ما تغير الحال ولا الخال! - أحمد علي سليمان

كم غيَّرتْ أنفساً رُؤىً وأحوالُ
وكم أدارتْ رَحَى التغيير أجيالُ

وكم أضاعَتْ حقوقاً حُدِّدتْ فِتنٌ
وكم أزاغتْ قلوبَ البعض أموال

وكم بفتيا خبَتْ نيرانُ مُعضِلةٍ
وكم بشُورى زَوَى بأسٌ وإشكال

وكم برأي زكَتْ أوضاعُ شِرذمةٍ
وكم أزاحَتْ شرورَ البُغض أقوال

وكم أعادتْ لباري القوس عن رَغم
قوساً طوتْها تكاليفٌ وأحمال

وكم أقامَتْ عَلاقاتٍ مُقطعة
تنازلاتٌ بها تفضلَ الآل

ورُدَّ أمرٌ إلى نِصابه بهُدىً
أملاهُ شَهمٌ له في الناس إجلال

الحق أجدرُ أن يسود في مَلأ
مهما تعقبه حِلٌ وتِرحال

لولا وساوسُ شيطان نضِلُّ بها
ما راجَ بين بني الإنسان إضلال

لولا الهواجسُ تُمليها خواطرُنا
ما جَندلتْنا أراجيفٌ وأحوال

لولا اتباعُ الهوى يُعمِي بصيرتنا
لمَا استبدتْ بنا في الدرب أهوال

لولا ظنونٌ خلتْ مما يُؤكدُها
لزخرفتْ قولنا المَوتورَ أعمال

لولا انتصارٌ لحظ النفس عنَّ لنا
ما شابَ عِيشتنا عَيبٌ وإخلال

لولا الوشاة غوَوا في كل مُصطدم
وكل مَن صَدَّقوا الوشاة جُهال

على الجميع انطلتْ زوراً وشايتُهم
وللأكاذيب إدبارٌ وإقبال

لولا النفاقُ صَفتْ له ضمائرهم
وترجمتْ زيفه المكشوفَ أفعال

يا خالُ أحسنت في سِر وفي عَلن
والكل يشهدُ بالمعروف يا خال

بذلك نصحَك ترتاحُ النفوس له
ولم يكنْ منك لابن الأخت إهمال

وجُدْت بالخير يا شهماً صباحَ مسا
والجُودُ بالخير نِعمَ الطَولُ والطول

وسُقت عِلمَك مَوفوراً لراغبه
لنا بما سُقته تِيهٌ وإدلال

ويحَ (الفِرنسية) احتاجتْ قواعدها
إلى البيان ، ولا فهمٌ ، ومال

حتى أتيت لنا مُعَلماً فطِناً
لم يألُ جهداً ، ولم تصرفه أشغال

شرحت غامضها شرحاً يُبَلغنا
خوضَ امتحان له في النفس إعمال

سل (الجواكت) كم جاد الكريمُ بها
وكم تُعِز كريمَ الأصل أفضال

واسأل كذلك عن جميل أقمِصة
لها بهاءٌ وألوانٌ وأشكال

مِن خير أقمِشةٍ تسبي مناظرُها
عيونَ مَن نظروا ، فالحسنُ مِكمال

سل العُطورَ بها الأنوفُ مُولعة
وإنْ تباشرْ شذى العطور تختال

سل (الأجنداتِ) أهدَاها مزركشة
والذكريات بها صُوىً وأطلال

وسل إذا شِئت (أقلاماً) وما سَطرتْ
مِن طيِّب النص ، طابَ الرسمُ والقال

سل الخِلافاتِ جَلاها وناقشها
وحُققتْ بعدها للكل آمال

سل المشاكلَ ما حُلتْ وما هدأتْ
حتى أتانا بما يُزيلها الخال

ولم يكن قاطعاً أهلاً ولا رحِماً
والكل وقرهُ شِيبٌ وأطفال

حييتُ فيك أباً فاحتْ أبوته
مِسكاً ، يُحاكيه أعمامٌ وأخوال

وما رددتُ جميلَ الخال أحسِبني
حيث ابتُليتُ ، وغالَ اليُسرَ أنذال

قي غربةٍ شَقِيتْ نفسي بوحشتها
وما بكاني بها صحبٌ ولا آل

ما طابَ عيشي بها يوماً ، ولا ابتشرتْ
روحي ، ولا هدأتْ نفسي ولا البال

تآمرتْ زمرٌ على مُناوأتي
وهدَّ عزميَ خذلانٌ وإشكال

وساحُهم برئتْ مما يُدَنسُها
وساحتي عابها وعدٌ وإمطال

وعَدتُ لكنْ خبَتْ أنوارُ موعدتي
والوعدُ مُستطرٌ ، وليس إغفال

