حسناءُ قلبي - حسن الكميت

رَكِبْتُ قِطَارَ العِشْقِ والدَّرْبُ يَفْسَحُ
وَطِرْتُ إلى سِرْبِ الهَوَى أَتَرَنَّحُ
 
فَكُنْتُ قَدِيماً مَارِدَ القلبِ جائراً
وغيري على جَمْرِ العنا يتأرْجَحُ
 
وكنتُ سليّاً والنجومُ صديقةٌ
أُدَنْدِنُ من حَلْقِ الرَبَابِ وأصْدَحُ
 
وكنتُ أرى أن الغرامَ حماقةٌ
وغيري بهيجاءِ الصبابةِ يُسْفَحُ
 
ولمَّا غَزَتْ حسناءُ قلبيَ بَدَّدَتْ
زماناً بهِ عقلٌ ورُشْدٌ ومَطْرَحُ
 
فأسقطُ مكسور الجناحِ بسهمها
وعيني على تلك المحاجرِ تَنْزَحُ
 
ومجديَ مسلوبٌ وعقليَ هائمٌ
وجمرُ القوافي حول غُصنيَ يَلفحُ
 
فلا حُبَّ إلا قاتلٌ ومُعذِّبٌ
وأسلافُهُ جِنٌّ تَطِيرُ وتُطْرَحُ
 
وفيهِ من الأطيافِ طيفٌ مُعَقَّدٌ
شكيمٌ بأحداقِ العيونِ مُصَفَّحُ
 
فهل كنتُ في تلكَ الجُمانةِ عاشقاً
وهل كنتُ جدِّياً وهل كنتُ أمزحُ
 
لَعُمْرُكِ إن الحُبَّ كالصقر كاسرٌ
لشاردهِ بين المتاريس يَضْبَحُ
 
لَعُمْرُكِ إن القلبَ فيكِ متيَمٌ
لصاحبهِ بحرُ المجانينِ يَطْفَحُ
 
أسائلُ نفسي ما الغرامُ فلا أرى
جواباً ولكنِّي أتُوهُ وأسْرَحُ
 
كأن شروقَ الحُبِّ شمسٌ بمقلتي
يُقطِّعُ أستارَ العيونِ ويَفْضَحُ
 
لِذَا الحُبُّ قُبطانٌ وبحَّارُ مَرْكَبٍ
وَوَرْدٌ على درب اللقاءِ مُفتَّحُ
 
فحُبُكِ يا حسناءُ حبٌّ مُظَفَّرٌ
يُحيطُ بهِ سُورٌ وجيشٌ مُصَرَّحُ
 
تُؤَجِّجُهُ الآهاتُ بالشوقِ لوعةً
فيُنْكِرُ أن البُعدَ يعفو ويصفحُ
 
ولكنَّ عندَ القُربِ يُؤمِنُ أنَّهُ
ملاكٌ أميرٌ بالشذا يَتَبَجّّحُ
 
ففي كلِّ نبضٍ يا جُمانُ قصائدٌ
وفي كلِ شعرٍ بالتناهيدِ أَفْصِحُ
 
سنبني قصور العِزِّ بالحُبِّ عالما
عنِ السعدِ والأفراحِ لا نتزحزحُ
 
ونَسْبِي لنا نجماً وبدراً ونختلي
ونلعقُ أنواء الثريا ونفرحُ
 
ونسقي لآهات الصدورِ نبيذَها
ونجتازُ أميالَ الحياءِ ونَجْمَحُ
 
ونزرعُ بُستانَ العفافِ بطُهْرِنَا
ونغدوا لهُ كالطيلسانِ نُوَشَّحُ
 
ونُسمِعُ أهل العشقِ عزف كمانِنا
نُصَعْلِكُ أنفاساً ونهذي ونَجْنَحُ
 
ونرضعُ من ثدي الملذةِ خمرةً
وتسرحُ غِزلانُ الحَنَانِ وتَمْرَحُ
 
ويستسلمُ العربيدُ دون تَمُرَدٍ
ويَخْضَعُ للأحضان ظبيٌ فيُذْبَحُ
© 2024 - موقع الشعر