الفجر الضائع! (خماسيات شعرية) - أحمد علي سليمان

تمسكْ صامداً ببزوغ فجرٍ
يسود العدلُ فيه ، ويحتوينا

تشبثْ يا أصيل بكل حق
عسى الرحمن يُردي الظالمينا

فإنا والذي خلق البرايا
تأخرَ فجرُنا في العالمينا

ونارُ الظلم شبّتْ في قرانا
وإن تُخمدْ فخيرٌ يصطفينا

بها الأوباشُ عاشوا بالتشفي
ولو رُدِعوا صفوْنا هانئينا

******************
******************

على بُعدٍ ترى عيني عُجابا
أسوداً زلزلوا ، وغدَوْا ذبابا

وسار الغِر يهذي ، لا يُبالي
وأسيادٌ له طفحوا عذابا

ومال الهر عن آساد صفٍ
وهز الذيل ، واستغشى الضبابا

وأله كل طاغيةٍ كفور
وهزلُ القوم قد بلغ السحابا

وقافلة العقيدة في ثباتٍ
وإن قذف السفيهُ بها الحِرابا

******************
******************

وحرباً لو رفعتُ السيف فيها
تهاوى كل رأس مالَ تِيها

لكم ناشدتهم ، أبغي ائتلافاً
ولكنْ زفرتي مَن يشتريها؟

فجُلُ القوم من حولي لئامٌ
فلم أر - بينهم - شهماً نبيها

وآمالٌ لهم - في الطين - صِدقاً
ويُعلون المُدنس والسفيها

وأحلامٌ بأوحال المَخازي
وأضحى الحق - في الهلكى - كريها

******************
******************

لقد أعطيتهم كل اهتمامي
وما ضنتْ يدايَ بما أمامي

وكم أمتعتهم بقريض قلب
أحالته الخطوبُ إلى حُطام

ولكنْ عذبوا - في النار - روحي
وفتّتْ بسمتي دون انصرام

على الأحرار أن يحْيَوا كِراماً
ومَن بالخير أولى من كرام؟

يُذِل الروحَ أن تحيا بقيدٍ
ويُشجيها قليلٌ من سلام

******************
******************

وظلُ السلم يحرقه عذابي
ونصلُ الجوْر يسلخ كالحِرابِ

غرابُ البين زكّاها ، وولى
وصار العيشُ في قيح السراب

وناحتْ صولتي ، مَن لي بسُكنى؟
وبين الأهل قررتُ اغترابي

ونادى الصوت أن بوركتَ حقاً
وبُحّ الصوتُ من فرط انتحابي

هجرتُ الأهل والأحبابَ لمّا
رأيتُ الكل يحيا كالذئاب

******************
******************

وماذا العيش لو سادت أفاع
تبث السم في كل البقاعِ؟

تميتُ الأخضرَ الرقراقَ حقداً
وتسبي نورَ دربي في ارتياع

أيا مَن بات مسروراً بأفعى
أما ينهد تنينُ الأفاعي؟

تلوكُ السم تحت الناب غيظاً
أرى إبليس عن قرب يُراعي

يناديني: كفى وعظاً ، فمنكم
صِحابي ، صَيحتي ، بل وانطباعي

******************
******************

كفى حقداً ، كفى غِلاً وشكوى
كفى ذبحاً ، كفى قتلاً ونجوى

فبالشكوى تردَّتْ أمنياتٌ
وبالنجوى سفكتم كل سلوى

وبالأحقاد طالتنا الأعادي
وبالأغلال تشدو كل بلوى

أضعنا مجدنا بالتيه عمداً
كأن التيه في الأقوام عدوى

أجلْ عدوى تزخرف كل دعوى
ولا زالت رؤوسُ القوم تهوى

******************
******************

ومَن يُضنيه حزني وانفعالي؟
وجُل الناس عني في تعالي

فلا خلٌ يُعذبه بكائي
ولا صحبٌ تباكوْا لارتحالي

وما كانت صحابي لي عدواً
وما كان الأسى طبعي وحالي

