أنا والسر الضائع - فدوى طوقان

ما زلت والدرب بعيد طويل
أبحث في المجهول عبر الزمان
عن ضائع أبحث، عن سر
ظننته أنأى من المستحيل
ما انفك يجري خلفه عمري
وهو وراء الغيب في لا مكان
كان دعاني صوته المفعم
والعمر فجرٌ والصِّبا برعم
ولم يزل يعمر قلبي صداه
عذباً، قوياً، فائراً كالحياه
مستغلقاً، كأنه طلسم
ولم أزل أبحث عنه سدى
في ألف وجه من وجوه الحياه
في الليل، في الاعصار، في الانجم
وهو يناديني وينأى مداه
ولم أزل أبحث حتى رمى
بي اليأس في ظلامه المعتم
وسرت والأيام أمشي إلى
لا غاية، لا مأمل، لا رجاء
وسرت شيئاً ميّت الروح لا
أبحث عن شيء،
وفي نفسي
ثلج وليل، ووطأة اليأس
تخنق في نفسي بقايا النداء
وكان يوم، كان صبح رطيب
فتحت عيني على ضوئه
وخلف أجفاني حلمٌ قريب:
وجه أليف ومكان غريب
تفتّحت روحي في فيئه
وثلج قلبي ذات في دفئه
فتحت عينيّ وكان النهار
صافي المجالي ضاحك الشمس
وكان بي حسّ خفي الدبيب
توقعٌ مستبهم، وانتظار
مأتاهما من أين؟
لم أدر...
لم أدر إلا أن في صدري
يداً من الغيب مضت كفّها
تمسح عنه عتمة اليأس
ورحت، في نفسي صفاء وفي
قلبي حنين وانجذاب خفي
وبغتة، في لفتة عابره
لقيته يملأ دربي سناه
لقيته، لم أدر من ساقه
إليّ، من وجه نحوي خطاه
لقيته، لا حلماً، إنما
حقيقة ساطعة باهره
عانقت فيها حين عانقتها
الله والحب وسرّ الحياه
يا جذل الروح ونُعمى الوصول
لقيت سرّي الضائع المبهما
لقيت سرّي بغتةً بعدمام
ظننته أنأى من المستحيل
© 2024 - موقع الشعر