نبع الأمومة في الإنسان جورج غلوي - شائم الهمزاني

نبع الأمومة:
.....................................

نبعُ الأمومة جوهرٌ ربّاني
معناه فينا سامي المعاني

فيه احتفاظِ النوعِ بالبقاء
غريزة الإنسانِ والحيوانِ

تسْمو بها الأرضُ إلى السماء
بنفْحَةٍ من رحْمةِ الرحْمانِ

فيها تَسامَت أمُّنا حَّواء
إنْسانة بفِطْرة الإنسانِ

بالأمَّهاتِ فيضها ريَّان
من كوثرٍ بعَطْفِها ريانِ

بالطُّهرِ وبالنُّور والسُّرور
وباتِّصالِ الرّحمِ في البلدانِ

فالأم بالإخلاصِ للأبناء
في مُنتهى الإيثارِ والتّفاني

تُعْطي سَخاءً لا رياء فيه
بالحبِّ وبالوِدِّ والحََنانِ

كالنَّخلةِ في قاحلِ الصحراء
لا فضل ترتَجيه بالعِرفانِ

لو تلْهَث لوَمْضةِ الأنواء
بالعطف منها يجريا النَّهرانِ

كالشَّهدِ للرضيعِ ما أحلاه
درَّا بِه من صدْرها الثَّديان

فالأم في معناها ما أوفاها
في شأنها لا يختلف اثْنان

مهما عَطَيناها فلن نُوْفيها
لو قَطْرة من دَيْنِها الطوفان

وحَقّها إنْكاره عُقُوق
من فاقدِ الوفاءِ بالنُّكرانِ

هل نجْهل ما قاله الإلهُ!
في محْكم التَّنزيلِ بالقرآن!

فيما يجب بحقِّ الوالدين
لا يُهْضما بل يُكْرَما الأبَوان؟

ويْلٌ ؛ لِمَنْ أفٍّ لها يقول
أو يَنْهرُ في نَبْرةِ الغَضبان

سُحْقا له جَهنَّم عُقْباه
بالأمِّ ؛ كيف طاعة الشيطانِ؟!

والأم ؛ أوصانا بها الرسولُ
فيما يَعِي الأبرارُ بالولدان

إذ قال أمك..تَرِبت يداك
في بِرِّك الأولى وبالإحسانِ

من ذا الذي لا يكسب رضاها ؟
تَبًّا له من مفْلسٍ نَدْماني!

وعُقُوقها من (سَبْعِ الموبقاتِ)
في لا رجاء العَفوِ والغٌفرانِ

أمّي :
.....................................

أمَّاهُ ، يا دائِنَة المَدينِ
فداك روح الهائمِ الولْهانِ

حبيبتي أنتي صميم الذات
ذات الوِدادِ الصافي الْهَتَّانِ

رضْوانُك أماهُ ما أرجوه
خُسْرانه لَعَمْري الْخُسرانِ

إذ يدْلَهِم الليلُ بآهاتي
بلَهْفَةِ المُدَانِ للدَّيَّانِ

ماذا لعَلِّي في قَوافي الشِّعرِ
أوفيك؛ ما أوتيْت من بَيانِ؟!

فجَنَّتي من تحت موطِئَيك
أُدنِي لكِ الجناحَ بامِْتنانِ

كيف؟وأنْتي لسْتِ أي إنسانٍ
مهما يكن! إذ أنْتي في حُسْباني

أُوْلى وأبْهى صورةٍ رأيت
قد أبْدَعَتْها قدرةُ المنَّانِ

و(أمِّي) أولى لفظةٍ نطَقْت
ما زال يَنْدى طعْمها لساني

كانت مَلاكا غامرا حياتي
بالسَّعدِ وبالدِّفءِ والأمانِ

برَعْشةٍ تضمني يداها
فيني تُداري لمْسةَ البَنانِ

دوما بذِكر اللهِ في تَحْصيني
عن فاسدِ الأرواح والأبدانِ

أنْفاسها تنساب في أنفاسي
بنِسْمةِ الربيعِ في (نَيسانِ)

وعَطْفها من مُزنِها هَتّان
في (طالعات السَّعْدِ) بالوجدانِ

رغم الشقاء وجْهها بالفأل
كالشمسِ مَرْآهُ إذا تَرَاني

وحُبّها قد جَسَّدَته ذاتي
عند انبثاق الروحِ في جناني

قبل انبعاث الوعيِ في إدراكي
مستلهما من ذاتها عنواني

بالناس كنت لا أرى سواها
ولا أرى كمثلها النسوانِ

بين الوَرى من مثلِها يكون؟
وهي التي قد شَيَّدت كيَاني!

