المقابر تتكلم 4 حوار بين ميت وقبره - أحمد علي سليمان

القبرُ يُنادي مَن عقلوا
ويُذكّر قوماً قد غفلوا

ويلومُ أناساً كم شرَدوا
عن درب الحق ، فما عدلوا

ويُعاتبُ قوماً كم لعبوا
وانصاعوا للسوء ، وهزلوا

ويُوبّخ قوماً ما احترموا
دين الله ، فبئسَ العمل

ويقول: أفيقوا ، وانتبهوا
قد يأتي اللاهينَ الأجل

لا تفتنكم هذي الدنيا
لا يُغريكم فيها الأمل

لا تخدعْكم بزخارفها
خابت إن خدعتْ مَن عقلوا

كم خدعتْ مَن لم ينتبهوا
فبها فتِنوا ، وبها اشتغلوا

بالوعظِ القبرُ تعقبَكم
وأقام الحُجّة ، فاعتدلوا

وانصاعوا للأمر ، وجدّوا
طوعاً كي ينصلحَ الخلل

بات القبرُ لكم مدرسة
وبعِبرته ضُربَ المَثل

فاذكر يا غافلُ ضمّتهُ
إن الضمة خطبٌ جَلل

تضغط أضلاعَك شِدتُها
وبها تختلفُ وتنفصل

والسُنة وَصفتْها وصفاً
لا يدركُهُ الغِر الجَهِل

والمجنوز وحيداً يلقى
هذي الضمة إذ يرتحل

يومَ يُهالُ عليهِ ترابٌ
عن هذي الضمّة لا حِوَل

والمَلكان سريعاً أتيا
كيف الحل؟ وماذا العمل؟

أنيابُهما تحفرُ قبراً
حَفراً رائيهِ ينذهل

صوتُهما والرعدُ سواءٌ
والنظرُ البرقُ المُشتعل

بينهما يجلسُ مَيتنا
مَذعوراً يَطويه الوَجَل

لهما أسئلة قد عُلمتْ
لإجاباتٍ لا تُرتجل

يا عبدُ ثلاثة أسئلةٍ
هل فيها العقلُ سيعتمل؟

أم سيُجيبُ عليها فرحاً؟
هو - للأمر - إذنْ يمتثل

مَن ربك؟ يا عبد أجبنا
ما دينك؟ أفصح يا رجل؟

ونبيٌ قد أرسِلَ فيكم
كان الإيمان؟ أم المَيَل؟

هل في الموقف هذا تنجو؟
وبمَنجاتك هل تحتفل؟

مَلكان بسُؤلك قد وكِلا
هل تنفعُ – في السؤل – العِلل؟

هل تُجدي أعذارُ مُمَار
في لهجته بانَ الدغل؟

هل يُرشَى المَلكان بمال؟
مَالك – للورثة – مُبتذل

أيجامِلُ مَلكٌ ، والثاني
تأخذه الشفقة والخجل؟

هل يطرحُ سؤلاً أحدُهما
ويُجيبُ الثاني يَرتجل؟

هل يأتيك الوحي فتتلو
أجوبة غيّبَها الكسل؟

هل تُدركُ غِراً مُعجزة
كي ينزاح الكربُ العَضِل؟

ما أوهنَ حِيلة مبتئس
في القبر تحدّتْه النقل

لم يحسبْ - للقبر - حساباً
وعلى ذلك عاش الهمَل

فإذا بالقبر يُلقنه
درساً لا تنقصُه المُثُل

ويُوَبّخ عبداً لم يَفطِن
لمآلاتٍ لا تُحتمل

ومصيرٍ – في القبر - وشيكٍ
ما عُقباه؟ وماذا النزل؟

وعذاباتٍ ما أصعبَها
وبلاءٍ أضناه الثقل

وأجاب المقبورُ مُصِيباً
كَبدَ الحق ، ونعمَ الجُمَل

قال: فتِنتُ بهذي الدنيا
وبها اصطادَ فؤادي الشُغل

والمالُ غزا عقلي أبداً
ودهتْني – بالمال - الغِيَل

والغي سبا كل صوابي
واستشرى – في القلب - الضلل

وحَييتُ بلا أدنى قِيم
وكأني حقاً مُختبِل

وتركتُ صلاتي وزكاتي
