خِرقة بألف دينار! (قصة المرأة مع داوود) - أحمد علي سليمان

ربكِ الرحمنُ خيرُ الرازقينْ
فلماذا تفتن القلبَ الظنونْ؟

كفل الرزاقُ أرزاقَ الورى
فلماذا الشك يودي باليقين؟

كم يَحارُ المرءُ فيما حوله
مِن أمور الناس هذي أجمعين

فغنيٌ يشتهي أمواله
بلغتْ آلافَ ألفٍ بالمئين

وفقيرٌ يرتجي بعض الغِنى
وله - في ظلمة - الليل أنين

ومُعيلٌ حار في أولاده
فبهم تكويه نيرانُ الديون

وعقيمٌ يبتغي ظل فتىً
أو فتاةٍ ، باذلاً أندى الحنين

وعليمٌ بات يدعو مخلصاً
لسَنا التقوى بعِلم مُستبين

وجهولٌ ليس يدري آية
مِن ضِيا القرآن أوحاها الأمين

جاءتِ المرأة تشكو ربّها
وبها - في معرض الشكوى - جُنون

تصفُ المولى بظلم ، يا لهُ
مِن سؤال يُذهب الحِلمَ الرزين

قلتُ: كلا ، إن ربي عادلٌ
جلّ شأنُ الله مولانا المتين

أحسني القول ، ولا تستهتري
وارجمي - بالذكر - إبليسَ اللعين

واذكري القصة قادتكِ إلى
قبح ظن ظاهر السوآى مُشين

قالتِ المرأة: زوجي قد ثوى
بعد سُقم دام ردحاً مِن سِنين

عن بُنَياتٍ ثلاثٍ ، ما لنا
بعد زوجي غيرُ ربي مِن مُعين

كُنّ شغلي ، وحياتي ، والدنا
ومِلاك الأمر ، والركنَ الركين

فتأيمتُ لئلا أبتلى
بحليل فاقدِ التقوى غبين

لم يكن عندي غلامٌ يافعٌ
يجعلُ البيت كما الحِصن الحَصين

وأنا أحصنتُ فرجي ، ليس لي
بين أهل الأرض مِن خل خدين

فاحترفتُ الغزْلَ في بيتي الذي
مِن لظى الحاجة أمسى يستكين

وشددتُ الغزل في كِيس له
خِرقة حمراء كيلا يستبين

أنتوي بيعاً له في السوق كي
يُشترى - بالمال - مأكولُ البطون

فإذا بالطير ينقضّ على
خِرقتي والغزل في لحظ العيون

ثم يعلو في السما مستأثراً
بالذي حاز ، وأمسى لا يبين

وأنا الأحزانُ طالت همّتي
ودهتني - بعواديها - الفتون

ليس عندي ما يُداوي جُوعنا
وبقايا الأكل ليست في الصحون

يا نبي الله: هذي قصّتي
بعضُ ما نلقاه مِن ريب المَنون

أي عدل يُجتنى فيما ترى
إنه الجَوْرُ ، وأعطيك اليمين

فإذا بالباب يعلو طرقه
قال (داود): ادخلوا يا قادمون

عشرة كانوا ، وكلٌّ تاجرٌ
نذروا - لله - نذرَ الصالحين

مئة مِن كل فردٍ ناذر
للمساكين إذا ينجو السَّفين

كان - في البحر - مُعافىً سالماً
ثم شجّت سِلمَه الريحُ السّفون

فإذا بالكل يُمسي حائراً
إذ غدا المركبُ كالبئر الشطون

ودعا الكلُ رحيماً راحماً
عندما الأحزانُ طمّت والشجون

رَحِماً - كانت لغزل – كالجنين
فإذا بالطير يُلقي خِرقة

أصلحتْ عيباً ، وأنجتْ أنفساً
إنه تدبيرُ ربّ العالمين

وإذا الألفُ لأمٍ أتقنتْ
غزلها ، واستخدمتْ شتى الفنون

لم تكنْ تحلمُ بالخير الذي
ساقه المَنان خيرُ الرازقين

حكمة الله ورا أقداره
وقضاءُ الله بالخير ضمِين

قد نرى أمراً فظيعاً منكراً
في ثناياه انطوى الخيرُ الدفين

ونرى أمراً جميلاً طيباً
فيه شرٌ مستطيرٌ قد يكون

جلّ رب الناس مولانا الذي
قدّر الأقدار خيرُ الخالقين

© 2024 - موقع الشعر