ما رمد الجمر في قومي - حامد حسن معروف

مضى، وخبَّأهُ في صدرهِ الأبدُ
وغصَّ باللَّحنِ والأغرودةِ الغرِدُ
 
وعاشَ کالحقِّ منسيّاً ومضطهداً
ومرَّ كالطَّيفِ لم يشعرْ به أحدُ
 
عبرتَ کالظِّلِّ لمْ يعلقْ به دنسٌ
وعشتَ كالنُّورِ لا حقدٌ، ولا حسدُ
 
مات الأبيُّ، فكان الموتُ مولدَه
منْ ظنَّ؟ من قال : إنَّ الموت لا يلدُ؟
 
"وصفي" ! وفي الكأسِ بعضُ الخمر أغفلها
صحبي، تلحُّ .. تناديني .. ولا أردُ!!
 
غدٌ!! وأيُّ غدٍ ترجی؟! وما حبلتْ
إلّا بأطيافِ آلامِ الحياة غدُ؟
 
حملتَ في روحكَ الدُّنيا، فلا عجبٌ
إذا اشتكى عبءَ ما حمَّلته الجسدُ
 
لأنتَ في خاطري رفُّ الطيوبِ،وفي
قلبي، وناظرتيَّ الجنَّةُ الرَّغدُ
 
الملهمون مضوا .. إلا أقلَّهُم
بعضٌ يحثُّ الخُطا، والبعضُ يتَّئِدُ
 
رفُّوا بأطيافهم جفنيَّ وانكفأوا
وأيقظوا من حنينِ القلبِ، وابتعدوا
 
عاشوا مع الطِّيبِ والذِّكرى على كبدي
وخالطوا ألق العينين .. واتَّحدوا
 
تأنَّق النَّاسُ في إيذائهم ، وهم
لا يحقدون ... ومعذورون إن حقدوا
 
هذي السَّماءُ، وفيها كُلُّ سابحةٍ
والبدر منطفيءً حيناً، ومتَّقدَ
 
كأنَّما وشَّحُوها من خيالهم
أو أنَّهم زرعوها بعض ما اعتقدوا
 
الخالدونَ، ولولا أنَّهمْ جرعوا
حميمَ طاغيةِ الآلام ما خلدوا
 
أنزلتُهم من ضميري في سريرتهِ
كأنَّهمْ في دمي سرٌّ، ومعتقدُ
 
وصفي! وإنْ عشتَ مصلوباً، فما صُلِبتْ
روحُ الأبيِّ، ولكنْ يُصلَبُ الجسدُ
 
تلَّفتَ الجرح لفت الاختيال ، وما
هدْهدْتَهُ، فازدهاهُ الكِبرُ والصَّيَدُ
 
طاف اللِّداتُ الحزاني في ثرى جدثٍ
یکادُ -والفجرُ مقبورٌ به – يقدُ
 
يدٌ تهيلُ عليكَ الغارَ مترفةٌ
وتمسحُ القبرَ، تلهو بالصَّباحِ يدُ
 
ويسجدون .. ولولا ما تركتَ لهم
في الشِّعر من كبرياءِ الله ما سجدوا
 
والشِّعرُ .. والشِّعرُ كرمُ الله دئَّسهُ
وعاثَ يعبثُ فيه الثَّعلبُ الولدُ
 
کنوزُهُ نهبُ أيدينا، نبعثرُ ما
شاء الهوى، ننتقي ما طابَ، ننتقدُ
 
ينهلُّ كالغيثِ، يبقى في مساكبه
ما ينفعُ النَّاسَ .. لكن يذهبُ الزَّبدُ
 
جلوتُ طيفكَ في جفني، وفي كبدي
فانعم بما تشتهي ، یا جفنُ، یا کبدُ
 
النَّارجِيْلةُ .. عذراءُ النَّديِّ ، إذا
واعدتها أنجزتْ ... أنجزتَ ما تعدُ
 
کلاکما نهِمٌ ، يمتصُّ صاحبَهُ
ويرسلُ الزَّفرةَ الحرَّى، ويرتعدُ
 
أعطيتها من شباب العمرِ أهنأهُ
تشكو لها، وإليها كلَّ ما تجدُ
 
كأنَّها من بغيَّات الزَّمانِ، إذا
قبَّلتها قهقهتْ، والحفلُ محتشدُ
 
وربَّما حبست أنفاسها حرداً
والغيدُ أكذبُ ما في طبعها الحردُ
 
يلوحُ وجهك من خلفِ الدُّخانِ، كما
يلوحُ خلف شفيفِ الغيمةِ الرَّأدُ
 
أيقظتَ غافية الذكرى ، فطالعني
عهد نديٌ وعيشٌ مترفٌ وَدِدُ
 
ما رفَّ، ما عَّطر الدنيا ، ولونَّها
إلَّا وكان له من مقلتي رصَدُ
 
واليوم نفّضتْ طيفَ الأمنسِ عن هُدبي
واستوطن السُّهدُ في جفنيّ والرَّمد
 
ما رمَّد الجمرُ في قومي، أما انتفضوا
بالأمس ، فاتَّقد الجولانُ، واتَّقدوا؟
 
لا ينهدون إلى غير العظيمِ، فإن
تنهَّدَ الغيظُ في صدرِ اللَّظى نهدوا
 
العاصبون جديلات اللّهيبِ علی
فجرِ الجراحِ استلانوا . الجمرَ، واقتعدوا
 
لا يستحمُّون إلّا بالحميم، فإنْ
ثار الجحيمُ استحمُّوا الجمر، وابتردوا
 
هُمْ واعدوا زهو غارِ الفتح هامَهمُ
وجاء يستنجزُ التَّاريخُ ما وعدوا
 
بالأمسِ قامِ "صلاحُ الدِّين" في بردی
واليومَ في غوطتيهِ ينهدُ "الأسدُ"
© 2024 - موقع الشعر