همسة عتاب باكية! (خببوها فذكّرها) - أحمد علي سليمان

يا دارَ (لبنى) بالمُخيّم سَلّمي
واستبعدي غرق السفينة ، واسْلمي

وتذكّري (شربينَ) أيامَ الهنا
و(الألفَ) تسطع في بريق الأنجم

وبكَفر سعدٍ ذكرياتٌ تشتهى
وخواطرٌ بالحب كانت تستمي

وعلى ضفاف النيل كم سرنا معاً
وحبورُنا - فوق المزارع - يرتمي

والماءُ فياضٌ على شُطآنه
والخضرة النشوى تثير تبسّمي

والطيرُ تشدو في الفضاء مَشُوقة
وتطيلُ شقشقة المُحِب المُغرم

وجداولُ الماء الضحوك عطيرة
وحلاوة القطرات منه كزمزم

وحمائمُ الدوح المنغمة الصدى
أمست تغني مثل كل مُتَيم

أما السواقي والفحولُ تديرُها
فرجيعُ صوت غِنائها كالملهم

تروي الحقول بَعيدَها وقَريبَها
وتعمّها بالماء خير المغنم

والنحلُ يمتص الرحيق مُسبّحاً
ومعظماً وممجداً للمُنعم

وشذى الورود بكل أنفٍ فائحٌ
يُزجي الشِفا ، ويفوقُ أنفع بلسم

يا دار (لبنى) إن حكمتِ فاسجحي
وتذكّري العهدَ الذي لكِ ينتمي

فلقد خططتِ شروطه وبنوده
حباً ، وما أهملتِ مِن متردَّم

لمَ تغدرين؟ وأنت أجدرُ بالوفا
صدقاً أقول ، ولستُ بالمتوهم

لمَ تخلفين الوعدَ أنتِ قطعته؟
أم تجهلين بما له من مأثم؟

لمَ تكذبين ، وكنتِ أول صادق؟
والصدقُ يزْكِي عزة المتكلم

ولمَ الخصامُ يزيل صفو ودادنا
ويُحيلُ طعمَ العيش مثلَ العلقم؟

ولمَ الخيانة للأمانة بيننا؟
والظلمُ يُزري بالتقيّ المسلم

يا دارُ ما قصّرتُ في حق الورى
فلم التذرع بالنفاق المبرم؟

يا دارُ أكبرتُ الجميعَ ، فلامَني
رهْط عن الأخلاق والتقوى عمي

وبذلتُ خيراً لا حُدودَ لوصفه
وندمتُ ، هل تجدي سُويعة مندم؟

وتحمّلَ القلبُ الكثيرَ من الأسي
والعيشُ أضحى مثلَ لغز مُبهم

وطفقتُ أجترّ المَرارَ تكلفاً
وألوكُ كيدَ الشامتين اللوّم

وأرَجّع التفعيل مكروبَ الرؤى
ومَن الذي يُصغي لدمع تحمحُمي

وسلي إذا شئتِ انكسارَ مشاعري
وعواطفاً في وخزها لم ترحم

وسلي الأحاسيسَ التي قد جندلتْ
حُزناً على هذا المصاب المؤلم

وسلي ضمير الحب خمّشه الجوى
فشكا الحبيبَ بلوعةٍ وتلوّم

وسلي دروب الحب تعتب في شجىً
وتعففي في الموقف المتأزم

يا دار (لبنى) واسالي مَن أحرقوا
قلبين بالدّسّ البغيض المُجرم

مَن حطموا حباً تعاظم شأنه
وله بدنيا الناس لم يكُ مِن سَمي

مَن أوجدوا شبح الطلاق ليغنموا
ولكي يعيش الزوجُ عيش المُعْدِم

مَن أفسدوا بين الحليل وزوجه
والأمر أدركه الذي لم يفهم

مَن أوقدوا ناراً لبيت وادع
حتى غدا كالمنزل المتفحم

مَن أيقظوا ظلماً دواعيَ فتنة
طعنوا بها أرجَ الوداد بمِخذم

مَن جرّعوا الأبرار سُم نفاقهم
مَن شوّهوا بالجور أجمل بُرعم

مَن خالفوا ديناً إليه تحاكموا
وتنكّبوا آي الكتاب المُحكم

مَن عندما قد جودلوا طرحوا الحيا
واستسخروا بتخرّص وتهكم

مَن يحملون لكل شهم حربة
وإذا استطاعوا جاهروا بالصمصم

