يا جبل الوقار - يحيى السماوي

الى الأديب العربي الكبير معالي الشيخ عبد العزيز التويجري :"مواصلة لحديث وصدى لبيان"
رويدَكِ … لا الملامُ ولا العِتابُ

يُعادُ بهِ - إذا سُكِبَ- الشرابُ
فليس بمُزهِرٍ صخراً نميرٌ

وليس بمُعشِب رملاً سَرابُ
عقدتُ على اليَبابِ طِماحَ صحني

فجادَ عليَّ بالسَغَبِ اليَبابُ
وجيّشتُ الأمانيَ دونَ خطوٍ

فشَاخَ الدربُ واكتَهَل الإيابُ
ولمّا شكَّ بي جسدي وكادتْ

تُعيّرني المَباهجُ والرِّغابُ
عزمتُ على الحياةََ ورغّبتني

بها خُودٌ ودانيةٌ رِطابُ
صرختُ بها :أَلا يا نفسُ تبّاً …

أتالي العمرِ فاحِشةٌ وعابُ؟ (1)
وكنتُ خبرتُ- بِدءَ صِباً – جنوحاً

الى فرحٍ نهايتهُ اكتئابُ
وجرَّبتُ اللذاذةََ في كُؤوسٍ

تدورُ بها الغَوانيَ والكَعابُ
وأوتارٌ إذا عُزفتْ تناستْ

رزانتَها الأصابِعُ والرقابُ
فما طَرَدَت همومَ الروحِ راحٌ

ولا روّى ظميءَ هوىً رُضابُ
حرَثتُ بأضلُعي بُستانَ طَيشٍ

تماهى فيهِ لي نفرٌ صحابُ
فلم تنبتْ سوى أشجارِ وهمٍ

دواليها مُخادِعةٌ كِذابُ
أفقتُ على صخورِ الحلمِ أقوتْ (2)

فمَمَلكَتي الندامَةُ والخرابُ
وقَرَّبَ من متاهَتهِ ضَياعٌ

وباعدَ من جنائِنهِ مآبُ
وجئتُكِ مُستَميحاً عفوَ قلبٍ

له في الحبِّ صدقٌ لا يُشابُ (3)
كفى عتَباً … فأن كثير عُتبى

وطول مَلامَةٍ ظُفُرٌ ونابُ
غريبٌ… والهوى مثلي غريبٌ

ورُبَّ هوىً بمغتَربٍ عقابُ
كِلانا جائعٌ والزادُ جمرٌ

كلانا ظاميءٌ والماءُ صابُ (4)
كِلانا فيهِ من حُزنٍ سهولٌ

وأوديةٌ … ومن ضَجَرٍ هِضابُ
صبرت على قذى الأيام ألوي

بها حيناً … وتلويني الصِعابُ
أُناطِحُ مُستَبدَّ الدهرِ حتى

تَهَشّمَ فوق صخرتهِ الشبابُ
رويدكِ …تسألينَ عن إصطخابٍ

بنهري بعدما نشَف الحَبابُ ؟ (5)
وكيف نهضتُ من تابوتِ يأسي

فؤاداً ليس يقربهُ ارتيابُ ؟
وكيفَ أضأتُ بالآمالِ كهفاً

بمنفىً كانَ يجهَلُهُ الشهابُ ؟
بلى.. كنتُ السحَابَ يزخُّ هَمّاً

وما لنخيلِ أحزاني حسابُ
شُفيتُ فلم أعدْ ناعورَ دمعٍ

وهاأنا ذا ينابيعٌ وغابُ
رويدكِ … ما لزهرائي إستحمّت

بنهرِ ظنونها وأنا الصوابُ ؟
إذا شِئتِ الجوابَ فليس عندي …

ولكن: في "المُجمّعةِ" الجوابُ (6)
سليها عن فتاها فهي أدرى …

سلي تُجِبِ اليراعةُ والقِبابُ (7)
تخيّرهُ الوقارُ لهُ مثالاً

وتاهتْ في رحابتهِ الرحابُ
فتى التسعين…لا أغراهُ جاهٌ

ولا الحسبُ المُضيءُ … ولا اكتسابُ
تُنادمهُ الفيافي حين يغفو

وإذ يصحو يسامِرهُ السَحابُ
كأنَّ لقلبِهِ عقلاً ..وقلباً

لعَقلٍ فهو سَحٌ وانسيابُ (8)
أحبَّ الناسَ ما قالوا "سلاماً"

