ظل النخيل - هيثم اللحياني

( 1 )
قفي..
مثل طوْدٍ أمامَ الرياحِ..
إذاما رأيتِ انهياري..
وخرَّ فؤادي صريعاً أمامكِ
دُوسي عليهِ
وإنْ هلَّ دمعي..
وشجَّ نحيبيْ النهارُ..
وسالَ الظلامُ..
وجفّتْ عروقُ الضياءِ..
فمات شهيداً
أشيحي بوجهكِ عنْ كلّ موتٍ
و لبِّي أذانَ الرحيلِ..
كما كفَّنَ الليلُ شمسيْ
و صلّتْ عليها الدياجيرُ..
عيداً
و لمْ يدفنوها
رمَوها بقفرٍ
لتنهشَ لحمَ الأماني
ضباعُ الضياعِ
ولم يبْقَ إلا ملامحُ قلبٍ
و أشلاءُ روحٍ
و جيفةُ حُلْمٍ
أَبَيْتُ بأنْ أترفّعَ عنها
( 2 )
أحبُّ الحياةَ..
برغم انتحارِ الحياةِ..
بقلبي
أحبُّ الوجودَ..
برغمِ غيابيْ
أحبُّ ابتسامةَ طُهْرٍ
على ثغرِ طفلٍ
برغمِ الدموعِ التي أغرقتها
فأعلن موتَ الطفولةِ قهراً
أحبّكِ أنتِ..
أحبّكِ جُرحاً
ونزفاً
وموتاً
وأعشقُ أنّيْ صريعٌ
بنصلِ الجنونِ..
وطعنِ يديكِ..
فلا يأخذنّكِ حِلْمٌ بمثليْ
و أقسمُ أنّيَ..
عاريْ الفؤادِ..
بلا أيِّ درعٍ
فزيدي رماحَكِ..
لا ترحميهِ
فإنْ أنَّ فاصغي لصوتِ الأنينِ..
سيتلوْ عليكِ روايةَ حكمكِ في عرش روحي
وآخرَ فصلٍ بها
في دماهُ اقرئيهِ..
فهل سوفَ تبكينَ يوماً
إذا ما قرأتِ حروفَكِ..
خاتمةً للبدايةِ..
فاتحةً للختامْ..؟!!
( 3 )
سؤالٌ
تجاوزَ فقهَ الإجاباتِ..
شلَّ خياليْ
وجلّلَني صمتُ هذا الوجودِ..
أغادرُهُ
والضجيجُ يكادُ يحطِّمُ أغلالَ سرّي
فيصمتُ خشيةَ بوحٍ يُعرِّيهِ دمعُ انهيارٍ
أنبْذرُ ودّاً..
فينبتُ حبًّا..
و يكبرُ عشقاً
ليثمرَ موتاً..؟!
ألا تبَّ هذا الحصادُ..
لعلّك لا تعلمينَ..
أنا من بذرتُ
لعلك لا تدركينَ..
أنا من سقيتُ
لعلك لا تؤمنينَ..
أنا من رعيتُ
ويسحقُ كلَّ الشكوكِ يقينيْ
بأنَّكِ لا تأبهينَ..
أنا منْ نُفيتُ
أنا من صُلبتُ..
أنا من نزفتُ
أنا من حصدتُ
( 4 )
يراودني عن حياتي
انتحارٌ
وأُعرضُ عنهُ ..
فيسجنني خلف قضبانِ موتٍ
.
.
و طالَ.. انتظاريَ في الأسرِ..
وحدي
وماليَ صاحبُ سجنٍ من الموتِ أمسى طليقاً
فيذكرني ذات رؤيا عزيزٍ
أُفسِّرُها
لا أريدُ سوى فكِّ أسريْ
و لستُ كيوسفَ..
لا
و معاذُ الإلهِ..
و مهما ادَّعيتُ
فلنْ تسجدَ الشمسُ..
أعرفُ قدْري
وأعلمُ أنِّيْ
خُلقتُ وحيداً
و أحيا وحيداً
و لكنّني لن أموتَ وحيداً
و لن أتسوّلَ منكِ حياتيْ
(فمليارُ) قلبٍ ستبكي رحيليْ
ستحملُ نعشيْ النجومُ
لمثوايَ في الشمسِ
فوق الخطايا
لأنّي من الطهرِ
هذا مقامي
أما أخبرتكِ السماواتُ
لحظةَ فجرٍ
يمدُّ بها النّورُ كفّاً
ليغسلَ عنها السوادَ بصبحٍ
بأنّي وُلدتُ..
و روحيْ الضياءُ
و أنِّي حييتُ..
و نبضيْ الصفاءُ
و أنّي مشيتُ..
و أرضيْ السماءُ
مكانيْ من الحبِّ أنفاسهُ..
فهاكِ الوريدَ..
وهيّا
اذبحينيْ
وإيّاكِ والدمعَ إنْ غادرَ الزهرَ كلُّ فؤادٍ
و حلّ البلاءُ
دعي الليل يطمسُ كلّ طريقٍ إلى الروحِ بعديْ
دعي القحطَ يغزو مواسم عشقٍ سقتهُ غيومي
دعيني
أكونُ سراباً
لعلّي أكونُ لأحلامِ ظمأْى ارتواءً
ومن سوفَ يدريْ
لعلّي أعودُ رذاذاً يلامسُ خدَّ صحاريكِ يوماً
فتزهرُ عشقاً
شذاهُ لغيريْ
و أمضيْ
و قد لا أعودُ
و لا مستحيلَ..
فما ماتَ ظلُّ النخيلِ..
بموتِ النخيلْ
© 2024 - موقع الشعر