حكاية الجرسونة روزا! - أحمد علي سليمان

قلدتُ (روزا) مِدحَتي وثنائي
وخصَصْتُها بروائع الإطراءِ

وقصصتُ قِصّتها بكل شرافةٍ
وأبنتُ جوهرَ ما احتوتْ للرائي

وبذلتُ فيها من عظيم تجاربي
في الشعر ، أبدِي همتي ووفائي

كي تسمعوا أصداءَها مَلحونة
فبدأتُ من ألف الصدى للياء

روزا التي عملتْ هنا جرسونة
كي لا تذوقَ لواعجَ الأرزاء

تُهدي الزبائنَ لينَها وجهودَها
كي ينعموا بتلطفٍ وهناء

حتى أتى رجلٌ وزوجتُه لها
طلباً رخيصَ طعامها والماء

فاستشعرتْ فقراً يَؤزهما معاً
فتكلفتْ في غِبطةٍ شمّاء

وتذكرتْ فقراً يُصارعُ أهلها
في مأكل ومَشارب وثواء

فأتتْ بأشهى وجبةٍ مدفوعة
وهديةٍ تمحو بُعَيضَ بلاء

فإذا بقصّتها يُطالعُها الورى
وإذا بها خُصّتْ بخير حِباء

سِيقتْ لها أحلى الهدايا ، أهلها
قد أعجبوا بصنيعها الوضّاء

كانوا ضحية جُودها وسخائها
إذ أعطتِ الزوجين خيرَ عطاء

ولذاك ما بخلوا عليها لحظة
بل أغدقوا مِنحاً من النعماء

فإذا ب (روزا) تزدهي في عِيشةٍ
نُسِجتْ من الخيرات والآلاء

هذي الحكاية عِبرة وضّاءة
للمُمْسِكين الطغمة البُخَلاء

الناسُ أحبابٌ لمن بسط العطا
هل في الدنا كالسادة الكُرَماء؟

جادوا ، فبارك جُودَهم رب الورى
والجُودُ ليس بكثْرةٍ وثراء

الجُودُ طبعٌ في نفوس أكارم
اليوم هم يحْيَون كالغرباء

رب اهدِ (روزا) للحنيفة والهُدى
والشرعة الخيرية السمحاء

مناسبة القصيدة

(إن حكاية الجرسونة (روزا) لحكاية الحكايات ، وقصة القصص ، ورواية الروايات! وهي بعد ذلك قصيدة القصائد! هناك في مطعم بإحدى الولايات الامريكية ناولت نادلة (جرسونة) المطعم (روزا) قائمة طعام الغداء إلى رجل وزوجته ، وقبل أن يَطلعا على القائمة ، سألاها أن تعرض عليهما أرخص طبقين ، وقِنينة ماءٍ يقتسمانها ، وذلك لكونهما لا يمتلكان مالاً كافياً إثر عدم حصولهما على راتبهما منذ عدة أشهر ؛ بسبب تحدياتٍ ماليةٍ تواجهها الجهة التي يعملان لديها. وهنا لم تفكر النادلة (روزا) طويلاً. بل اقترحت عليهما طبقين ، فوافقا بلا ترددٍ ما داما هما الطبقان الأرخص في ذلك المطعم الراقي. جاءت (روزا) بالطلبين وتناولاهما بنهم ، وقبل أن يغادرا طلبا من النادلة الفاتورة. فعادتْ إليهما ومعها ورقة داخل المحفظة الخاصة بالفواتير كتبت فيها ما معناه: "دفعت فاتورتكما من حسابي الشخصي مراعاة لظروفكما. وهذا مبلغ مائة دولار هدية مني وهذا أقل شيءٍ أقوم به تجاهكما. شكراً للطفكما. التوقيع الجرسونة سارة". وكان الزوجان في غاية السعادة ، وهما يغادران المطعم. واللافت في الموقف السابق أن (روزا) شعرت بسعادةٍ غامرةٍ لدفعها مبلغ فاتورة طعام الزوجين ، على الرغم من ظروفها المادية الصعبة هي الأخرى ، فهي تدخر منذ عام تقريباً قيمة غسالة أتوماتيك تود أن تشتريها! وأي مبلغ تُهدره فسيؤجل موعد اقتنائها لهذا الجهاز الحلم بالنسبة لها ، فهي تغسل الثياب بغسالةٍ قديمة. ولكن أكثر ما أحزنها هو توبيخ صديقة (روزا) لها عندما علمت بالموضوع. فقد نددتْ بتصرفها الغريب العجيب ؛ لأنها حرمتْ نفسها وطفلها من مال هي أحوج إليه من غيرها لشراء الغسالة. وقبل أن يتغلغل الندم إلى داخلها إثر احتجاج رفيقة عمرها على مبادرتها تلقتْ اتصالاً من أمها تقول لها بصوت عالٍ: "ماذا فعلت يا (روزا)؟" ردت بصوتٍ خفيض ومرتعش خوفاً من صدمةٍ لا تحتملها: "لم أفعل شيئاً. ماذا حدث يا ماما؟" فأجابت أمها: "يشتعل "الفيسبوك" إشادة بكِ ومدحاً لتصرفك. سيد وزوجته وضعا رسالتك لهما على الفيسبوك بعد أن دفعتِ الحساب عنهما في حسابهما وتناقلها الكثيرون. أنا فخورة بكِ يا ابنتي". ولم تكد تنتهي من محادثتها مع أمها حتى اتصلت عليها صديقة دراسة تشير إلى تداول رسالتها بشكل فيروسي في جميع المنصات الاجتماعية الرقمية. وفور أن فتحتْ سارة حسابها في "فيسبوك" وجدت مئات الرسائل من منتجين تلفازيين ومراسلين صحافيين يطلبون مقابلتها للحديث عن مبادرتها المميزة. وفي اليوم التالي ظهرت (روزا) على الهواء في أحد أشهر البرامج التلفزيونية الأمريكية وأكثرها مشاهدة. منحتْها مقدمة البرنامج غسالة فخمة جداً وجهازاً تلفازياً حديثاً وعشرة آلاف دولار. وحصلت من شركة إلكترونيات قسيمة شراء بخمسة آلاف دولار. وانهالت عليها الهدايا حتى وصلت إلى أكثر من 100 ألف دولار تقديراً لسلوكها الإنساني العظيم. تكلفة وجبتي طعام لم تكلفها أكثر من بضع دولارات + 100 دولار غيّرت حياتها. ليس الكرم أن تعطي ما لا تحتاج ، وإنما أن تعطي ما أنت في أشد الحاجة إليه. فما أن طالعتُ القصة في مجلة النيوزويك حتى كتبتُ قصيدتي!)
© 2024 - موقع الشعر