وما ذهبوا لمكرمةٍ وآبوا
لهُ ب " الأحمدينِ" رفاقُ دربٍ

هما منهُ السُلافةُ والرَبابُ (9)
قَصَدْنا حقلَهُ أربابَ حرفٍ

لهم بِظلالِ حكمتهِ طِلابُ
طرقتُ البابَ مُنتظِراً جواباً

فردَّ عليَّ- قَبلَ بنيهِ- بابُ (10)
دخلتُ فأسكَرَ الترحابُ خطوي

وقد ثمِلتْ من الطيبِ الثيابُ
جلستُ اليهِ … في جفني ثباتٌ

وفي شَفَتي - من الذُهلِ - اضطرابُ
تَحَدَّثَ فالفصاحةُ في بيانٍ

تُوَشّيها معانيهِ الخِلابُ
وما خَطَبَ الحكيمُ بنا …ولكنْ

حِجاهُ لكلِّ ذي لبٍّ خطابُ
يرى أن الحضورَ بدارِ دُنيا

بلا تقوى وطهُرِ هوىً غيابُ
وأنّ المرءَ مرعىً … والأماني

ظِباء…ٌ والمقاديرُ الذئابُ
وأنَّ الدُرَّ قيمتُهُ بعزمٍ

تلينُ لهُ العواصفُ والعُبابُ
وأذكرُ بعضَ ما قال انتصاحاً:

" أخبزٌ دونَ جمرٍ يُستطابُ" ؟
وعلّلَ …فالعيونُ اليهِ تُصغي

بدهشِتها… أجابَ وما أجابوا
فتى التسعين… أكثرنا شباباً

وأفتى لو تسابقتِ اللبابُ
أبا الأبرارَ طبتَ لنا طبيباً

وقنديلاً إذا دَجَتِ الشعابُ
وطبتَ مُنَقّباً في أرضِ فكرٍ

عليها من غشاوتِها نِقابُ
ويا جبلَ الوقارِ أرى ذهولي

يُسائلني وقد شُدَّ الركابُ :
جلستُ إليكَ يُثقلني ظلامٌ

وقمتُ وللسَنا بدمي انسيابُ
أعطرُكَ أم شميمُ عرارِ نجدٍ

سرى بدمي فضاحَكني الشبابُ؟
*****

تالي العمر: أواخره
أقوت : هوت . اندرست

لا يشاب: لا يشك به
الصاب: نبت شديد المرارة

الحباب: الفقاقيع التي تعلو الماء أو الراح
المجمعة: من بلدان نجد حيث ولد الشيخ التويجري

في البيت إشارة الى المدارس والمساجد التي بناها التويجري في المجمعة من ماله الخاص
السح: المطر الشديد الذي يقشر وجه الأرض

الأحمدان: هما الشاعران أحمد بن الحسين الجعفي الكوفي (المتنبي) وأحمد بن عبد الله التنوخي
(ابو العلاء المعري) والمعروف عن الشيخ التويجري هيامه بهذين الشاعرين

وحفظه لأغلب أشعارهما وله فيها دراسات نقدية وتأملية ومنها كتاباه القيمان(في أثر المتنبي بين اليمامة والدهناء)
و( ابي العلاء ..ضجر الركب من عناء الطريق ) وغيرهما من كتبه

من تقاليد الضيافة في دار التويجري ، أن ابناءهُ هم الذين يقومون بخدمة الضيوف ايغالا في الضيافة والكرم
© 2024 - موقع الشعر