّانَ صَاديا؟
 
تَمُوتُ جُذُوري... آهٍ!..
 
مَاليَ حِيْلَةٌ
 
أيَدْفَعُ دَمْعُ العَجْزِ عَنْكِ العَوادِيا؟
 
وَعَيْنَاكِ.. لا أسْطيعُ صَوْنَ شعاعِها
 
فللّهِ إذْ كانَتْ شُمُوساً هَوَاديا
 
ويا حَسْرتَا!.
 
يُمناكِ كيْفَ تَثَاقَلَتْ؟
 
وأعْجَزَهَا رَدُّ الإشَارَةِ واهِيَا
 
كَأنْ لَمْ تَكُنْ بالأمسِ تَسْري أُمُومَةً
 
تُرَبِّتُ أعْطَافي وَريشَ جَناحِيا
 
أَكلَّتْ؟
 
وَكَمْ كانَتْ تَكِدُّ مَتِينَةً!
 
لِتَغْمِرَ نُعْمَاهَا البِلادَ أَيَادِيَا
 
كَأنِّي أَرَى التَّنُّور تُذكِي أُوَارَهُ
 
وقَدْ شمَّرَتْ فاشْتَدَّ يَزْأَرُ حَامِيَا
 
وصَالَ بسَاحَاتِ الجِهادِ رَغِيفُها*
 
يُؤازِرُ أسْيافاً، وسُمْراً عَوالِيا
 
وجرّتُها تحْتَ الرَّصاصِ تَقَحَّمَتْ
 
ليرتَوِيَ الثُّوّارُ عَذْبَاً وَصَافِيَا
 
لَعَمْرُكَ هَذي الشَّمْسُ نَبْضُ سِرَاجِهَا
 
ولولاهُ مَا شِمْنا الصَّبَاحَ المُفَاديَا
 
وكَمْ لَيْلةٍ عَجْفَاءَ بَاخَتْ نجومُهَا
 
ومِغْزَلُهَا باتَ الأنيسَ المُواسِيا
 
تُغَنّيهِ آلامَ الشَّقَاءِ شَجيّةً
 
فَيَشْدُو مَوَاويلَ السَّعادَةِ راضِيَا
 
يَدورُ عَلَى وَعْدٍ يُشَرْنِقُ قُطْنَهَا
 
ويَغْزِلُ مِنْ نُورِ العُيُونِ أمَانِيَا
 
لَهُ أخْلَصَتْ وُدَّاً فَصَانَ حَيَاءَهَا
 
فَمَا طَرَقَتْ باباً أصَمَّ المُنَادِيَا
 
***
فَيَا خَوْلَةً فِينا جَهِلْنَا مقَامَهَا
 
فَلَمّا قَضَتْ هِجْنَا عَلَيْها المَراثِيَا
 
مَرَرْتِ عَلَى الدُّنْيَا شِراعاً مُسَافِراً
 
لِيُلْقي بجنَّاتِ الخُلُودِ المَراسِيَا
 
خَفيفاً رَضِيَّاً مُطْمَئِنّاً بِسَعْيِهِ
 
يُبَايِعُ رَبَّاً لا يخيِّبُ سَاعِيَا
 
لَكِ اللهُ!.
 
حَسْبُ الصَّابِرينَ نَعِيْمُهُ
 
ويجزيْكِ عَنَّا الخيرَ –يا أمُّ- وافِيَا
 
ومَا مَاتَ مَنْ أفنى صِباهُ مُجَاهِداً
 
وخَلَّفَ مَنْ يبني الحياةَ مَعَالِيَا
 
***
© 2024 - موقع الشعر