بورك الشاعر

لـ حامد حسن معروف، ، في الرثاء، 1

بورك الشاعر - حامد حسن معروف

شيَّعَ اللَّحنَ النَّغيمَ الوتَرُ
وجفا حتى النديَّ السَّمرُ
 
و خلتْ دارُ الثريَّا بعدَما
ترك التَّشبيبَ فيها عُمرُ
 
غرِدٌ من عبقرٍ غنَّى. لنا
و استعادتهُ إليها عبقرُ
 
ضلَّ عنّي قدرٌ يرصُدني
وسعى قلبي إليهِ القدرُ
 
أين من سمعي، وعيني طلعةٌ
يغرق السمعُ بها، والنَّظرُ؟
 
يا أبا معن ٍ وكم من ليلةٍ
أنا فيها ساهر، والقمرُ
 
غادر الدُّنيا لداتي زُمراً
وغداً تقفو خُطَاهَا زُمَرُ
 
فهمُ في كلِ سمعٍ نَبَأٌ
وعلى كلِّ لسانٍ خبَرُ !
 
هل تبقَّى لي على العاصي ومنْ
نُعمَياتِ الأمس إلا الذِّكرُ ؟
 
أينَ آثارُ خُطانا عندَه
ضاعت العينُ فضاعَ الأثرُ ؟
 
أيُّها العابرُ دنیا تعبٍ
ليتَ أنّي كنتُ ممَّن عبروا
 
إنْ تجاوزتَ عيوني صورةً
لكَ في أعماقِ قلبي صُورُ
 
تتهادى في جفوني حُلُماً
كلُّ ما فيهِ نديٌّ عطِرُ
 
نحنُ ما نحنُ؟ لسَانٌ لهجٌ
بالقوافي، وخیالُ سَفَرُ
 
وشراعٌ في خضَّمِ هادرٍ
أظلمت شطآنُه والجزُرُ
 
يردِمُ الشِّعرُ أحافيرَ الأسى
في حنايانا، وتبقى حُفَرُ
 
كَبُرَ الشِّعرُ؟! وهل يرقى إلى
كبرياءِ الشِّعر من لا يشعرُ؟
 
تشهقُ التلَّةُ، تبکي كلَّما
"عندل" البومُ بها والقُبَّرُ
 
وحيُ هذا الشِّعرِ موقوفٌ علی
نَفَرٍ، ثمَّ ادَّعاه نَفَرُ
 
إن تغنَّيتَ بهِ محفلٍ
صفقَ النادي، ومادَ المِنبَرُ
 
أو شَدَاه عاملٌ، أو زارعٌ
كَّبرَ الحقلُ، وصلّى البيدرُ
 
لم نقل: هذا جديدٌ، إنَّهُ
فوق هذا...إنَّه المبتكَرُ
 
غردٌ من عبقرٍ غنّى لنا
واستعادته إليها عبقرُ
 
أنت، والصُّب نديٌّ، والضُّحى
والقوافي موعدٌ منتظَرُ
 
ودُعاباً كلَّما أرسلته
حدثَّ الغُيَّبَ عنه الحضَّرُ
 
یکرعُ النَّاسُ حميَّاهُ، وما
شبعَ النَّاسُ، ولكن سكروا
 
بوركَ الشاعرُ لو أنصفَه
قومُه ... قالوا: ملاكٌ بشرُ
 
أولا يكفيهمُ أنَّهمُ
حصدُه کرمةً، واعتصروا؟!
 
كلما أمعن في إيقاظهمْ
سخروا منه، وقالوا: خَطرُ
 
وإذا عرّاهمُ من زيفهمْ
صار ممَّن ألحدُوا، أو كفروا
 
وإذا أخطأ زيدٌ منهمُ
فالخطايا كلَّها تُغتفَرُ
 
يا أبا معنٍ أنا من نفرٍ
تاجروا بالحرف ... لكن خسِروا
 
لم يَعُدْ شعري وهيجاً بعدما
عبثَ الشيبُ به والكبرُ
 
أيّ نُعمى أتوخاها وقد
ثقلَ السمعُ، وخفَّ البصرُ؟؟
 
أيُّ دربٍ يهنأ السَّاعي بها
والأفاعي ملؤهَا، والحذرُ ؟؟
 
كيف أمضي مطمئنّاً، وأنا
حَمَلٌ يرصدُ دربي نَمِرُ ؟؟
فأنا صوتٌ خفيتٌ هامسٌ
و يدٌ رجفی ، و قلبٌ حَجَرُ ؟؟
 
وجفونٌ إن تنادت للكرى
عربدَ الشوكُ بها ، والسَّهَرُ ؟
 
فإذا ضاقَ بياني أوكَبا
أو تأبَّى ، فأنا اعتذرُ
 
أيُّها العابرُ دنيا تعبٍ
ليت أنّي كنتُ ممن عَبَروا
 
إن تجاوزتَ عيوني صورةً
لكَ في أعماقِ قلبي صُوَرُ
 
غردٌ من عبقرٍ غنَّى لنا
و استعادته إليها عبقرُ
© 2024 - موقع الشعر