فغشاني الباطلُ والخطل

وهجرتُ القرآن ملياً
فزها الشرُ ، وراجَ الزلل

وانصعتُ لأهواءٍ شتى
وتحكّم – في العقل - الهبل

وأضعتُ بهزلي آخرتي
وأمامي ازيّنتِ السُبُل

وشقِيتُ ، وشقِيَتْ خاتمتي
وطفِقتُ أسائلُ: ما العمل؟

يا قبرُ يُراودُني عشمٌ
ويُداعِبُ ذاكرتي أمل

أني سأعودُ إلى الدنيا
وبهذي العودة أبتهل

كي أصلِحَ شأني وحياتي
إن الأيام – بها - دُول

هل قبرٌ ضاق بمَيّته
إذ آلمَ ضجعتَه النكل؟

فاحتجَ ، وألقى جُثته
والروحُ استقبلها الطلل

فاستبدلَ بالسُوآى الحُسنى
نعمَ الفعلُ ونعمَ البدل

والتقوى باتتْ دَيدَنهُ
وبه - فيها - ضُربَ المثل

هل يا قبري يَحدثُ هذا؟
أنا صارحتُك ، ما بي خبَل

واحتد القبر ، وقاطعَهُ
وابتُليتْ – بالخذل - الوُسُل

لا يرجعُ مقبورٌ أبداً
ليس له – بالعودة – قِبَل

ليس يُرد إلى ذي الدنيا
مَن أيقنَ ذلك مُختبِل

وإذا رجعَ المَيْتُ سيَعصي
وسيُغويه القومُ السَفل

كذبَ العائدُ في ذي الدعوى
هل سيَروجُ الكذبُ المَحِل؟

نفسٌ - في باطلها - غرقتْ
عدمتْ مِغواراً ينتشل

كيف تُلامُ على ما ارتكبتْ؟
لن يُجديَ لومٌ أو عَذل

روحٌ كرهَ اللهُ لقاها
لم تكُ بالمَولى تتصل

يا رب الطفْ ، واغفرْ ، وارحمْ
قوماً وفقَ الشِرعة عملوا

واتبعوا الحق ، وما وهنوا
وعلى المولى الحق اتكَلوا

مناسبة القصيدة

المقابر تتكلم 4 - (حوار بين ميت وقبره) (إن الذي يزور القبور بقلبه وجوارحه وعواطفه ومشاعره وأحاسيسه ، ليسمع بالقبور تناديه وتذكّره وتعظه وكأني بالواحد منهم يتخيل نداء قبره الذي سوف يدفن فيه وهو يقول له: أنا بيت الوحشة أنا بيت الوحدة أنا بيت الدود اعمل الصالحات لأكون لك روضة من رياض الجنة واجتنب المعاصي والموبقات حتى لا أكون لك حفرة من حفر النار فله كلام. وجزء من محاضرة لفضيلة الأستاذ الشيخ/ سليمان الماجد ، والتي هي بعنوان: (لو تكـلم الـمـوتى) يقول فيه: (تصور لو أن أهل القبور خرجوا من قبورهم ، خرجوا بأكفان بالية ووجوه مغبرة ، خرجوا من سكون القبور وظلمتها إلى ضجيج الأرض وأضوائها ، فركوا عيونهم ، عركوا آذانهم ثم انطلقوا في أنحاء المدينة أشباحاً مهيبة ليحدثونا عن هول ما رأوا ، فماذا عساهم أن يقولوا بعد هول المطلع وسؤال منكر ونكير وحساب عسير ، وكيف يا ترى سيكون حديث الأموات للأحياء؟ هذه أحوال الناس في قبورهم ، فلو تكلم الموتى لسمعتم منهم أعاجيب).هـ. إذن فالكلام عن الموت وعظة القبر لا ينتهي ونضم قصيدتنا هذه إلى قصائد سبقتْ عن المقابر وذلك لتتم الموعظة ، ولتنفع النصيحة والعِبرة والله من وراء القصد.)
© 2024 - موقع الشعر