رثاء فاطمة أم زكريا مجاهد! (معارضة لشوقي) - أحمد علي سليمان

وفاتُكِ جندلتْ أعماقَ ذاتي
وهزتْ ما تماسك مِن ثباتي

وهيّجتِ اللواعجَ والمآسي
ورجّعتِ الجوى والذكريات

وأرّقتِ المشاعرَ والطوايا
وساقتْ مِن صروف العائدات

وصفدتِ العواطف بالبلايا
فعانت مِن مُكابدة الأذاة

ونالت مِن أحاسيس وِجاعٍ
يُعذبُها البكاءُ على الوفاة

وتُحْزنها عباراتُ التعازي
وطعمُ الحزن يا أمّاه عات

كأني قبلُ لم أفجعْ بفضلى
ولم أحزنْ لموت الفضليات

ولم أجزعْ ، لأن الموت حقٌ
ويوماً سوف يُدْركُني مماتي

وهذه سُنة المولى تعالى
وسوف تموتُ كل الكائنات

فكم بالموت قد رحلتْ قرونٌ
وكم موتى على قيد الحياة

وتنعي النفسُ أصحابَ المَعالي
وأربابَ الحِجا والمَكرُمات

ومَن يتأمل الأيامَ يُدركْ
حقائقَ تحتوي أندى العِظات

وعيشُ المرء مَرهونٌ بموتٍ
توشّحَ بالقضا والنائبات

ودنيانا تُقلدُنا الأماني
فنسبحُ في خيال تأمّلات

ونهربُ من مصائرنا هروباً
ونسكنُ في كهوف الأمنيات

فتفجعنا - بصولتها - المنايا
وتسردُ ما اختفى مِن بينات

فنذعنُ للقضاء بلا اعتراض
ونمسكُ عن حَكايا الترّهات

وعند الموت كنتِ شهدتِ حقاً
بأن الله ربُ الكائنات

وليس سِواه معبوداً بحق
وتلك عقيدة الصِّيدِ التقاة

وأن محمداً - صدقاً - رسولٌ
أتانا بالهُدى والمُعجزات

وودّعتِ الجميعَ إلى فِراق
وقدّمتِ العَزا لمُغسلات

وغسّلكِ النساءُ بكل رفق
فعاينّ المناقبَ والسِمات

وكِلن المدحَ حُباً واحتراماً
لمَا آنسن من عذب الصفات

فللجُثمان إشعاعٌ ونورٌ
تلألأ في وجوه الحاضرات

ووجهٌ ثغرُه يُزجي ابتساماً
وذي الأخبارُ جاءت عن ثِقات

أيا (زهراءُ) موتكِ نال مني
لذا أبَّنتُ خيرَ الأمّهات

وطرزتُ القريضَ بفرط دمعي
عليكِ ، فأنت مني بعضُ ذاتي

مُعمِّرة ، ولم تتركْ صلاة
سيَجزيكِ المليكُ عن الصلاة

تجاوزتِ الثمانين اللواتي
تقضّتْ في الفِعال الصالحات

وعند الباب مُصحَفك المُسجّى
يُشيِّع مَن خلتْ بأسى المَمات

وطَرْحَتُكِ التي تبكي انتحاباً
عليكِ بما تواجه مِن أذاة

وجلباب أناخته الرزايا
تذرّعَ - في المصيبة - بالسكات

وغرفتكِ الكئيبة في التياع
تلوكُ الوجدَ ، توغلُ في الشكاة

وأهلٌ يذرفون دموعَ ثكلى
مُحطمة الجوانح مُبتلاة

لأجلك ، أنتِ كنتِ لهم سِراجاً
يُشعشِعُ في الليالي الداجيات

وما قصّرتِ في نصح الولايا
نصائحُ زيّنتْ بالتضحيات

وللألفاظ نورٌ كالثريا
وفي الآراء وعظ الخيِّرات

وفي التحكيم أعدلُ مِن رجال
لنا لبسوا جلابيبَ الدّعاة

وما حكموا كما حكمتْ ، ولكنُ
عَشَوْا عن حُكم رب الكائنات

كلامكِ ما احتوى يوماً هُراءً
كما تهذي جُموعُ الساقطات

وكم حُزتِ المناقب والسجايا
وكنتِ بهن أرجى الوالدات

ومهما قلتُ ما وفيتُ أماً
مزاياها تفوقُ توقعاتي

كفاني قلتُ ما عندي قريضاً
بأبلغ ما درستُ من اللغات

وما غيبتُ في قلبي هموما ً
دهته ، أتى بها في الحي آت

وما أخرْتُ تحبيري لكرب
بأبياتٍ كمثل المعجزات

تتالت - فوق قِرطاسي - كغيثٍ
تساقط فوق مُقفرةٍ فلاة

فأمسكتُ اليراعَ ، وقلتُ: مَرحَى
بنص سوف يقرؤه رواتي

(لفاطمةٍ) نقشتُ كئيبَ شِعري
بما قاسيتُ مِن خبر النعاة

فجاء النصّ مُبتئساً كسيراً
بما أملاه وقعُ الحادثات

بأحرفَ تشتكي ألم البلايا
وأبياتٍ تحنّ إلى الحُداة

ويرجمُها الُنعيُّ بصخر حزن
ودمعُ الشعر يَهطلُ كالفرات

على (الزهراء) عن عينيه غابت
فقد ركبتْ قطارَ الراحلات

ومَن يرحلْ يُراودْه التلاقي
سواءً في الصباح أو البيات

ولقيا هذه يومَ التنادي
فيحشر ربنا كل المَوات

فيا رب الورى أحسنْ إليها
وأسكنْها الجنانَ العاليات

وأبدِلها - من الدنيا - بدار
أعِدّتْ للنساء المؤمنات

وأهلاً من جميع الناس خيراً
ومُنّ - على الكريمة - بالهبات

تغمدْها بمغفرةٍ وعفو
وعند سؤالها جُد بالثبات

خلقتَ الموتَ والعيشَ ابتلاءً
وفصّلتَ الأمورَ الواجبات

ألا يا رب جنبنا المعاصي
لكي نحظى هنالك بالنجاة

دَعوتُ ، وأنتَ أهل لابتهالي
فأكرمْنا بخير الأعطيات

© 2024 - موقع الشعر