كم كابدت في ضعفها عنائي؟!
وحيْدة ليس لها أعوانِ

بالوَحْمِ وبالحملِ والمخَاضِ
وهْناً وكُرْها كم هي تُعاني؟!

عامينِ كاملين أرضعتني
منِّي تُلاقي العضَّ بالأسنانِ

ليست شقاوتي لها شَقاء
ما دمت فيها الساليٍ الفرْحانِ

إحساسها فيني كما البلّور
في لَحْضِها أراهُ بالألوانِ

لا تعرفُ الأحزانَ في أفراحي
أو تعرفُ الأفراحَ في أحزاني

إذ أشْتَكي من لَوْعةٍ تُضْنيني
في حُرْقَةٍ يُضْنيها ما أضْناني

تبقى معي ساهرة عيناها
معقودة في طرفي السهرانِ

فيْني تَهُزُّ علّها تُغْفيني
لو لحظةٍ طرفاها يغفوانِ

لا تغفلُ طرْفة عينٍ عَنِّي
فيما أنا بِحِسِّها ترعاني

في عينِها دوما وقد كبرْت
ما زلت طفلا جاهلا في شأني

ترعاني بالذهاب والإياب
لو غِبْت عنها لا تَرى إخواني

كأنها في حِجْرِها تؤويني
وأنها تخاف من فقداني

ممّا علّمتني :
.....................................

أمّيَّة؛ سبحان من وَعَّاها
موسوعة واسعة الميدانِ

ما زلت ذاكرا ما علمتني
في سائر الأحوال والأحيانِ

في حَدْسها تقرأ ما أخفيه
تسْتنبط المكنونَ من أشجاني

قد هَذَّبت بحكمةٍ أخلاقي
وجعَلت من عقلي القبطانِ

وفي فؤادي رسخَتْ ولائي
لِلَّهِ ؛ ومن ثم لِلأوطانِ

فإنما الإنسان في الدَّارين
لا شيء يغْنيْه عن الإيْمانِ

تَنْهَرُني أقوم للصلاة
في لحظةِ التكبيرِ بالأذانِ

قد أفْعَمَتْني شِيَمَ الكرامِ
عن كل ما من شأنِهِ خذلاني

وعَوَّدَتني الجَدّ بالكفاح
إذ ليست الآمال بالأماني

وفي البلاءِ الصَّبرَ بالرجاءِ
لِلَّهِ ؛ لا لكائنٍ من كانِ

وبأن مهما يملكَ الإنسانُ
فحَقّه متْرين من كِتَّانِ

ومهما باطلٌ فِيْنا يسود
في لحظةٍ يَنْزاح كالدُّخانِ

والكبر والغرور ليسا إلا
من ظاهرِ الشعورِ بالنُّقصانِ

بأسمى المعاني تَضرِبُ الأمثالَ
قَولا وفِعلا ناصع الإمْعانِ

قد عزَّزت وكَرَّست تَكويني
وحَصَّنَتْني عن هوى الأناني

إنسانة بالحق لا يثنيها
لومٌ لأهل الزُّورِ والبُهتانِ

صدَوقة صافية النَّوايا
والسِّرّ لَدَيها كَما الإعلانِ

مستورة عاشت على زَنْديها
والخير منها دائم الجريانِ

جيرانها مهما لها يسيئوا
تنسى سريعا سَوْءَةَ الجيرانِ

مثل العداوةِ من ذَوي قُرْباها
إذ تَدْفع بإحسانِها العدواني

لا تعرفُ بينهم الكلامَ
وسرهم لديها في الكِتمانِ

عَنِّا ؛ جزاها الله كلَّ خيرٍ
من فضْلِهِ في راجح الميزانِ

في الغروب :
.....................................

قد عشْت معها أسعد اللحظاتِ
ما لحظة أحسَسْت بالحرمانِ

لكن سريعا مَرَّت الأعوامُ
أيّامها ؛ كأنها الثواني!

