امرأة بألف رجل - أحمد علي سليمان

شِعرُ فاخرْ كل النسا بالعَنودِ
في سَجاياها غنّ عذبَ نشيدِ

أقسمتْ أن لا تستكين لحال
أو عذاباتٍ كالردى ، أو قيود

كابدتْ في العيش البئيس احتساباً
حِرتُ جداً في سَعيها المحمود

كم ترَدّتْ حولَ (العنود) فئامٌ
غيرَ رَهطٍ مِن الكِرام الصِيد

كم تدَنّتْ خلائقٌ ليس تُحصى
وهْيَ كلمى ، تنعى جراحَ الصمود

كم تمادتْ في جدّها والتحدي
دون رُعب يُزجيهِ أشقى العبيد

كم سَعتْ – فوق الشوك – دون اكْتراثٍ
لا تُبالي بالموت مثل الأسود

كم تمنّتْ صلاحَ حال وزوج
والأماني باءتْ بضنكٍ أكيد

كم تعزتْ بالصبر يُضفي عليها
كل حُسْنى مِن خيره المَعهود

سافر الزوجُ ، ثم أوصى وَضيعاً
والوضيعُ لم يرعَ شأن العنود

ما ارعوى للأخلاق تحمي بنيها
مِن سُقوطٍ ما منهُ أي صعود

غازلَ الفضلى كي تذل وتخزى
مُستسيغاً ما اسْطاع من مجهود

لكن العصما ما استجابتْ لنذل
واسْتهانتْ بما تلا من وعيد

خوفتْهه بالله ، لكنْ تمادى
في دروب الغي الرذيل البليد

وافترى لمّا قال: ذِي راودَتْني
ثم راجتْ أكذوبة العِربيد

والأخ انصاعَ ، لم يُكَذبْ حديثاً
قال سِيري في الأرض سَيرَ الشريد

لستِ مني ، ففارقيني مَلِياً
قد علمتِ يا زوجتي مَقصودي

ثم بثتْ لعابدٍ مُشتكاها
قال: فلتهتمي بطفلي الوحيد

ماتتِ الأمُ ، والحنانُ تولى
فامنحي الطفلَ عطفَ أم وَدود

خادمي لم يَمنحْهُ أي حنان
والحنانُ لا يُشترى بالنقود

ثم جاء البلاءُ يسعى حَثِيثاً
عندما شَبّتْ نارُه من جديد

خادمُ الشيخ قال: آخذ حظي
إن خلوتُ يوماً بهذي الخرود

قلتِ كلا ، يا أسْودَ الوجه ، فاغربْ
لستُ نهْباً للبيض أو للسود

لكن العبدُ حاك أخزى افتراءٍ
يا له مِن وَغدٍ حقير مُريد

قتلَ الطفلَ بانتقام مَرير
لهفَ قلبي على الصبيّ الوليد

ثم قال للشيخ: أرْدَتْ غلاماً
والدما سالت مِن زكِيّ وَريد

فارتأى الشيخُ أنْ يُخليْ سبيلاً
للتي حَلتْ دارَه من بعيد

ثم أعطاكِ الأجرَ منه احتساباً
فانطلقتِ بين القرى والبيد

تنشدُين داراً وأهلاً ومالاً
بعد نُجْح لخُطة الرعديد

فإذا تحت السوط عبدٌ يُقاسي
ويحَ عبدٍ مُكَبّل مَصفود

قِيلَ في دينارين هذي الرزايا
قلتِ: فكوا القيودَ ، هذي نقودي

وانتظرتِ حتى يرد جميلاً
مَن تخطفتِ من عذاب شديد

لكن النذلُ خان مَن أنقذتْهُ
وارتضى أن يبيعها بالزهيد

واعتدى القبطانُ السفيهُ عليها
وسْط أوغادٍ غازلوا كالقرود

فاستجارتْ بالله من شر قوم
كيف يشقى من يلتجي للمجيد؟

فإذا بالأمواج تُغرقُ فلكاً
ما نجا فردٌ منه غيرُ العنود

إن هذا إنقاذ رب البرايا
للتي عاشت في حِمى التوحيد

واسْتميتِ في العيش نحو المعالي
عشتِ في قصر مُسْتنيفٍ مَشِيد

ثم أبدِلتِ من حليل سفيهٍ
بحليل ذي صولةٍ صنديد

عاش رَدحاً من الزمان أليفاً
