في وداع رمضان! (معارضة لشوقي) - أحمد علي سليمان

رمضانُ ولى ، فارقني يا راقي
من عائداتٍ زلزلتْ أعماقي

واقرأ مِن القرآن أعذبَ رُقيةٍ
تودِي بما في القلب مِن ترياق

وأدمْ قيام الليل تُبهجْ خاطري
لتزيل ما حولي من الأطواق

واملأ كؤوسَ الصبر حِلماً وادعاً
أكرمْ بكأس بالهدوء دِهاق

واشحذْ بعزك همةً مصقولة
كي تستمر على هُدى الخلاق

وانصحْ ، ولا تكُ في النصيحة وانياً
فالنصحُ بعد الذكر زادُ الراقي

واحملْ على حُب السخا مَن ذاقه
إن السخاء مَطيّة الإنفاق

رمضانُ ولى حاملاً طاعاتنا
هل يا ترى نالت رضا الرزاق؟

أم ردّها المولى لأمرٍ عابها
فتمرغتْ في خيبة الإخفاق؟

ما زارها الإخلاصُ يوماُ واحداً
فبها أردنا غيرَ وجْه الباقي

هل خالفتْ هديَ الشريعة جُملة؟
هل كابرتْ في عِزة وشِقاق؟

أم أنها قبلتْ ، وفاح أريجُها
بين الأنام ، وطار في الآفاق؟

إن القبول له علامات تُرى
لا تختفي يوماً على الإطلاق

رمضانُ ولى مادحاً أو قادحاً
مستأثراً بالسر في الأوراق

كلّ له مَطوية وصحيفة
وصحائفُ الأعمال كالأرزاق

واللهِ ما استويا مُعَظمُ شَهرِهِ
ومُفَتَّن يأوي لحان الساقي

فالصائمُ الحق الذي رمضانه
كالشمس إذا خصّته بالإشراق

وتتبعتْ شهواته بضراوةٍ
لتدُعّها في مَوقدِ الإحراق

فارتاح مِن ضنكٍ يُعكّرُ صومه
وغدا قوياً قوّة العملاق

فالنفسُ زكّاها الصيامُ ، وساقها
لرشادها بمَعينه الدفاق

والقلبُ نقاه الصيامُ ، وهزه
حتى غدا في ذِروة الإشفاق

والروحُ حرّرها الصيامُ طليقة
فلكم بكتْ من قيد الاسترقاق

أما الذي رمضانه متألماً
يدعو عليه بدمعه الرّقراق

فأراه خاب ، وكيف يُفلحُ مِثله
والروحُ سائرة إلى الإزهاق

والقلبُ غصّ بما يُعاين مِن هوىً
أو غادةٍ بمسلسل برّاق

والنفسُ ألجمها الغَرورُ بمكره
فتجرعتْ كأساً من الغساق

رمضان ولى ، والمهيمنُ عالمٌ
هل يا ترى - بعد الفراق - تلاقي؟

ودَّعتُه ، واللهُ يشهدُ أنني
أهفو إلى رمضانَ كالمشتاق

واللهَ أسألُ أن يُبلغ أمّتي
رمضانَ ، شاهدة بذا أشواقي

© 2024 - موقع الشعر