معلومات عامة
تمت الإضافة
الدولة
مصر
المعلومات المتوفرة عن الشاعر

التاريخ الشخصي للشاعر حفيظ الدوسري

فلسفة الاسم واللقب : لقد آثرنا مفردة " فلسفة " في هذا السياق لأن الاسم في تصور الشاعر ليس محض تواضع يلجأ إلية من أجل التعيين فقط ، فللاسم عند الرجل قيم رمزية روحية واجتماعية شتي . أنة يحرص أولاً علي أن توقع أعمال بــ : حفيظ بن عجب آل حفيظ الدوسري ، وتمام أسمة حفيظ بن عجب بن فيصل بن عجب بن محمد بن فرج آل حفيظ الشكرة الدوسري . وكنيته أبو عبد الرحمن وهي كنية يحبها كثيرا لأن الرسول (صلي الله علية وسلم ) قد حث علي التكنية بها . أما الألقاب التي وسم بها الشاعر فكثيرة نذكر منها " شاعر البيان وشاعر الأفلاك وهو لقب ذكره أستاذة مصطفي السروجي الذي أثر فيه عميق الأثر ، والشاعر الخطيب . لأنة جمع بين قرض الشعر وفن الخطابة ، إلا أنة حينما يسأل عن أيهما أحب إلي نفسه فإنه يفضل " الخطيب الشاعر " .
المولد والمنشأ : ولد أبو عبد الرحمن حفيظ الدوسري بن عجب بمدينة الخرج السعودية ، سنة 1392 هـ وكان ترتيبه في الولادة الثالث بين إخوته الأشقاء الخمسة الذكور وهم فيصل ، وسند، وسعود ، وناصر ، وله من امة الأخ الأصغر عبد الله وأخته مها . وجدة لأمة "سند بن عبد الله بن سند بن فرج آل حفيظ " كان له أثر بالغ في ما تمسك بة الشاعر من المبادئ وكان جدة لأمة شجاعا كريما متواضعا مستقيما عابدا رحمة الله . أما قبيلته فمن أشهر قبائل الجزيرة العربية وأجداده هم الأمراء فيها ، والأسرة التي ولد فيها تؤم قبيلتها في كل شؤونها نظرا لمكانتها الاجتماعية والثقافية المتميزة بين باقي أسر القبيلة الأم .
ومعلوم أن الاسم الذي أختاره له أبوه يمثل وجها من وجوه تفرده لأنه لم يسم بة أحدا قبل الشاعر إلا جد القبيلة الأكبر " حفيظ " ، وجدة .... " محمد بن فرج " كان أميرا وشاعرا من أشهر شعراء نجد وهو الجد الثالث ، أما جدة الثاني " عجب " فقد كان شاعرا أيضا ، وكذلك الجد الأول فيصل ، علما بأنهم جميعا كانوا يجيدون قرض الشعر بالعامية والي هذا فقد كانوا من أشهر فرسان نجد إذ الفعل عندهم قرين القول وهذه سمة وقفنا عليها عن كثب عند حفيدهم " نابغة الجزيرة " فهم جميعا قد دخلوا بذلك في حيز المستثني من الشعراء الذين يتبعهم الغاوون ولاشك أن حفيظ بن عجب قد انماز منذ الطفولة بخصوصيات انفرد بها دون إخوته وباقي أقرانه من أبناء القبيلة ، لعل أهمها ملكة الحفظ التي ظهرت لدية منذ أن تعلم النطق ، فكان لايسمع شيئا إلا حفظة فيفاجئ بذلك من حوله من الناس . كما أن " الطفل الشاعر " تكلم في سن مبكرة جدا بالمقارنة مع أقرانه ، وعرف وعرف من أمة أن ولادته كانت أيسر ولادة عرفتها وكانت تقول له أن ولادتك تزامنت مع بزوغ الشمس " . وعلي الرغم مما قد يكون خلفة اليتم في الصبي من آثار . إذ توفي والدة وهو لم يتجاوز السابعة ، فقد كفلتة امة ونال حظوة خاصة تظهر في الألقاب التي كان ينادي بها في صباه منها مثلا " الأمير " الشيء الذي زرع فيه منذ الطفولة عزة النفس ولإباء والترفع . ولقد ترتب عن هذه الحظوة أنة كان يكره أن يكون مغمورا مغموطا في المجالس ، فكان شعوره برسالة الكلمة وسلطانها كان يدفع بة إلي أخذ الصدارة وعشق المناظرة .. ومما ساهم في أمتلاكة هذه الجرأة شكله : فقد كان في صباه معروفا بجمالة وحسن خلقته فكان غزلا منذ الطفولة لأنة عشق الجمال عشقا برئيا وشاعريا ، وبلغ بة ذلك حد قرض شعر الغزل بالعامية منذ سن التاسعة .
البيئة العامة : ولد الشاعر ونشأ في بيئة بدوية محافظة علي القيم العربية الإسلامية الأصيلة كرما وعفة وإباء وشجاعة .. ويظهر هذا في طبيعة التربية التي أخذها عن أجداده وأمة وأخواله .. فقد كان الشاعر يحسن ركوب الخيل والرماية ، إذ هو من القلة الذين يتقنون هذه الرياضة ، وما نسي الشاعر قط ما لأمة علية من فضل لأنها ساهمت بنصيب وافر من في توجيهه وجهة العلم والشعر ومكارم الأخلاق ، فكانت له نبراسا ومشعلا يجوس بة خلال شعاب الإبداع وثناياتة . وهو إلي ذلك كان متواضعا طيب الروح شديد الحرص علي مخالطة الناس ومذاكرة العلم وكان لا يحضر غير المجالس التي يتذاكر فيها كلام الله أو علوم الآلة أو الإبداع شعرا كان أم نثرا .
ومما كان يشعر به في صغره أنة يجب أن يراعي دون غيرة من أقرانه كما أنة كان يشعر بالحسرة والألم لفقد والدة ويتمه في سن مبكرة الشيء الذي جعله سريع التأثر بما لايؤثر في الآخرين وشديد الغضب مما لايابة له غيرة من الناس .وهو إلي هذا كله كان الغربة نزاعا إلي الوحدة والتأمل . وربما كان السر وراء ذلك في كثرة مغبطية وحسادة ، ولقد نضج شعرة بهذه التيمة في سياقات كثيرة من ذلك قولة مثلا :