فائزاً - بين الناس - بالتأييد

ثم حانت مَنية وافتراقٌ
والجميعُ عانوا فِراقَ الفقيد

قِيلَ: مَن يحظى بالإمارة فينا؟
قيلَ: هذي ، وبعد جهد جهيد

رَشَحوكِ للحُكم فيهم ، فكانت
دِرعُ أنثى تُقِيمُ بعضَ الحُدود

قدتِ شعباً بالعدل في كل شيئ
ثم جاء الرجالُ خلف الجنود

نالَ كُلٌ جَزاءه دون ظلم
إن هذا فضل الحكيم الحميد

مناسبة القصيدة

(الأصل أن يواجه الرجلُ المحنَ والشدائدَ والصعاب! ولكن عندما تواجهها المرأة الضعيفة ، فلها شأنٌ آخر! لكن هذه المرأة استطاعتْ بفضل الله تعالى ، وما آتاها الله من قوة الشخصية أن تكون بحق خيراً من ألف رجل ورجل! ومن هنا استحقتْ مِنا قصيدة تصفُ صلابتها وبأسها وقوة تحمّلها وعِفتها واستبسالها!حقيقة هي امرأة بألف رجل! حدث أنّ رجلاً تزوج امرأة تُسمّى (العَنود) كانت تعيش في بادية جنوب اليمن! وكانت آية في الجمال ، ومع مرور الأيام اضطر الزوج للسفر طلباً للرزق ، ولكن قبل أن يسافر أراد أن يضع امرأته في أيدٍ أمينة ، لأنه خاف من جلوسها وحدها في البيت ، فهي امرأة لا حول لها ولا قوة إلا بالله! فلم يجد غيرَ أخ له من أمه وأبيه. فذهب إليه وأوصاه على زوجته ، وسافر. ولم ينتبه لحديث الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم : (الحمو الموت)! ومرت الأيام ، وخان هذا الأخ أخاه ، فراود الزوجة عن نفسها ، إلا أن الزوجة أبت أن تهتك عرضها وتخون زوجها! فهددها أخو الزوج بالفضيحة إن لم تطيعه ، فقالت له: افعلْ ما شئت فإن معي ربي! وعندما عاد الرجل من سفره ، قال له أخوه على الفور أن امرأتك راودتْني عن نفسي ، وأرادت خيانتك إلا أنني لم أجبْها! طلق الزوج زوجته من غير أن يتريث ، ولم يستمع للمرأة ، وإنما صدّق أخاه. فانطلقت المرأة .. لا ملجأ لها ولا مأوى. وفي طريقها مرت على بيت رجل عابد زاهد. فطرقت عليه الباب .. وحكت له الحكاية .. فصدقها وطلب منها أن تعمل عنده على رعاية ابنه الصغير مقابل أجر.. فوافقت في يوم من الأيام خرج هذا العابد من المنزل.. فأتى الخادم وراود المرأة عن نفسها ، إلا أنها أبت أن تعصي الله خالقها. وقد نبهنا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم إلى أنه ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما. فهددها الخادم بأنه سينال منها إذا لم تجبه. وعندما جاء العابد قال له الخادم: يا سيدي هذه امرأة سيئة ، فلقد راودتْني عن نفسي! فصدقه العابد ، إلا أنه احتسب الأجر عند الله سبحانه وتعالى. وعفى عنها. وأعطاها دينارين كأجر لها على خدمتها له في هذه المدة ، وأمرها بأن تخرج من المنزل. إلا أنها ظلت على صمودها ، فقام الخادم بقتل الطفل قال تعالى: (والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين).
© 2024 - موقع الشعر