ولكنْ ضِقتُ بالدنيا اصطباراً
وأسألكم: أيطوى ما بدا لي؟

عموماً ذاك ترحالي وحِلي
ولي روحٌ ، وقلبٌ لا يبالي

******************
******************

ألا ينزاح كربي يا رفاقي؟
لقد أودى بآمالي شِقاقي

شقاقٌ شجّه موتُ الضحايا
على أشلائهم بكتِ المآقي

ضحايا دُمّروا من غير حرب
على تدميرهم زاد احتراقي

وفي سهراتهم كم قلتُ رأيي
وفي آذانهم بُح انطلاقي

وتأتي تدّعي يا يأسُ أني
سعيدٌ هانئٌ بعد افتراقي

****************
****************

فمن حزن ومن غيظٍ أعاني
وأوأدُ تحت هذرمة الطِعانِ

ودينُ الله في القرطاس عان
وحزبُ الله - في المنفى - يعاني

وأما بائعاتُ العِرض هزلاً
فراجتْ سوقهن بمهرجان

وقلبي من خليع القوم باكٍ
ويسعى في سراديب الأماني

فما طعمُ الحياة بغير هدي؟
وهل - بالفن - للدنيا معاني؟

******************
******************

وفن الفن ما فيه الفرائدْ
فرائدُه تغطيها المحامدْ

وليس الفنُ رقصاً أو غِناءً
وليس الفن عُرياً في الجرائد

وليس الفنُ تمثيلاً وهزلاً
وحزناً في متاهات الشدائد

وليس الفنُ دُعراً وابتذالاً
قبيحٌ كل هذا ، بل وبائد

وليس العدلُ تكريم البغايا
أرى تهميشهن من الفوائد

******************
******************

وقال القوم: دع عنك التشددْ
وأفصحْ عن مُرادِك ، ثم حددْ

فما طعم الحياة بغير رقص؟
نرى بالفن طعم العيش أرغد

فدع عنك التعصبَ ، كن مليحاً
فما في الدين عُسرٌ أو تشدد

وإن الدين يُسرٌ ، فاتبعنا
وعِشْ معنا ، فليلُ الفن مزبد

فقلتُ: وربّنا خسرَ الخزايا
وأما منهجي فالهَديُ سُودد

******************
******************

ألا والحَولُ زارتنا طقوسُهْ
مُعتقة مُضرّجة كؤوسُهْ

جديدٌ في سُويعات التخفي
قديمٌ يسبق البلوى عُبوسُه

ويبقى الداءُ ما بقي الوباءُ
ويسمو الحق ما بقيتْ شموسُه

وقومٌ يَذبحون العمر عمداً
وكلا لم تغيّرهم دروسُه

وعيدُ الحول فرحُ الدار لمّا
يزول الشر ، أو تُردى رؤوسه

******************
******************

ألا بالهزل عمرُ المرء ضائعْ
وبالمغنى تبلدتِ المسامعْ

وبالدعر انتهتِ شمسُ الأماني
وضوء الحق ولى والشرائع

وما عادت ثمار العلم تجدي
ولا شِعرٌ يُعالج أو يُدافع

وصوتُ الفسق يغزو كل دار
وأسمَوْا كل رجس بالروائع

وعبْر الجهل يعلو كل زيفٍ
وفي الإعراض ألوانُ الفظائع

******************
******************

وفي قومي دياجيرٌ عتية
وأصنافٌ من الهلكى عيية

يريد الزورُ ضربَ الهَدي ، لكنْ
بحرب ليس فيها بندقية

أعاد القوم بالتقليد نهجاً
بدولتهم دعاوى الجاهلية

فضاعوا في مهاوي الزيف دهراً
وضلوا في مآسي المذهبية

وأربابُ الخنا ربحوا كثيراً
وقومٌ بالخنا راحوا ضحية

******************
******************

كعصفور رأتْ عيني مُعنى
وأنّ السربُ للخل المُعنى

على ماذا بكتْ ألماً طيوري