أنا الغريب فكل الناس تحسدني علي البيان وهذا موت حسادي

وهذه ظاهرة فاشية في تاريخ الأدب العربي ،وحسبك مثالا عل ذلك أبو الطيب المتنبي مع معاصريه وابن زيدون مع ابن عبدوس وغيرهم ...

الحياة العلمية :

ألتحق الشاعر في تعليمة الأولى بمدرسة ابتدائية تعرف بموسي بن نصير مدة ثلاث سنوات ثم انتقل إلي مدرسة في الحي الذي قضي فيه طفولته تعرف بالقدس . ولقد كان في هذه المرحلة متفوقا في دراسته ويأتي في الصف الصف الأول دائما ، كما درس في المرحلة المتوسطة "الإعدادية " بمدرسة حنين وأنتقل إثر ذلك ألي ثانوية الخرج ودرس سنة في ثانوية الأبناء ، وبعد ذلك ألتحق بجامعة محمد بن سعود الإسلامية في كلية الشريعة حيث درس الفقه والأصول . بالإضافة إلي تفوقه في حياته الدراسية فقد تبرز في إنشاد الشعر علي خشبة المسرح منذ الصف الثاني الابتدائي ، إذ عرف في هذه المرحلة بجمال الصوت ودفئه وفصاحة اللسان والقدرة العجيبة علي أداء مختلف الألحان لقصائد شعرية مشهورة . سواء علي منبر التقديم أم علي خشبة المسرح فإنه كان رابط الجأش ثابتا رزينا رزانة الكبار وفي ذلك دلالة علي درجة من الثقة بالنفس والجرأة أمام الجمهور وتلك كلها آيات من آيات قوة الشخصية وبعد الطموح ..
هذه خصوصيات اثمرت إحراز الشاعر الطفل علي مجموعة من الجوائز والشهادات اعترافا بجلال قدرة وسعة مداركه سواء في أنشاد الشعر وأداء الألحان أم في حفظ القرآن الكريم وتجويده .
ولابد من الإلماع في هذا السياق إلي الأثر العميق الذي خلفه فيه أستاذة الأديب الشاعر مصطف السروجي ، فقد التقي بة في المرحلة الرابعة من تعليمة الابتدائي فأعجب الأستاذ بتلميذة أيما إعجاب ، وتنبألة إثر ذلك بمستقبل ذي بال في فن الإلقاء وقرض الشعر والإنشاد ومما ورد في ذلك قولة للطفل الشاعر حفيظ بن عجب : " إني لم أر طفلا موهوبا بمثل ما وهبك الله بة فحافظ علي الطاعة وتمسك بكتاب الله تنج " (شهادة ) . وقد كان أستاذة في هذه المرحلة يختار له القصائد العربية المشهورة ويأمره بحفظها ثم يسمعها علية حتى أنة كلفة بحفظ دواوين بعض فحول الجاهلية كاملة ، كما ألزمه بحفظ القرآن الكريم وعلمه طرائق الإنشاد والإلقاء والخطابة ودربة علي خشبة المسرح وعل منبر التقديم ، وكان يصر علي أن يشارك في كل مسابقات الخطابة والإلقاء والإنشاد والتمثيل . ولقد طلب منة أستاذة مصطفي السروجي في إحدى مراحل الدراسة المتوسطة أن يشترك في دورة الإلقاء والتعبير المسرحي رغم كونه آنذاك أصغر المشاركين فحاز الشهادة بتقدير الامتياز ، كما حاز الدرجة نفسها يفي دورة أخري أقيمت علي مستوي المملكة وفي مسابقة الخليج للإلقاء والإنشاد . وثمة شخصية ثانية كانت لها يد في تكوين هذا الشاعر هي الأستاذ الشيخ عبد الله بن محمد الخليفة الذي كان مدير المدرسة الثانوية التي انتقل إليها الشاعر حفيظ بعد تعليمة الأولي . هو نفسه يقر لهذا الشيخ بالفضل والأثر البالغ في ألتزامة بالقضية الإسلامية وتوجيهه الروحي ،خاصة أن الشيخ عبد الله عبد الله بن محمد الخليفة كان رجلا صالحا تقيا ورعا .كما أن الثانوية نفسها كانت تعج بأساتذة قدوات في علومهم وأخلاقهم .
والجدير بالذكر أن أول خطوة في مسيرة الشاعر العلمية حفظه كتاب الله تعالى ثم حفظ سنة النبي " صلي الله علية وسلم " من مصدرين مهمين هما : بلوغ المرام من أدلة الأحكام لابن حجر العسقلاني ومختصر صحيح البخاري . ثم حفظ إثر ذلك بعض الأمثال العربية القديمة وهو مطلب ألزمه بة أستاذة مصطفي السروجي لأن الخطاب الشعري في جوهرة متعدد وصهارة لخطابات متنوعة وهذا ما سيلاحظه الدارس في الجزء التطبيقي من هذا المؤلف حول مرجعيات اللغة الشعرية في بعض قصائد الشاعر .
أما الجانب الفقهي والأصولي فله فيه مشايخ كثيرون ، إذ بالإضافة إلي دراسته كتاب زاد المعاد ومقدمه ابن قدامه في أصول الفقه فقد ارتبط خاصة بأعمال الإمام ابن تيمية الحراني وقرأ جميع كتبة وكتب تلميذة ابن القيم الجوزية قراءة متأنية . أما الذين اتصل بهم اتصالا مباشرا وتتلمذ عليهم فكثيرون ، ونذكر منهم علي سبيل المثال : - الشيخ محمد الحسن الددوالشنقيطي وهو أول المشايخ الذين أثروا في الشاعر إذ ساهم بشكل كبير في تشجيع حفيظ بن عجب علي طلب العلم الشرعي والاهتمام بالأدب العربي ، أما المواد العلمية التي أخذها عنة فهي الفقه والأصول والمنطق والحديث والتفسير وألفية بن مالك .

  • الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ولزم دروسه لمدة ثلاث سنوات في الفقه والعقيدة والحديث والتفسير .
  • ومن مشايخه في كلية الشريعة ممن درس عليهم القرآن هناك محمد عبد الوهاب من مصر والشيخ عبد الرحمن من الباكستان وكذا الشيخ محمد قطب .

أما الفقه والأصول فقد درسها علي يد الشيخ صالح الأطرم وعبد العزيز آل الشيخ وعبد الرحمن السدحان والشيخ محمد عبد الرزاق الدويش والشيخ السمهري وغيرهم كثير مما لا يسمح السياق بذكرهم .
ثم لابد من الإشارة إلي أن هناك شيخا لا يكاد الشاعر يفارقه ويعده من أعظم شيوخه ذاك هو مكتبته وكتبة ، |إنها تحوي أكثر من خمسة آلاف كتاب في العلوم الشرعية والأدبية وشتي العلوم المختلفة ومنها ألف ديوان شعر لشعراء جاهليين وإسلاميين ومعاصرين ومتأخرين .. ولعل غني مكتبته الخاصة يرجع إلي ولعة المبكر بقراءة الكتب حتى أنه كان لا يشعر بمن حوله من الناس إذا كان منهمكا في قراءة كتاب كما يرجع ذلك إلي تفطنه منذ صباه إلي قيمة الكتاب فكان يوفر المال لينفقه في اقتناء الكتب وامتلاكها حتى أنة يترك الأكل ويشتري الكتب بدلا منه ، وكان ربما تحايل علي والدته ليشتري كتبا جديدة نزلت إلي السوق . وهكذا امتلأ البيت بالكتب حتى أصبح المكان يضيق بها وضاقت والدته بها ذرعا .
وكان مما غنمه من هذه المكتبة الخاصة التفتح علي علوم شرعية موازية كعلم الفرائض والمواريث الذي أخذ في تدريسه إجازة من مشايخه كما حصل علي إجازة في تدريس القرآن الكريم بقراءة حفص عن عاصم وإجازة ثالثة في تدريسه ألفية بن مالك وتدريس المنطق والحديث والفقه ، أما سيرة النبي " صلي الله عليه وسلم " فقرأها قراءة المولع من مظان القدماء ، وحاول الإحاطة بكل ما جاءت به كتب السيرة إلي أن أصبح يدرسها في المسجد كما يدرس باقي العلوم الشرعية .
ولم تكن وجهة طلب العلم وتعليمة اختيارا انفاقيا عند الشاعر بل هو مبني علي تصور إسلامي هو أن العلم يلزم عنة العمل كما يلزم عنة تعليمة للناس لأن تلك كانت هي مهنة الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام .
مسيرة الإبداع الشعري لدية : سبقت الإشارة إلي أن حفيظ بن عجب قد لهج بالشعر وهو لم يتجاوز التاسعة من عمرة ، فتنبألة الأقربون بمستقبل حافل في هذا الباب . وبالإضافة إلي ما كان حفظة من آي الذكر الحكيم أهاب به أستاذة أن ينهج النهج الأصيل في الإبداع الشعري ، وذلك بحفظ عيون الشعر العربي ونسيانها ، فانصقلت بعد ذلك ملكته واشتدت آلته . ومن الشعراء الذين مثلوا ذلك الموروث المحفوظ في ذاكرته :

