إلى أين يذهب موتى الوطن؟ - نزار قباني

1
نموت مصادفة..
ككلاب الطريق.
ونجهل أسماء من يصنعون القرار.
نموت...
ولسنا نناقش كيف نموت؟
وأين نموت
فيوماً نموت بسيف اليمين
ويوماً نموت بسيف اليسار..
نموت من القهر
حرباً وسلماً..
ولا نتذكر أوجه من قتلونا
ولا نتذكر أسماء من شيعونا
فلا فرق –في لحظة الموت-
بين المجوس..
وبين التتار..
2
بلاد..
تجيد كتابة شعر المراثي
وتمتد بين البكاء.. وبين البكاء
بلاد..
جميع مدائنها كربلاء..
3
بلاد..
بكعب الحذاء تدار..
فلا من حكيم..
ولا من نبي..
ولا من كتاب.
بلاد..
بها الشعب يأخذ شكل الذباب!!
4
بلاد..
يدير المسدس فيها شؤون الحوار
بلاد يسيجها الخوف،
حيث العروبة تغدو عقاباً..
وحيث الدعارة تصبح طهراً
وحيث الهزيمة تغدو انتصاراً..
5
مبادئ.. بالرطل مطروحة
على عربات الخضار..
دساتير..
تكفل حرية الرأي.. تعرض كالفجل
في عربات الخضار
قصائد.. ليس عليها إزار
تضاجع في اليل كل خليفه..
وترضي جميع جنود الخليفه..
وترمي صباحاً كأية جيفه
على عربات الخضار..
6
بلاد.. بدون بلاد
فأين مكان القصيدة
بين الحصار، وبين الحصار؟
كأن الكتابه في مدن الملح
فعل انتحار..
7
بلاد..
تحاول أشجارها
من الياس،
أن تتوسل تأشيرة للسفر..
8
بلاد..
تخاف على نفسها من قصيدة شعر..
ومن قمر الليل،
حين يمشط شعر المساء.
وتخشى على أمنها
من بريد الهوى..
وعيون النساء..
9
أفتش عن وطن لا يجيء..
وأسكن في لغة
ليس فيها جدار..
10
بلاد..
تعد حقائبها للرحيل
وليس هناك رصيف
وليس هناك قطار..
11
إلى أين يذهب موتى الوطن؟
وكل العقارات يه
مخصصة لاستضافة من يحرسون الرئيس..
ومن يدلكون بزيت البنفسج صدر الرئيس..
وظهر الرئيس..
وبطن الرئيس..
ومن يحملون إليه كؤوس اللبن..
إلى أين يذهب؟
من سقطوا في حروب الرئيس؟
وما عندهم شقة للسكن!!
12
ولو موتنا
كان من أجل أمر عظيم
لكنا ذهبنا إلى موتنا ضاحكين
ولو موتنا كان من أجل وقفة عز
وتحرير أرض..
وتحرير شعب..
سبقنا الجميع إلى جنة المؤمنين
ولكنهم.. قرروا أن نموت..
ليبقى النظام..
وأعمام هذا النظام..
وأخوال هذا النظام..
وتبقى تماثيل مصنوعة من عجين!!
13
يموت الملايين منا
ولا تتحرك في رأس قائدنا
شعرة واحدة..
ولم أك أعرف أن الطغاة
يضيقون بالآلة الحاسبه..
14
أحاول بالشعر..
أن أستعيد مرايا النهار.
وعشب الحقول،
وضوء النجوم،
ولون البحار.
وأستنبت القمح من تحت هذا الدمار.
15
أحاول بالشعر..
إنهاء عصر التخلف،
حتى أؤسس عصراً جديدًا
من الورد والجلنار.
16
أحاول بالشعر..
تفجير عصر
وتغيير كون..
وإشعال نار..
17
بحثت طويلاً عن المتنبي
فلم أر من عزة النفس
إلا الغبار..
بحثت عن الكبرياء طويلاً
ولكنني لم أشاهد
بعصر المماليك
إلا الصغار.. الصغار..
لندن 1991
© 2024 - موقع الشعر