أنا الأنْدَلُس

لـ محمد الزهراوي، ، في غير مصنف، آخر تحديث

أنا الأنْدَلُس - محمد الزهراوي

أنا الأنْدلُس
 
أنا هُوَ الآخر
(رامبو)
 
اسْتحالَتْ سَراباً.
فَرّتْ مِنْ
بَيْنِ أكُفِّنا..
فَرّتْ بِلا صَوْت.
كأنْ لا أحدَ
في البَحْرِ..
يرُدّها إليْنا.
تُحِسُّ..
كَأنّها الْمَلِكَة.
تتَراءى مِن
شُقوقِ البَعيدِ.
اسْجُدوا
لَها خُشّعاً..
كانَتْ
سَحابَةً هَطَلتْ.
تتَراءى كوَرْدةِ
عَبّادِ الشّمْس..
تَتَراءى لي جِهاراً.
أنا حَفِيٌّ بِالْمَشْهدِ
بِالغَزالةِ البرّيَّةِ
وَبِغانِيَةِ الْمَعْبَدِ.
تَعالوْا أدُلّكمْ
عَلى حَجرٍ كريم.
كَأنّي عَلى
مَشارِفها السّاعَةَ..
البِئرُ فاضَتْ
بِالشّهْوَةِ كَانَتْ
دِيارُها داري ؟
كمْ عاقَرْتُ
نَهْدَيْها وَرُباها .
كَشَفْتُ..
تَكْوينَها الشّامِلَ
وَعارَكْتُها
في القَصيدَة.
مِنْها أعْتصِرُ الشِّعرَ
وَذَهَبَ الأرْضِ
وَأغْتَرِبُ مَعها
في الوَحْشَةِ.
تتَناثرُ بِالأبْيَضِ..
وأنا الْمُحاصَرُ بِها
في هذا الفَراغِ.
تَحَسّسْتُ مِنْها
ما يُؤْلِمُني وَرَأيْتُ
ما يَخُصُّني.
دَمْعُها دِماءُ
الْحُروبِ وَعُواؤُها
حُداءُ القَصَبِ.
ووَجْهُها هوَ
الصّباحُ يا هذا..
هُوَ رَغَباتُ القَلْب
اَلْوجْدُ بِها باقٍ.
فَاغْفِرْ لي ياحُبُّ..
مَعَها تَوَجُّعي.
طوْعاً تتَجَلّى
أبْراجُها لي..
مِنَ الْقَصِيِّ.
وَطوْعاً تَكْشُف
لي مَزْهُوةً كنَمِرَةٍ
عُرْيَ كَشْحِها
الْهَمَجِيِّ..
المُلَطّخِ بِالْفَجْرِ
وَالْمَعْجونِ بِالْغامِضِ.
عَيْناها ظِلالُ الحَوْرِ
لا تُضارَعُ.
تَرْميني سِهاماً
تَجيءُ جَيْشاً
وَلا أُقاوِمُ..
وَأنامُ أَتَمْتِمُها
بِسُبْحَتي كالْمَجْنونِ!
إنّها تَعْتَريني..
يا ابْنَ زَيْدون !
لَمْ أُبارِحْ مَعَها
جَميلَ القَوْلِ..
وَلَمْ أُراوِحْ
مُقامَها وَشُبّاكها
وَلَمْ أغادِرْ أغانِيَها
وعُطورَها في..
قُرْطبَةَ وَإشْبيلِيةَ عَلى
الوادي الكَبيرِ وفي
قُصورِ بَني الأحْمَرِ.
هَلْ رَأيْتُمْ كيْفَ
ارْتَمَتْ علَيّ في
الْمَرايا وَنَفَرَتْ
بِكِبْرِيائِها الْمَلَكيِّ
عِنْدَ بُرْجِ الذّهَبِ ؟
أجْمَعُها لِلْقَلْبِ زُهوراً.
وأنْقُشُها مَنارَةً بَحْرِيّةً
عَلى الْجِدارِ لِتَمْضي
بِها السّفنُ..
في خَيالي.
أنا هُنا في الْحَيِّ
