في موتها حياة - أحمد علي سليمان

رحيلكِ كان أكربَ ذكرياتي
وأعذبُ ما به ابتدأتْ حياتي

وأغربُ ما رأت عيناي ، إني
أكادُ أضيق ذرعاً بالثبات

وتسقيني الهواجسُ كأسَ وَهْم
فأشربُ ، ثم أمعن في السكات

وتأسرُني الوساوسُ كل حين
لتتركني أسيرَ الترهات

أسائل عنكِ جيراناً وأهلاً
وأسأل عنكِ خيرَ الصاحبات

وأبحث عنكِ في أركان بيتٍ
بكاكِ ، وذاعَ أحلى الذكريات

وألتمسُ الطريقَ إليكِ وحدي
فيُحزنني أليمُ توجّعاتي

وأدخلُ غرفتيكِ أسوقُ دمعي
وأجزعُ مِن عذاب النائبات

واذكرُ مِن شؤونكِ ما أواسي
به نفسي ، وأغرقُ في شَكاتي

وأمسكُ باليراع أصوغ شِعراً
يُعبّر عن مُعاناتي وذاتي

وقِرطاسِي اشتكى مِن فرط وَجدي
وغِيضَ الحِبرُ في جوف الدواة

وأزتني الهمومُ ، فطال حزني
فبتّ أئنّ مِن نبأ الوفاة

أحقاً غُيِّبتْ - في الترْب - فُضلى
وأبّنها ضحىً جمعُ النعاة؟

أحقاً ودّعتنا دون عَودٍ
إلى الدنيا وداعَ الراحلات؟

أحقاً ضمّها - بالرغم - قبرٌ
لتصبح قصة بين الرواة؟

لئن ماتت - وإن الموت حقٌ -
فقد أحيتْ أساطينَ الغفاة

وأيقظتِ الضمائرَ من ركودٍ
وكان التوبُ إحدى المعجزات

فماذا كنتُ قبل رحيل أختي
سوى عبدٍ قلا كل العِظات؟

وعَربدَ مُؤثراً حُب التدني
بلا خجل ، وحب المغريات

وزايل ما يقابلُ من رشادٍ
وأطربَه عَزيفُ الأغنيات

وأفسدَ لم يخَفْ رب البرايا
وأوغلَ في أذى المستنقعات

وناوأ مَن يُناصحُه اغتراراً
وقطع عامداً حبلَ النجاة

ومارسَ كل معصيةٍ وسُوآى
وسامرَه سرابُ المَعصيات

وعاندَ مستجيباً للمَخازي
ولم يجنحْ لذكرٍ أو صلاة

ولم يُسلم لرب اللناس وجهاً
ولم يُنصتْ لأيّة بينات

ولم يعمل بتقوى الله يوماً
ولم يكُ - في الورى - ذا تضحيات

ولم يصحبْ تقياً مستنيراً
ولم يأخذ بآراء الثقات

ولم يقبلْ نصائحَ أي فذٍ
ولكنْ عاش يهوى الأمنيات

إلى أن ماتتِ الفضلى تعنَى
وأدرك بعدَ لأي والتفات

وشيّعها ، ودمعُ العين جارٍ
يُرَجَّع سالفاتِ المَكرُمات

وقلدها المناقبَ والتحايا
وعدّد في الشواهد والصفات

وناولها المكارمَ والتحايا
وأيقن أنها كانت مناراً

وضم إلى الأدلة بينات
كمثل النجم بين النيرات

ولازم دربها حُراً طليقاً
وأمعنَ في الفعال الطيبات

وتاب يريدُ غفرانَ الخطايا
وأوغل في التقى والصالحات

وكان الموتُ – للأحياء - درساً
شديدَ الوقع معتدلَ الوَصاة

فرحمة ربنا أبداً عليها
وإن الله مَولى المؤمنات

© 2024 - موقع الشعر