  • من الجاهليين : امرؤ القيس وزهير ، وعنترة ، والنابغة، والخنساء ،وطرفة بن العبد والأعشى الكبر . وستظهر الآثار الخاصة بهؤلاء في خطاب حفيظ الشعري ضمن الجزء التطبيقي في هذا المصنف .
  • ومن الإسلاميين : حسان بن ثابت وجرير والمتنبي والبحتري وأبو تمام .
  • ومن المعاصرين : أحمد شوقي والبارودي والجواهري وحافظ إبراهيم .
  • ومن المتأخرين : نزار قباني وعلي محمود طه وسليمان العيسي والبياتي ووجيه البارودي وغيرهم .
    إن خصوصية تنوع هذا الموروث ظاهرة في نهج الشاعر الخاص في دواوينه التي يتعايش فيها القديم والجديد تعايشا سلميا دالا علي انسجام في الرؤية والتصور لحقيقة الشعر ووظائفه . وهو حينما يسأل عن كيفية إنتاج الشعر كان يجيب بقولة " أنا لا أنتج شعرا ولكنة هو الذي ينتجني " حتى أنة في خطبه لا يكاد يكف عن المزاوجة بين الشعر والنثر فلا يتردد في إدراج مقاطع شعرية ضمن خطب الجمعة أو خطب المناسبات الدينية وغيرها . ومن آيات إلحاح الشعر علية أن ليس هناك زمان أو مكان شاعري يتخذه برجا إبداعيا بل قد يأتيه الدفق الإبداعي وهو في سيارته أو بين الناس أو وحدة .. وربما أتي علية حين ارتجل فيه القصيدة ارتجالا وخاصة في بعض المنتديات الأدبية والثقافية كما هو الشأن في قصيدته ( الدالية ) .
    ولم ينحصر إبداعه الشعري في مجال محدد رغم صدوره في كل قصائده عن تصور إسلامي واضح المعالم .
    وهكذا انشد قصائد في فن الرثاء أهمها تلك التي رثي فيها زوجه الأولي التي هلكت بسرطان فاتك ، وأشهر ما قاله فيها قصيدتا " أين ذالك العهد منا " و " مررت تلك الدار " .
    أما شعره السياسي الذي يمثل ديوان " نجوم السماء " نموذجا له فقد استغرق من شعره الثلثين أو يزيد لأنة جوهر التوجه الذي ارتضاه لنفسه والنهج الشعري الذي اختاره لإبداعه علي أساس كون الكتابة رسالة حضارية .
    كما نبغ في شعر الغزل منذ صباه ، دليل ذلك أن أول قصيده قالها إنما غزلا . كما أن أول ديوان نشره الشاعر أخذت فيه قصائد الغزل الحيز الأكبر . وهو مقل في غرض المدح إذ لم ينتج سوي قصيدتين اثنين في هذا الغرض ، الأولي في مدح الرسول ( صلي الله علية وسلم ) والثانية كانت في الوفاء لأستاذه مصطفي السروجي . ولما كانت القيم المثلي هي الموضوعة المركزية في كتاباته الشعرية فقد عمد إلي قصائد كثيرة مما لم يرضي عنها فأحرقها عن آخرها . وهي تمثل في الجملة مرحلة البدايات الأولي من حياته الأدبية . ومن الأغراض الشعرية القديمة التي قال فيها غرض الهجاء ، غير أن وظيفته لدية لم تكن هي وظيفة القذف في الأعراض والأنساب أو إيقاظ النعرات القبلية أو العصبيات المحلية وغير ذلك مما يلاحظه الدارس في شعر القدماء ، إن هذا الغرض عند نابغة الجزيرة يقوم علي تصوره لوظيفة الشعر وعده رسالته حضارية سامية ، وفي هذا الإطار