هالِكٌ بِها حَيٌّ !
فَاتْرُكْها يا طاغِيَةُ
تُغَنّي بِأشْواقِ
الْفُصولِ وَدَعْها
يا نَهْرُ تَرْفُثُ..
ويا ليْلُ تَصِلُ.
هاهِيَ في الغَمْرِ..
تِلْكَ أَذْرُعُها..
تُحيلُني إلى فَجْرٍ.
ها إقْبالُها
الْمُهَرّبُ إلَيّ
يَقْتَرِبُ مِنّي
في مَوْكِبِ
خُيولٍ وَمِياهٍ !
أَتوقُ يا طَيْرَ البَحْرِ
إلى ألْحانِ نظْرَةٍ ؟!
بِانْتظارِها ..
أقْهرُ الْمَنافي ؟!
وإرْضاءً
لِنَزَواتي أنا قتَلْتُها
في مَرافئِ هذا
الكوْكَبِ عِشْقاً كَما
يعْشَقُها الْماءُ
وَالْغابَةُ وَالنّهر.
تَقْتَرِبُ مِنّي
حَيِيَةً ومُرْتَبِكة..
كَإغْرائِها الأوّل.ِ
بِمَرْآها
يَخْضَرُّ القَلْب..
لَها مَلامِحي
في الأمْكِنَةِ !
تَمْتَطي إليَّ قَلَقاً.
هِيَ كَالْخَضِرِ..
بِاتّجاهي تَجيءُ
تَعْبُر الأمْداءَ مَعَ
السّحرَةِ مِنَ الحُجُبِ.
تَخْرُجُ مِنْ
ظُلُماتِ البِحارِ
وَمَعَها اللُّؤْلُؤُ..
الْحورِياتُ عارِياتٍ
وَجِرارُ نَشْوَتي!
أنا الأنْدَلُسُ ياهذا..
العرَبِيُّ في أحْلامِهِ
الدّرُّ كامِنٌ..
فَارْوِ عنّي وَعنْها
الْقِصَّةَ مَعَ
الحِبْرِ والْكُتُبِ.
ولا تسْقني نَشْرَبْ
عَلى أطْلالِها يا صاحِبي.
هُوَ ذا مَنْفاها
الأليفُ فِيَّ..
حَيْثُ تَئِنُّ مِنْ
سَكَراتِ الْمَعارِفِ
وَمِنْ لَذّةِ الْوَجَعِ.
أنْفُخُ فيها
مِنْ روحي !..
اَلْكُلُّ يتَعَلّقُ
بِذَيْلِها الْعَطِرِ
وَهُمْ سُكارى
مِنَ الطّرَبِ.
تَكْمُنُ..
تَحْتَ كُلِّ حَجَرٍ.
قَدْ تنْقَرِضُ
الْمَمالِكُ.تَنْقَرِضُ
الأمْبراطورياتُ وَلَمْ
تنْقَرِضِ الذِّكْرياتُ
وَهذه الأسْطورَةُ.
مِنَ الْجُروفِ
الْبَعيدَةِ تَجيءُ
تَرْقُصُ في الْمَدَائِنِ.
تُشْبِهُ طيْراً..
وَمِنْ بَدْءِ الدُّهورِ
ياتيها الشُّعَراءُ..
وَلَمْ تنْقَرِضِ ! ؟
أنا هُنا علَّها قَدْ
تَصِلُ ثانِيَةً مِنْ
تُخومِ الرّيحِ ؟!
هِيَ الأُنْثى..
تَألّهَتْ في الزّمَنِ.
وَتِلْكَ شُموسُها
الْمُبْحِرَةُ تَمْخُرُ
الْوَهَجَ..
تُحيلُني إلى فَجْر.
تَخْضَرُّ الآنَ..
تَنْداحُ الكِتابَةُ.
كَأنّني الآنَ
عَلى مَشارِفِها !
يالَها مِنْ
أقْواسٍ مُشْرِقَةٍ
تُذّكِّرُني بالجَنّةِ.
بَدَأتْ مِثْلَ حُلُمٍ
وَانْتَهتْ
بِلا صَوْت..
طارَتْ في الْغَوْرِ
وَلَمْ تَصِلِ.
© 2024 - موقع الشعر