مَن يجعلون جزا الجميل تنكراً
مَن دَورُهم في الناس كابن العلقمي

مَن ظنهم بالخلق ظنٌ سيءٌ
شتان بين تحقق وتوهم

مَن سعيُهم مِن أجل دنيا زينتْ
مَن كدُّهم مِن أجل نيل الدرهم

مَن غدرُهم فوق الرؤوس إشارة
والغدرُ أقبحُ ما يُرى من ديلم

من قد سبرتُ غرورهم وزيوفهم
مَن بُغضُهم مَلءُ السرائر والدم

من ينصِبون ليَ الشباك تشفياً
مَن كمموا بلظى تعنتهم فمي

من أشمتوا فيَّ الأعادي غيلة
حتى غدوتُ فريسة للوم

بيني وبينهمُ المليكُ محاسِباً
كُلاً ، وفي يوم عسير أيوم

يا دار (لبنى) قد عتبتُ ، فأنصتي
وعن البريء فدافعي ، وتكلمي

أنا ثابت رغم الخطوب ومن طغى
وإلى الرحيم شكوت مُرّ تألمي

والخيرُ أبقى عند ربك دائماً
شتان بين مؤخر خيراً وبين مقدم

لم أنسحبْ من حربهم متململاً
أنا لست بالمُتحرج المُتلعثم

بل قد جهرتُ بحجتي وقضيتي
واجتزتُ بحراً من جحيم مضرم

دافعتُ عن نفسي ، ولم أكُ كاذباً
وبرغم كل مخادع متجهم

ولفظتُ من قلبي الجريح أدلة
لتكون في ساح القضا كالمَعلم

وحدي انطلقتُ ، ولم أكنْ متخوفاً
وبرغم ليل في الكريهة حُلكُم

وحدي تحديتُ الألى لم يُذعنوا
للحق ، والإقناعَ لم أتوسّم

وحدي فجَرتُ دغاولاً كم أزمنتْ
والأمرُ أكبرُ من مجرّد مَرهم

سَرطانُها أضحى يُكدِّر صفونا
وبقاؤها يُفضِي لجسر جهنم

وحدي تحمّلتُ العذابَ منافحاً
عما أدين به كمثل الضيغم

لم أرض في ديني الدنية لحظة
وبرغم تكديري بلسع الأرقم

وحدي قهرتُ جموعَهم وفلولَهم
وبرغم غل مُكفهر مُعتم

هي صورة للختل لم أر مثلها
وإن ارتقيت إلى السماء بسُلم

رجلٌ أحبَ ، فعفَ لم يكُ هازلاً
يوماً ، ولم يَعمَد لأي مُحَرم

خبَرَ الحياة ، وكان مِن صُناعها
وله اجتهادٌ بالكِتاب القيم

شهد الجميعُ بعدله وجهاده
وبأنه في الحق ليس بأبكم

بل ينصر الدين الحنيف بخطبةٍ
شرعيةٍ تلقى بلهجة خثعم

والضادُ مركبة تبلّغه المنى
وله لسانٌ فوق ذلك أعجمي

فإذا به يُصلى بلعنة جهلكم
هذا ابتلاءٌ فوق طاقة مرقمي

والشعر يَعجز أن يصور كيدكم
لولا مصارعة الأسى لم أنظم

فلقد سخرتم من قريضي سخطة
والشعرُ يا جُهال ليس بطِلسم

هو عُدتي في حربكم ونزالكم
مهما تعاضدتم بكل تشرذم

هو سيفُ عبدٍ ليس يملك غيره
بعد الدعاء عليكمُ بتحلم

وعلى مرور الدهر شعري شاهدي
بلسان عدنان ولهجة جُرهم

هو داحضُ الشبهات قد علقتْ بنا
من حِفنة المُتزيّدين الهُوم

هو غيظ أعداء علينا كم بغوا
والنارُ صبتْ فوق حقد السوم

هو مَن سيروي قصة مكلومة
لولا مواجهة العِدا لم تكْلم

هو من سيصفح عن رموز أشكلتْ
هو من سيكشف كل لغز مُعْجم

هو من سيعطي للعتاب طيوفه
كيلا يراه القوم غير ملوم

يا دار (لبنى) بُحتُ بالسر الذي
منذ افترقنا لم أقله لتعلمي

واللهَ اسألُ أن يُقيلَ عَثارنا
فمَن الذي أدعوه غير المنعم؟

© 2024 - موقع الشعر