مشيت في الجمر - حامد حسن معروف

أغنيتَ بالأدبِ التَّاريخ والأدبا
یا ساكب الشِّعر ندیاناً و مُلتهبا
 
مشيتَ في الجمرِ مختاراً إلى هدفٍ
مقدَّسٍ، واحتقرتَ الجاهَ والذَّهبا
 
وعشتَ للحقِّ لا ترضی به بدلاً
من عاش للحقِّ عاش العمرَ مغتربا
 
فکرٌ تجاوزَ آفاقَ المدى سَعَةً
يستقريءُ الدِّينَ والإنسانَ والحِقَبا
 
لولا العقيدةُ لم تحلُ الحياةُ ولا
هفا إلى الله قلبٌ واجدٌ وَ صَبَا
 
شربتَ سلسلها والنَّاسُ تطلُبهُ
وليس من طلبَ السُّقيا كمن شربا
 
أعطيتَها كلَّ شيءٍ في الحياةِ ولا
ترضي جزاءً، وتلقى اللهَ مُحتسبا
 
أعطيتها والكريمُ السَّمحُ إن وهبتْ
كفَاهُ أنكرَ ما أعطى وما وَهَبا
 
"عبدَ الكريمِ"، ولا لومٌ عليَّ إذا
أمطرتُ كلَّ حبیبٍ فاتني عتَبا
 
تناهبْتمْ يدُ الأقدارِ وارتَحلوا
وغادروني وجيعَ الرُّوح مُكتئبا
 
مبعثَرون علی هامِ الذُّرا شُهُبا
كيف استباحَ السَّنا من بَعثَر الشُّهُبا؟
 
ما بادَهَ القلبَ من أنبائِهم خبرٌ
إلا تململَ جنبيَّ واضطربا
 
غمَّستَ بالحزن قلبي بالحزن فاستضاءَ وقد
أدركتُ سرَّ ارتياح النَّفس والسَّببا
 
أنزلتُ كلَّ هموم النَّاس في كبدي
فعربد الحزنُ فيها وانتهى طرَبا
 
نام الحزانَى على قلبي فأدفأهمْ
حبَّاً، وكان الرَّحيم المشفق الحدبا
 
حملت في أصغريك "الضَّاد" من صغر
يا خير من كتب الفصحى ومن خطبا
 
نحنُ الذينَ سقينا كلَّ وارفةٍ
دماً على غير وهج الحرف ما انسكبا
 
والشعرُ أبقى على الدُّنيا وكانَ لهُ
كِبْرَ الزَّمانِ، وحيَّا ، وانحنَى أدَبا
 
فكلُّ عذبٍ سوى معسولِ كَوْثرهِ
ما ساغ في شفتي طعما ولا عَذُبا
 
تمرَّغَ الدَّهرُ في أعتابهِ، وجَثا
مُسترحماً، فمسحنا خدَّه التَّرِبا
 
إذا الجمالُ أدارَ الكأسَ مُترعةً
للشَّاربينَ طفونا فوقها حَبَبا
 
إنّا ليُضحكُنا مُستنسرٌ حَدَثٌ
من "البُغاث" اذا ما ما صاحَ أو ركبا
 
لا سيفه من حديدٍ لا ، ولا خشبٍ
لا تُخجِلوا عند ذكري سيفهُ الخشبا
 
صدورنا لجراح المجد مزرعةٌ
ولا نُدلُّ با تیهاً، ولا عجبا
 
أمَّا صدورهمُ أما نُحورُهُمُ
قد أمرعتْ صحّةً واعشوشبت زغبا
 
قالوا : العروبةُ والتَّاريخُ، قلتُ لهم :
نورٌ تألَّق يوماً واحداً، وخبا
 
تناکرَتْ نسباً لما اغتدتُ عُصَباً
وصار كلُّ خلافٍ بينها نسبا
 
لم يعرف الناس ما "قیسٌ" وما "یَمَنٌ"
إلا إذا اختلفا رأياً أو احتربا
 
فما سمعتُ بقومٍ هانَ عزُّهمْ
وضيَّعوا الحقَّ إلا خلتُهُمْ عربا
 
يا أمَّةً عَقِمت أرحامُها، وغدت
سَفيَّةَ الضرعِ، لا مرياً ولا حلبا
 
صلبتِ کلَّ نبيٍ دون غايتهِ
ورُحتِ تبكينه من بعد ما صُلبا
 
هذا الرَّبيعُ، وهذا الفجرُ منسكبٌ
للهِ ما نمنَماً، للهِ ما سكبا!!
 
تزَّودا من ثرى "حمِّينَ" طیبهما
واستودعا في ثراها كلَّ ما احتقبا
 
کانت -وما برحت- ظلا و لألأةً
ومربعاً خَضِلاً، أو مرتعاً خَصِبا
 
فيها البيانُ وفيها الدِّينُ يرفدُهُ
علمُ (الكتاب) وفيها خيرُ من كتبا
 
أنا مدينٌ لها في ما أدلُّ به
واللهُ يشهدُ لا زُلفى، ولا كذبا....
 
زرعتُها ألفَ نیسانٍ وعندلةٍ
واليومَ أزرعُها الآهاتِ والتَّعبا
 
لم يوقدِ الدَّهرُ ناراً في مرابِعِها
إلَّا وكان لها من مُهجتي حَطَبا
 
یا حارسَ الكرمِ - كرمِ الله - في بردی
إلامَ يأكلُ هذا الثَّعلبُ العِنَبا؟؟
 
أطلعْ سراياكَ إعصاراً وصاعقةً
تعيدُ للمجدِ - مجدِ الأمسِ - ما ذهبا
 
لونازلتْ في ميادينِ اللَّظى قَدَراً
وأرسلتْ في المدى إيماءةً هربا
 
لها مع النَّصرِ میعادٌ وملحمةٌ
غداً اذا اتَّقد ( الجولانُ ) والتهبا
 
في كلِّ شبرٍ ضريجٌ من مدارجهِ
وكلِّ حبَّةِ رملٍ تزرعُ الغضبا
 
بالأمسِ مدَّت إلی ( صِنّينَ ) قبضتَها
فاعتمَّ ( صِنّينُ ) باليحمومِ واعتصبا
 
أوسعت (صنّين) تقبيلاً کأنَّ بهِ
في كلِّ حفنةِ ثلجٍ صبوةً وصِبَا
 
"عبدَ الكريمِ" ولا لومٌ عليَّ إذا
أمطرتُ كلَّ حبيبٍ فاتني عَتَبا
 
هذا خيالُكَ في حالي مَتارفهِ
جازَ النُّجومَ مدىً، واقتادها لُعَبا
 
لو رفَّ في كلِّ قلبٍ يائسٍ هدرتْ
فيه الأماني، وجُرحٍ هامدٍ وثَبا
 
يا ليتهُ عادني ليلاً وهامسني
كما يهامسُ طيفُ الْمِروَدِ الهُدُبا
 
عَمَّدتُ بالنُّور قلبي كي يحُلَّ بهِ
فراحَ يُمعِنُ في إدلالهِ... وأبَى
 
أطعمتُهُ نومَ أجفاني لِينزِلَها
فما ارتضاها، ولا دانى، ولا اقتربا
 
لا زال قبرُك من سَكْبِ الضِّياءِ ومن
سَكْبِ العبير نديَّ التُّربَ مُختَضِبَا
© 2024 - موقع الشعر