ليالينا بين اللوى فمحجر - البحتري

لَيَالينا بَينَ اللّوَى، فمُحَجَّرِ،
سُقيتِ الحَيا منْ صَيّبِ المُزْنِ مُمطِرِ

مضَى بكِ وَصْلُ الغانياتِ وَنَشوَةُ ال
شّبابِ، وَمَعرُوفُ الهوى المُتَنَكّرِ

فإنْ أتَذَكّرْ حُسْنَ ما فَاتَ لا أجِدْ
رُجُوعاً، لِما فارَقْتُهُ، بالتّذكّرِ

نَضَوْتُ الأسَى عَنّي اصْطِباراً، ورُبّما
أسِيتُ، فلَمْ أصْبِرْ وَلَمْ أتَصَبّرِ

أيَا صَاحبي! إمّا أرَدْتَ صَحَابَتي،
فكُنْ مُقصِراً، أوْ مُغرَماً مثلَ مُقصِرِ

فإنّيَ، إنْ أُزْمِعْ غُدُوّاً لِطِيّةٍ،
أُغَلِّسْ، وإنْ أُجْمِعْ رَوَاحاً أُهَجِّرِ

وَمَا يَقرُبُ الطّيفُ المُلِمُّ رَكَائبي،
ولاَ يَعْتَرِيني الشّوْقُ من حيثُ يَعترِي

سُقينا جنَى السُّلوَانِ أمْ شغَلَ الهَوَى
عَلَينا بَنُو العِشرينَ، من كلّ معشرِ

وَقد سَاءَني أنْ لمْ يَهِجْ منْ صَبَابتي
سَنا البَرْقِ في جِنْحٍ من اللّيلِ أخضرِ

وأني هجر للمدام وقد جلى
لنا الصبح من قطربل وبلشكر

وكيفَ تَعاطي اللّهوِ، والرّأسُ مُحْلَسٌ
مَشيباً وَشُرْبُ الرّاحِ من بَعد جَعفَرِ

قَنِعْتُ، وجانَبْتُ المَطامِعَ لابِساً
لِبَاسَ مُحِبٍّ، للبراءَةِ مُؤثِرِ

وآنَسَني عِلْمي بأنْ لا تَقَدُّمي
مُفِيدي ولا مُزْرٍ بحَظّي تأخُّرِي

وَلَوْ فَاتَني المَقْدُورُ ممّا أرُومُهُ
بسَعْيٍ، لأدرَكْتُ الذي لمْ يُقَدَّرِ

أقُولُ لذي البِشْرِ البكيّ الذي نَبَتْ
خَلاَئِقُهُ، والنّائِلِ المُتَعَذِّرِ

لِمَنْ رِفدُهُ بَيضُ الأنُوقِ، وَعَرْضُهْ،
إذا أكثَبَ الرّامي، صَفاةُ المُشَقَّرِ

كَفَاكَ العُلا مَنْ لستَ فيها بِبَالغٍ
مَداهُ، ولا مُغْنٍ لَهُ يَوْمَ مَفخَرِ

وَمَنْ لَوْ تُرَى في ملكِهِ عُدتَ نائلاً
لأوّلِ عَافٍ من مُرَجّيهِ، مُقْتِرِ

لَقَدْ حِيطَ فَيْءُ المُسْلِمِينَ بحَازِمٍ،
كَلُوءٍ لِفَيْءِ المُسْلِمِينَ، مُوَفِّرِ

مَليءٍ بإذْلالِ العَزِيزِ، إذا التَوَى
عَلَيْهِ، وَقَسْرِ الأبْلَخِ المُكَبِّرِ

أذَاقَ الخَصِيبِيِّينَ عُقْبَى فِعَالِهِمْ،
على حينَ بأوٍ مِنْهُمُ، وَتَكَبُّرِ

وكانوا متى ما يُسألُوا النّصْفَ يَشمَخوا
بانفِ شُرّادٍ عَنِ الحَقّ، نُفّرِ

نَمَاهُمْ أبو المَغرَاءِ، في جِذْمِ لُؤمِهِ،
إلى كلّ عِلجٍ من بَني التّالِ، أمغَرِ

يَعُدّونَ سَوْخَرّاءَ جَدّاً بِزَعمِهِمْ،
فقَد أحرَزُوا شؤمَ اسمِهِ في التّطَيّرِ

ونبئتهم تحت العصي وقد بدت
خزايا مقر منهم ومقرر

لِحًى نُتِفَتْ، حتّى أُطيرَتْ سِبَالُهَا،
وأقفاءُ مَصْفُوعينَ في كلّ مَحضَرِ

حَداكمْ صَليبُ العَزْمِ، ليسَ بَواهنٍ،
وَلا غَمَرٍ في المُشكِلاَتِ مُغَمِّرِ

قَليلُ احتِجَابِ الوَجهِ، يَغدو بمسمعٍ
من الأمرِ، حتّى يَستَيثِبُّ، وَمَنظَرِ

مُعَنًّى بإعْجالِ البَطىءِ، إذا احتُبي،
وَصَبٌّ بتَقديمِ المُزَجّى المُؤخَّرِ

إذا طَلَبُوا مِنْهُ الهَوَادَةَ طالَهُمْ
قَرَا جَبَلٍ مِنْ دُونِها مُتَوَعِّرِ

وإنْ سألوا: أينَ الدّنيئَةُ، أعْوَزَتْ
لَدَى أحْوَزِيٍّ، للدّنيئَةِ مُنكِرِ

متى اختَلَفَ الكُتّابُ في الحُكمِ أجمعوا
على رأيِ ثَبتٍ، في النّديّ، مُوَقَّرِ

وإنْ حَارَ سارِي القوْمِ في الخَطبِ أنجحَتْ
بَصِيرَةُ هادٍ للمَحَجّةِ، مُبصِرِ

كِلوا الغَايَةَ القُصْوَى إلى من يَفُوتُكُمْ
بها، وَدعوا التّدبيرَ لابنِ المُدَبِّرِ

فِداءُ أبي إسحاقَ نَفسِي وأُسرَتي،
وَقَلّتْ لَهُ نَفسِي فِداءً، وَمَعشري

لَبِسْتُ لَهُ النُّعمَى التي لا بَديُهَا
حَديث، ولا مَعْرُوفُها بمُكَدَّرِ

أطَبْتَ، فأكْثَرْتَ العَطاءَ مُسَمِّحاً،
فَطِبْ نامِياً في نَضرَةِ العَيشِ واكثُرِ

وأديت من بادورياء ومسكن
خراجي في جنبي كناب وتعمر

فإن قصرت تلك الولاة فقد رمى
إلى المجد والي سؤدد لم يقصر

© 2024 - موقع الشعر