وما تغيرَ خالي رغم فرقتنا
ولا تغيرَ – بالقطيعة – الحال

آلُ (السماحة) أخوالي ذوي رحِمي
في البذل والجود أعلامٌ وأبطال

وبالدقهلية الشمَّاء هم نشأوا
طابتْ أصولهمُ ، وطابَ مِنوال

هم الغطاريفُ في ريفٌ وفي حَضَر
أشباهم ندُروا ، وعَز أمثال

تاريخهم حافلٌ بالمَكْرُمات شدتْ
وإنْ قائلهم بالخير مِفعال

نشأتُ فيهم ، فأولوني مناقبَهم
وعِشتُ لي بينهم حُبٌ وإفضال

حيَّاهمُ اللهُ في الدنيا وضُرَّتها
لِمَا دَعوتُ مليكُ الناس فعال

مناسبة القصيدة

(اعتادَ هذا الخالُ الطيبُ البَذولُ الشهمُ أن يُعين ابن أخته المعيلة على صعوبات الحياة! فأنفقَ من جيبه ومقتنياته الشخصية ما الله به عليم! كما عرَّض نفسه لمخاطر شتى من أجل أن يُحقق هذه الغاية: ( إعانة ابن أخته الفقير). فجاد برأس المال النقدي والعيني عن طِيب نفس! فجاد بالفلوس والجواكت الفاخرة والأقمصة الراقية والأقلام النفيسة وقنينات العطور والأجندات وغير ذلك لرؤية ابن أخته في أبهى صولاة وأرقى حال! وشارك مشاركة إيجابية فاعلة بكل رشد وروية في حل المشكلات دون من أو ضرب أو أذى أو عُقوبة! وشرح دروس اللغة الفرنسية ، والتشجيع الدائم على التفوق وإحراز المستقبل الرائع الأمثل! ودارت الأيامُ دورتها وتخرج هذا الابن من الجامعة ، بفضل الله تعالى أولاً وآخراً ، ثم بفضل هذا الخال وتشجيعه ودعمه! ثم تعسَّرَ هذا الابن جداً في مشروع زواجه ، ووصل مع أسرته إلى طريق مسدود في القبول بزوجةٍ اختارها ورفضوها جميعاً ، وفشل في إقناعهم! فذهب إلى خاله مستعيناً به في إيجاد حل! فاصطحب الخال أخاه وأبيه! وانطلق ابن الأخت مصطحباً جده وخالاه ، وذهبوا جميعاً للأسرتين: أسرة العريس ، وأسرة العروس! وتم التوفيقُ بين الجميع ، وفتح الطريق لإكمال المسيرة! وعاد الخال ، وتم الزواج! واستمر الحال عاماً بأكمله ، ثم لاحت فرصة لابن الأخت للسفر إلى الخليج ، وتعشم الخال الشهم البذول ردَّ الجميل من ابن أخته! خاصة وأنه بدأ يرسل بتأشيرات الزيارة والعمل لأناس من العائلتين! فعتبَ الخال على ابن أخته عتاباً أعقبته قطيعة دامت عقداً! وكان اجتهاد ابن الأخت أن الخال في وظيفة مرموقةٍ براتب معقول نسبياً في بلده! فكيف به يكون سبباً في تسفيره إلى بلد يعيش فيها غريباً شريداً! ولم يهتد إلى أن يعطي الفرصة لخاله ليجرب حظه كما يقولون! وبعد عقد عاد ابن الأخت ليفصل وليبين وليشرح السبب وراء تصرفه ، ولكن لم يعطه الخال الفرصة لإزالة ما في النفوس من رواسب! فكتب في ذلك التصرف قصيدة عنوانها: (تغير الحال أم الخال؟) ، ثم عاد ابن الأخت لخاله بعد عقدين من القطيعة ، ليجد خاله على ما كان عليه من الخؤولة والأبوة والحيدة والموضوعية! ففرح بذلك فرحاً عظيماً ، إذ رحَّبَ به خاله ، وكأن شيئاً لم يكن! فكانت هذه القصيدة ترجمة لهذا اللقاء: (ما تغير الحال ولا الخال!) ، لتأخذ صورة الاعتذار اللطيف وبدء صفحة جديدة!)
© 2024 - موقع الشعر