تَرَاتِيْل

لـ فاضل سفّان، ، بواسطة فاضل سفّان، في غير مُحدد

تَرَاتِيْل - فاضل سفّان

تَرَاتِيْل
قالوا رُدِدْنا على أعقابِنا سَرَبا
وحاسَبونا على مَنْ يقتني قَصَبا
 
وقد هُرِعنا إلى الصحراءِ نسألُها
رجْعَ الصدى ما تمنّى خاطرٌ وَصَبا
 
فعاد يَطْلَعُ صوتُ الكِبْر مرتَكِساً
إنَّ الذي يحفظُ السيماء قد ذهبا
***
هذي الدّيارُ لهيبُ المجدِ غاضَ بها
مُذْ قِيْلَ إِنَّ أُوارَ الأكرمِينَ خبا
 
جَفّتْ مواسُمها في كلِّ منتَجَعٍ
وما تزوَّدتَ لا خمراً ولا عِنَبا
 
وأرضُنا جَنّةٌ للناظِرينَ غدتْ
مهزولةً وغدت أنهارها سَلَبا
 
قطافُنا الشِيْحُ والمُرّانُ نعرُقُهُ
وغيرنا يقطفُ الريحانَ والذهبا
 
وما أَضَعْنا بمدِّ البحر باصرةً
ولا نَكَسْنا على أدبارِنا هَرَبا
 
دنياكَ يا صاحبي ما عُدْتُ أجهلُها
ميزانها: إنما الدنيا لِمَنْ غَلَبا
 
نهوى الُفراتَ حديثاً في مجالسنا
ونَعَشَقُ الحَوْرَ والطرفاءَ والغَرَبا
 
وذنْبُنا أنَّنا في كلِّ نازلةٍ
نملي لشاطئه من همّنا خُطَبا
 
أمواجُهُ العذبةُ السمحاءُ نعرفُها
من كُثْرِ ما غيّبتْ شيخوخةً وصِبا
 
كذاك يعشق بعضُ الخلقِ قاتلَهُ
كما الفَراشُ يحبُ الموتَ مُلتَهِبا
***
هذا الفرات عيونُ الحبّ تحرسُه
على مرابِعِهِ كم عاشقٍ صُلِبا
 
في دوحِهِ تُزهرُ الأنسامُ عاطرةً
وفي منابِرِهِ لا نبتغي رُتَبا
 
وشطُّه واحةٌ غنّاءُ مُترَعَةٌ
بكلّ ناعمةٍ تزهو به نَسَبا
 
تلهو فما تعرف الأحداقُ خائنةً
منها ولا عقّت الأعراقَ والحَسَبا
***
إنّ العيون غريراتٍ نباركُها
ما قيّض الله في جنّاته عُرُبا
 
ما أروعَ القُبلةَ الخرساءَ نقطفُها
على حياءٍ إذا ما أُعْقِبَتْ عَتَبا
 
من غادةٍ تسكبُ الصهباءَ ناضرةً
وقدُّها يمنح السلوى لِمَن رِغبا
 
لا يعرفُ الشوقَ إلاَّ مَنْ يَكابدُهُ
مثلي ويعرف شهْدَ الثغرِ والحَببا
 
هي الحياةُ تُمنّينا ونكتمُها
ما يقرأُ القلبُ في أسفار مَنْ كَتَبا
 
وذي الفتونُ همومُ النفس تنشرُها
على السطور وترمي فوقَها سُحُبا
 
توزّعتْ خيلُنا في كلّ مُنْعَطَفٍ
ولم يزل أمرُنا مِنْ أمسنا عَجَبا
 
وسيفُنا لم يخِبْ في أيِّ مُعتَرَكٍ
فاسأل (قراصنةَ الصحراء) كيف نبا
 
المتخمونَ بوهم الغَرْب أخوتُنا
والسائرونَ على حدّ الخنا خَبَبا
 
والمرتمونَ (بوادي الذلِّ) سوّدَهم
أحفادُ (غورو) على أوطانهم نُصُبا
 
وَمَنْ يَخُن قومَه في الأرض كان بها
(أبا رِغالٍ) هوى في الكَيْدِ مُحتِطبا
***
رأيتُ قومي جماعاتٍ ممزّقةً
مَنْ في القصورِ ومَنْ يستوطنُ القببا
 
مِنْ جاحدٍ باع بيتَ الله محتسباً
ومارقٍ دَّس المغنى وما احتسبا
 
بيضٌ عمائمُهم سودٌ مناقبُهم
صمٌّ مسامعُهم إنْ سِمتَهم طَلَبا
 
كذاك يفعلُ مَنْ جُنّتْ مرابعُهُ
فإنْ تعجّلتَه بعضَ الندى كَذَبا
 
همٌّ تعرّقني يومَ اشتكى وَتَري
ما كنتُ أعزفُ كيما أرجم الشُهُبا
 
لا فَرْقَ عندي أحبَّ البرُّ ساحلَه
أم التقى نفحةَ الفيحاءِ أم حَلَبا
 
أمرانِ في خاطري ما بعتُ ودَّهما
نهرُ الفرات ويومٌ يجمع العَرَبا
 
يا شام فِيْكِ بقايا العزمِ صامدةٌ
ومن يصُنْ حوضَه الأدنى فما غُلِبا
 
وأنتِ تبقَين صوتَ الحقِّ شامخةً
في كلِّ منَقَلبٍ تبنينَ مُنقَلَبا
 
ومن يَهِنْ تربةَ الأجداد منهزِماً
في غفلةِ العُمْرِ خان الله والأدبا
© 2024 - موقع الشعر