لماذا يسقط متعب بن تعبان في امتحان حقوق الإنسان؟ - نزار قباني

1
مواطنون.. دونما وطن
مطاردون كالعصافير على خرائط الزمن..
مسافرون دون أوراق
وموتى دونما كفن.
نحن بغايا العصر.. كل حاكم
يبيعنا، ويقبض الثمن
نحن جواري القصر، يرسلوننا
من حجرة لحجرة
من قبضة لقبضة
من هالك لمالك
من وثن إلى وثن
نركض كالكلاب كل ليلة
من عدن لطنجة
نبحث حن قبيلة تقبلنا
نبحث عن عائلة تعيلنا
نبحث عن ستارة تسترنا
وعن سكن..
وحولنا أولادنا
إحدودبت ظهورهم، وشاخوا
وهم يفتشون في المعاجم القديمة
عن كذبة كبيرة..
تدعى الوطن..
2
مواطنون نحن في حدائن البكاء
قهوتنا مصنوفة من دم كربلاء
طعامنا. شرابنا
عاداتنا.. راياتنا
صيامنا. صلاتنا
زهورنا. قبورنا
جلودنا مختومة بختم كربلاء..
لا أحد يعرفنا في هذه الصحراء
لا نخلة. لا ناقة.
لا وتد.. لا حجر
لا هند.. لا عفراء
أوراقنا مريبة
أفكارنا غريبة
فلا الذين يشربون الدمع والشقاء...
معتقلون..
داخل النص الذي يكابه حكامنا
معتقلون..
داخل الحزن، وأحلى ما بنا أحزاننا
مراقبون نحن في المقهى.. وفي البيت..
وفي أرحام أمهاتنا..
حيث تلفتنا، وجدنا المخبز السري في انتظارنا
يشرب من قهوتنا..
ينام في فراشنا..
يعبث في بريدنا
ينكش قس أوراقنا
يدخل من أنوفنا
يخرج من سعالنا
لساننا مقطوع..
ورأسنا مقطوع..
وخبزنا مبلل بالخوف والدموع..
إذا تظلمنا إلى حامي الحمى
قيل لنا: ممنوع..
وإن تضرعنا إلى رب السما
قيل لنا: ممنوع..
وإن هتفنا:
يا رسول الله، كن في عوننا
يعطوننا تأشيرة من غير ما رجوع
وإن طلبنا قلما
لنكتب الوصية الأخيره
قبيل أن نموت شنقا
غيروا الموضوع..
يا وطني المصلوب فوق حاشط الكراهية
يا كرة النار التي تسير نحو الهاويه
لا أحد من مضر.ز أو من بني ثقيف
أعطى لهذا الوطن الغارق بالنزيف
زجاجة من دمه..
أو بوله الشريف
لا أحد.. على امتداد هذه العباءة المرقعة..
أهداك يوما معطفا أو قبعه..
يا وطني المكسور مثل عشبة الخريف..
مقتلعون نحن كالأشجار من مكاننا.ز
مهرجون من أمانينا، وذكرياتنا
شفاهنا تخاف من أصواتنا
حكامنا الهة يجري الدم الأزرق في عروقهم
ونحن نسل الجارية
لا سادة الحجاز يعرفوننا..
ولا رعاع البادية
ولا أبو الطيب يستضيفنا..
ولا أبو العتاهيه
إذا ضحكنا لعلي مرة..
يقتلنا معاويه..
5
مهاجرون نحن من مرافئ التعب
لا أحد يريدنا
في المدن التي تقايض البترول بالنساء،
والديار بالدولار، والتراث بالسجاد،
والتاريخ بالقروش، والإنسان بالذهب.ز
وشعبها يأكل من نشارة الخشب
لا أحد يريدنا..
في مدن المقاولين، والضاربين، والمستوردين،
والمصدرين، والملمعمين جزمة السلطة،
والمثقفين حسب المنهج الرسمي،
والمستأجرين كي يقولوا الشعر
والمقشرين اللوز، والتفاح للملوك،
والمقدمين للآمير عندما يأوي إلى فراشه
قائمة بأجمل النساء..
والموظفين في بلاط الجنس..
والمهرجين..
والمخنثين..
والمخوضين في دمائنا حتى الركب..
لا أحد يقرؤنا
في مدن الملح التي تذبح في العام
ملايين الكتب..
لا أحد يقرؤنا
في مدن..
صارت بها مباحث الدولة
عراب الأدب..
6
مسافرون نحن في سفينة الأحزان
قائدنا مرتزق
وشيخنا قرصان
مكومون داخل الاقفاص كالجرذان
لا مرفأ يقبلنا
لا حالة تقبلنا
لا امرأة تفبلنا
كل الجوازات التي نحملها
أصدارها الشيطان
كل الكتابات التي نكتبها
لا تعجب السلطان..
مسافرون خارج الزمان والمكان
مسافرون ضيعوا نقودهم..
وضيعوا متاعهم، وضيعوا أبناءهم،
وضيعوا أسماءهم، وضيعوا انتماءهم..
وضيعوا الإحساس بالمان
فلا بنو هاشم يعرفوننا، ولا بنو قحطان
ولا بنو ربيعة، ولا بنو شيبان
ولا ينو لينين يعرغوننا.ز ولا بنو ريغان..
يا وطني: كل العصافير لها منازل
فهي تموت خارج الأوطان...
جنيفق تشرين الثاني 1985
© 2024 - موقع الشعر