وكان السربُ من نجم مُدَنى

ويعلو السربُ في الجوزاء حيناً
وللعلياء – في الدنيا - تمنى

إذنْ للفرح يسعى كل طير
ولو للزاد يحيا ما تغنى

ولكنْ زادُه حَبٌ وحُبٌ
فما هزلَ المُكافح أو تجنى

******************
******************

كذاك نخيلنا – في الدار - ناجتْ
قلوباً من قديم الدهر ماتتْ

هنا الآفاق ترمي كل صخر
له الأكمامُ ذلتْ واستكانت

فيُلقي النخل للأوباش تمراً
فواعجباً نرى الآي استبانت

وما عقلٌ تفكّر أو تغذى
على حين ترى البطن استجارت

فيا قومي اعقلوا ، لا تظلموني
أرى أشياعنا في الجهل نامت

******************
******************

شخوصٌ – في هزيع الليل - تسرقْ
وأبدانٌ – من الأوزار - تعرقْ

ولا غِرٌ يُحِس بطعم حِل
ولا عين ترى الأوضاع تشرق

ففي وضح النهار هنا ظلامٌ
وجيلٌ – في حضيض الأرض - يغرق

فلا يدري – عن التوحيد - شيئاً
وبالدنيا البغيضة قد تعلق

وأمسى يشرب السوآى كؤوساً
وربي إن هذا الجيل أحمق

******************
******************

وتركُ الهدي قد هز المشاعرْ
وفاض الدمع في كل المحاجرْ

فإن الدين شمسُ الكون حقاً
ودينُ الله لا يُعطاه فاجر

إذا لم تخش في الإسلام رباً
فمن تخشى إذن في الكون آخر؟

أتخشى مَن يلوك الدين حقداً
أتغرق في مجاهيل الكبائر؟

ألا أبصرْ شبابُك قد تمضى
فماذا بعدُ يا هذا المسافر؟

******************
******************

ولمّا قلتُ: كلا ، قيل: أذنبْ
أيؤذى الحُر في قول مهذب؟

فواعجباً يموت الحق ظلماً
ويحيا الزور فيهم ، ويُقرّب

ولما جنّ ليلي قلتُ: صبراً
على الحرمان يا قلبي المعذب

لماذا لا تحاولُ يا فؤادي؟
عجيبٌ ، بل وردّ السؤل أعجب

رأيتك قد وعظت القوم عصراً
وليلاً أنت بالتقوى محبب

******************
******************

وعم الجورُ أرحاب الجزيرة
ومد الهزلُ أنياباً مريرة

ومن عجب ترى الشيطان يعلو
ومات الصوت في النفس الحسيرة

على التوحيد حزناً صغتُ شعري
وعم الروع روحي والسريرة

ومِن ظلم الورى يبكي قريضي
بكاءَ الشوق بالعين الضريرة

إلى الإيمان شوقي وانتحابي
فذاتي دونه ذاتٌ فقيرة

******************
******************

ألا بالصبر عزاني فؤادي
وقاني الصبر من سوء اعتقادي

ومثلي لا تلين له قناة
فوحي الله منهاجي وزادي

فغامرْ ما استطعت أيا عدوي
وأشعلْ جام حربك في البوادي

فإني - بالهداية - لن أداجي
وإسلامي أبى هجرَ الرشاد

وإن أهزمْ فلي ربٌ نصيرٌ
وبالجبار أعلنتُ التحادي

******************
******************

ختاماً تلك عُقبى من تصبرْ
وإنْ يوماً غفلنا سوف نقبرْ

فأصلحْ ما استطعت ، فأنت ماض
وإن الله مولى مَن تبصّر

حياة القبر والأموات أعتى
عذابُ الله في الأخرى مسطر

هناك الجسم لا يطوى فيفنى
ولكنْ في عذاب ، في تحسّر

جَزاءُ الخير خيرٌ ، فاتبعني
وفوق الكل علامٌ يُدبّر

© 2024 - موقع الشعر