في وادي العبيد - نازك الملائكة

ضاع عُمْري في دياجيرِ الحياة
 
وخَبَتْ أحلامُ قلبي المُغْرَقِ
 
ها أنا وحدي على شطِّ المماتِ
 
والأعاصيرُ تُنادي زورقي
 
ليس في عينيّ غيرُ العَبَراتِ
 
والظلالُ السودُ تحمي مفرقي
 
ليس في سَمْعيَ غيرُ الصَرَخاتِ
 
أسفاً للعُمْرِ، ماذا قد بَقِي ؟
 
 
 
سَنَواتُ العُمْر مرّت بي سِراعا
 
وتوارتْ في دُجَى الماضي البعيدْ
 
وتبقَّيْتُ على البحْر شِراعا
 
مُغرَقاً في الدمْع والحزنِ المُبيدْ
 
وحدتي تقتلُني والعُمْرُ ضاعا
 
والأَسى لم يُبْقِ لي حُلماً "جديدْ"
 
وظلامُ العيْش لم يُبْقِ شُعَاعا
 
والشَّبابُ الغَضُّ يَذْوي ويَبِيدْ
 
 
 
أيُّ مأساةٍ حياتي وصِبايا
 
أيّ نارٍ خلفَ صَمْتي وشَكاتي
 
كتمتْ روحي وباحتْ مُقْلتايا
 
ليتها ضنّتْ بأسرار حياتي
 
ولمن أشكو عذابي وأسَايا ؟
 
ولمن أُرْسلُ هذي الأغنياتِ ؟
 
وحواليَّ عبيدٌ وضحايا
 
ووجودٌ مُغْرَقٌ في الظُلُماتِ
 
 
 
أيُّ معنىً لطُموحي ورجائي
 
شَهِدَ الموتُ بضَعْفي البَشريّ
 
ليس في الأرض لُحزْني من عزاءِ
 
فاحتدامُ الشرِّ طبْعُ الآدميِّ
 
مُثُلي العُلْيا وحُلْمي وسَمَائي
 
كلُّها أوهامُ قلبٍ شاعريِّ
 
هكذا قالوا ... فما مَعْنى بَقائي ؟
 
رحمةَ الأقدارِ بالقلب الشقيِّ
 
 
 
لا أُريدُ العيشَ في وادي العبيدِ
 
بين أَمواتٍ ... وإِن لم يُدْفَنوا
 
جُثَثٌ ترسَفُ في أسْرِ القُيودِ
 
وتماثيلُ اجتوتْها الأَْعيُنُ
 
آدميّونَ ولكنْ كالقُرودِ
 
وضِبَاعٌ شَرْسةٌ لا تُؤمَنُ
 
أبداً أُسْمعُهم عذْبَ نشيدي
 
وهُمُ نومٌ عميقٌ مُحْزنُ
 
 
 
قلبيَ الحُرُّ الذي لم يَفْهموهُ
 
سوف يلْقَى في أغانيه العَزَاءَ
 
لا يَظُنّوا أَنَّهم قد سحقوهُ
 
فهو ما زالَ جَمَالاً ونَقَاءَ
 
سوف تمضي في التسابيح سِنوهُ
 
وهمُ في الشرِّ فجراً ومساءَ
 
في حَضيضٍ من أَذاهْم ألفوهُ
 
مُظْلمٍ لا حُسْنَ فيه ، لا ضياءَ
 
 
 
إِن أَكنْ عاشقةَ الليلِ فكأسي
 
مُشْرِقٌ بالضوءِ والحُبِّ الوَريقِ
 
وجَمَالُ الليلِ قد طهّرَ نفسي
 
بالدُجَى والهمس والصمْتِ العميقِ
 
أبداً يملأ أوهامي وحسِّي
 
بمعاني الرّوحِ والشِعْرِ الرقيقِ
 
فدعوا لي ليلَ أحلامي ويأسي
 
ولكم أنتم تباشيرُ الشُروقِ
© 2024 - موقع الشعر