المقابر تتكلم 3 – وصية أصحاب القبور - أحمد علي سليمان

تُفِيدُ المواعظ مَن يعتبرْ
ويَسعَدُ بالنصح مَن يدّكِرْ

وتنفعُ أهلَ النهى نفحة
مِن اللوم تُزجي الوصايا الغرر

طوتْنا الحياة بطوفانها
فبتْنا - إلى سُوئها - ننحدر

وعَز علينا اتباعُ الهُدى
ولم نستفدْ مِن مُبين النذر

وتاهتْ عن الدرب أقدامُنا
وصِرْنا نواجهُ ما لا يسُر

عصَينا المليكَ ، ولم نمتثلْ
برغم استطاعتنا ما أمر

ولم ننتهِ النهيَ عنه نهى
برغم وضوح الدليل الأغر

ولمّا نحِلّ الحلالَ الذي
أحلَ لنا - في الدنا - المقتدر

ولمّا نُحَرّمْ حراماً لهُ
ولم ندْر ما خبّأتْهُ الغِيَر

وزُيّن للنفس ما تشتهي
وشهوتُها ناولتْها الخوَر

فمالتْ إلى المعصيات التي
دهتْ عزمها ، فاحتواها الكدر

وحَنتْ إلى اللهو مُنقادة
لديه لها الوردُ ثم الصدَر

لها احلولتِ الموبقات ، فلم
تجدْ مَن يهيب بها أن تذر

وطاوعتِ الجهلَ مُختارة
فكالَ لها اللؤمَ بعد الدَبَر

فكم أسرفتْ ، واعتدتْ ، وافترتْ
وبالضر خيّمَ لم تعتبر

وفي الخير لم تعرفِ المُبتدا
فضلت هدايتها للخبر

وكم داعبتْها طيوفُ المُنى
فعاشتْ بآمالها تبتشر

وكم صدّها الوهمُ عن رُشدها
فما استصحبتْ – مِن هواها – الحَذر

وكم للتقاليد قد أذعنتْ
وللحق والعدل لم تنتصر

بغير المهيمن كم أقسمتْ
فهل غيرُه خالقٌ للبشر؟

وكم غيرَ رب البرايا دعتْ
فهل عند ذا الغير نفعٌ وضر؟

وكم غيرَ رب الورى حَكّمتْ
وأبئسْ به مِن ترد وَعِر

وكم ذا أقرتْ فساداً طغى
وبين الأنام سرى وانتشر

وكم سحَرَ الزيفُ تفكيرَها
فظلتْ - بنيرانه - تستعر

وكم تركتْ مِن صلاةٍ بلا
مُسوّغ يجعلها تعتذر

وكم عن أداء الزكاة نهتْ
فهل مثلُ ذلك أمرٌ يُقر؟

وكم عقتِ الوالدين ضحىً
كأنْ قد تساوى عقوقٌ وبر

وكم سامرَ النفسَ أكلُ الربا
وتحريمُهُ واضحٌ مستطر

وكم أهدرتْ حق مَن يُتّموا
كأن حقوقَ اليتامى هدر

وكم زايلتْ صدقها والوفا
وبالكِذب حلّ الأذى والخطر

وكم صامتِ الشهرَ لم تلتزمْ
بأخلاقه رغبة في الأجُر

وكم أنصتتْ – ويحها – للغِنا
وكم أطلقتْ – في النساء – البصر

وكم شَوّهَ الكِبْرُ إحسانها
فصارت – بإفلاسها - تفتخر

وكم سربلً العُجْبُ أخلاقها
فأمستْ – إلى رُشْدها – تفتقر

وكم من شهادة زور أتتْ
فلم تلق – في عيشها – مِن ظفر

وكم قذفتْ مُحصناتٍ ، ولم
تتُبْ حيث باتت بذا تشتهر

وكم أكلتْ مالَ قوم غفوا
وحازتْهُ لمّا اعترتْهم غِرَر

وكم راءتِ الناسَ كي يُخدعوا
ولكنْ بها الفذ لم ينبهر

وكم خانتِ اللهَ لم تحترمْ
عُهوداً كعبدٍ خؤون أشر

وكم درّستْ تبتغي رِفعة
كمُرتزق أجرَهُ ينتظر

وكم كتمتْ عِلمَها ترتجي
تفرّدَها – في الورى – بالنظر

وكم بالقضا خصّها استهزأتْ
وكم سخِرتْ من مَرير القدر

وبالمنّ كم أحبطتْ أجرَها
فبالمن مجدُ الفتى يندحر

وكم لعنتْ مؤمناً قانتاً
كأني بها بُغضَه تدّخِر

وكم صدّقتْ كاهناً مجرماً
يُصَدّقه مَن بربي كفر

وكم قاطعتْ جُلّ أرحامها
كما يفعلُ – اليوم – بعضُ الغجر

وكم بالنميمة دَكتْ عُرَىً
كمثل الحريق ابتدا بالشر

وكم جادلتْ عن أناس عَتوا
وكانوا – على الخلق – مثلَ التتر

كم اغتابتِ القومَ تُزري بهم
وكم مَكرتْ بالتقاة البُدُر

وأدركها الموتُ مُلتاعة
على السوء منها مِراراً صَدر

وجاءت - إلى القبر - مكسورة
وكسْرُ التلاعب لا ينجبر

وصاحبُها أزهُ حالها
فكم أوبقتْ سَمعَهُ والبصر

وكنا جميعاً على إثرهِ
كما يتْبعُ الخطوَ أهلُ الأثر

وظلمة أجداثنا راهنتْ
على عمل طيّب مُبتشر

فما حصّلتْ منه لو ظِلهُ
لتدفعَ عنا البلا والخسر

يميناً ندمْنا على فعلنا
وطالت علينا سِنيُ الضجر

وطال العذابُ ، وزاد الأسى
وطفّ الشقا ، والمرارُ استمر

ظننا الحياة تطولُ بنا
لنصلح قبل فوات العُمُر

لكي نستعد للقيا الفنا
لكي لا نرى – في القبور - الكدر

ولكنّ نجمَ الأماني خبا
وأرهقَ كل الوجوه القتر

فيا سائلي عن ضنا حالنا
بُلِينا بحال فظيع عَسِر

فخذ عِبرة مِن أناس شقوا
يكنْ لك - في شأننا - مُزدجر

وسددْ وقاربْ ، وكن واعياً
ووحدْ إلهك ، واتلُ السور

وتابعْ نبيَك مسترشداً
فأنت – إلى هديه - مفتقر

وأصلحْ ، ولا تصطحبْ من غوى
فعيشُ الغويّ كعيش الحُمُر

وزهرة عُمْرك ضاعت سُدىً
ومهما يطلْ يخترمْهُ القِصَر

أفيقوا - إلى رُشْدكم - أهلنا
لكي تتركوا طيباتِ السِيَر

وهيا استقيموا كما ربُكم
بآياته – في الكتاب - أمر

أنيبوا إلى الله كي تُفلحوا
وفيما أتيتم أعيدوا النظر

وصيتنا هذه دُرة
فهل تقدُرون ثمينَ الدُرَر؟

وموتُ الفتى قادمٌ فجأة
فهل منه سوف يُولي الدُبُر؟

وتأتي الملائكُ مأمورة
بأن تنزع الروح مِن مُحتضر

ليُصبح بعدُ حديثَ الورى
وأقصوصة دق فيها الخبر

فيا رب سلمْ من المنتهى
وزحزحْ تقاة الورى عن سَقر

وأدخِلْ جنانك أهلَ التقى
لتُسعدهم رؤية المقتدر

© 2024 - موقع الشعر