في حينِ زارت شمسي الْمَغيبَ
وعَمَّت حَوْلي وحشةُ المكانِ

غابت فَضَلَّت خطوتي دروبي
في حَيْرةِ من دورةِ الأزمانِ

كنت أجاري موْكبَ التشييعِ
مُسْتَرجِعا لِلَّهِ بالإذعانِ

مستسلما لنافذِ القضاءِ
وقلبي فيه حارق النيرانِ

وادَعْتها مسترسلا عبراتي
من مهجتي كالْمُهْل في البركانِ

واريْتها في عاطرِ الثّراءِ
محفوفة بالرّوح والريحانِ

أمَّاهُ ، يا اللهُ ، يا رحمانُ
غفرانك في جَنّة الرضوانِ

ربَّاهُ ؛ قد أيقَنْت بالفراق
إذ كان يوما ليس في حُسْبَاني!

صِبْرا لَعَقْت فَجْعةَ الغروبِ
نرجوك حُسن الصّبرِ والسّلْوانِ

واغفر لنا القصورَ والتقصيرَ
في حقّها ما كان بالإمكانِ

حاولْتُ أرْثيها مِرارا لكن
كانت قَريحَتي كما الصُّوانِ

فالخَطْب فاق الشّعرَ في شعوري
عن وصْفهِ مشاعري شَتَّانِ

فيما نَظَمت فيها من قَصيدٍ
كم من بيوتٍ وقْعها أبكاني؟

أبْكي ؛ فأرمي شِعْري إذ أجِده
ليس سِوى ضَربا من الْهَذَيانِ!

مسْك الختام :
.....................................

أمّا وقد نادانا باسمِ (الأمِّ)
في (المستقلةْ) حادي الرُّبَّانِ

مِنِّي له الشكور والتقدير
عبرَ الفضاءِ فرصةً أعطاني

بالصَّوْتِ دَوَّى مَسْمَعي صداهُ
فاهْتَزَّ فيّ عامرُ الأركانِ

لبّيكِ يا (أُمِّي) على سعْديْكِ
فيكِ أُجيْب داعيا دَعَاني

باقات شِعر روحكِ أٌهديها
من عاطرِ الورودِ في بُستاني

أنشودة تَزْدان في ذكراكِ
تشْدو بِوَجْدي أعْذَب الألحانِ

فيها لكِ ريحا من الفردوسِ
لن تَحتويها ساحةُ النِّسْيانِ

تَسْتنفرُ الإلهامَ في إبداعي
مستشعرا في نشوة التِّبيان

مستحضرا في رَوْعِهِ نبراسا
معناكِ فيه شاهد العَيَانِ

بصارخ الْمثالِ في الأنامِ
معنى الضمير الْحَيِّ واليقْظانِ

(جورْج جَلَوي) في دورهِ النضالي
ل(غَزَّةٍ) في نابض الشِّريانِ

عن فاقةِ الغذاءِ والدواءِ
والعالم المجنون في طغيانِ

ومِسْكها الصلاة والسلام
على الرسول المصطفى العدْناني

وآلِه وصَحْبِه تِعدادُ
ما كائنٍ يكون في الأكوانِ

مناسبة القصيدة

لقد جاءت ولادة هذه القصيدة ، وكما ورد في في مسك ختامها أي عندما أعلنت قناة المستقلة الفضائية عن مسابقة أجمل قصيدة عن الأم ، ولكن المؤسف أنها أسقطت من التقييم نهائيا ولم يبدوا سببا لذلك بل ولم يردوا على استفسارات مطلقا ، وقد حدث مثل ذلك في مسابقتها عنأجمل قصيدة عن رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى ذلك فلم ولن أشارك في أي من المسابقات التي تطرحها مع أنني لم ولن آخذ عليهم في نفسي شيئا غير الحب والتقدير فأنا أتفهم تماما طبيعة مثل هذه المسابقات الجماهيرية الضخمة جدا في مقابل حجم الجهد والامكانات المتوفرة جزاهم الله عني خير الجزاء فقد حفزوني لاكتب هذه القصيدة التي ضلت لسنين متعسرة في قريحتي ..
© 2024 - موقع الشعر