تندرج مهجيته في نزار قباني لما تجرأ في بعض قصائده علي لفظ الجلالة ووضعه في سياق مشين لا يليق به إذ ذاك انبري له الشاعر بقصيدة هجاه فيها هجاء مقذعا ما عهدناه منه ولكن الغلظة تدعوا إلي الغلظة والحديد ليس يفل بغير الحديد ومطلع هذه المهجيه قوله :

نزار لماذا تجاوزت حدك قل لي أجبني ياطاغيه
تجرأت حتى علي الله إني رأيتك تسعي إلي الهاوية .

ولقد سبق في سياق الحديث عن حياة حفيظ ذكر المكانة التي يحتلها أدب الأمثال في ثقافته ، ولقد أتي هذا الفن الأدبي أكلة في إبداع الشاعر في غرض شعر الحكمة فقد صدر فيه عن سعة المدارك وتعدد الاهتمامات وتراكم المقروء من تراث الأسلاف في مختلف حقول المعرفة . وهذا الملمح الفني يلاحظه الدارس في كل قصائده حيث يحضر النفس الحكمي بدون انقطاع . ومن النماذج الممثلة لهذا المنحى قولة :

من أراد الحياة بطشا وظلما واستهان الضعيف ما عاش كلا

وقولة :
وإذا ساد في البلاد رقيع زاد في الناس قتله والعلول .

وقوله أيضا :

من سعي نحو راية يرتجيها أوسعي نحو شهرة لاسواء ..

وثمة غرض شعري آخر أكثر بروزا في كل دواوينه هو شعر الفخر الذي أبدع فيه أيما إبداع إلي حد أنه كان يرتجل فيه ارتجالا ومن ذلك مثلا قولة في داليته المشهورة :

قيل استمع قلت هات الشعر ياحادي وأسمع الناس عذب اللحن في النادي
وأنثر زهورك فوق الروض منتشيا فـأنـت تنشد شـعر الشـاعر الشــادي
اليوم تنشد شعري والورى ثمل سكران لم يسـتفق من نومـه الهـادي
وفي غد يستفيق الناس من حلم فيعـلما أنـهم قــد ضـيعـوا الحـــــادي
فيندمون عل ماضاع من شرف وشاعر كان ملء الســــهل والــوادي
ويذرفون دموع الحزن في كمد علي الذي كان للمسترشد الصـــــادي
كم كان يحزن إن قالوا بــأمتنا قتل ويفرح إن قـــالوا علي العـــــادي

والحس الديني ظاهر في دقة اختيار الكلمة المناسبة لسياق التخاطب ، ففضلة الحال " مسلما" في قوله فبزغت من بين النجوم " مسلما " كان ممكنا أن تستبدل ب " متحديا " أو غيرها غير أن الناس يخاطبون أولا بالسلام ، ولعل ثقافته الشرعية المتينة هي التي وجهت اختياره هذه الوجهة دون غيرها .

فبزغت من بين النجوم مسلما وأجبتهم إني أنا المتكلم

إن لنزوع الشاعر هذا المنزع في شعرة أسبابا ترجع إلي تاريخه الشخصي ، إذ كان في طفولته محط اهتمام خاص كما كان أبي النفس طموحها . فغرض الفخر الذي لا تكاد تخبو جذوته في شعره ثمره من ثمار هذا الواقع المعيش لدية منذ الصبا ، وثمة سبب ثاني يتصل بمقروء الشاعر فهو كان مولعا بحفظ قصيد الشعراء الكبار من أمثال المتنبي وجرير ومن سبقهم من فحول الجاهلية ، وهذا ما زرع فيه شتيله التهيب والتسامي إبداعا وروحا ومبادئ .
أما عن بداياته الأولي في قرض الشعر فقد كانت محاولات متفرقة يقول فيها البيت أو البيتين بالعامية تارة وبالفصحى تارة أخري وذلك منذ الثامنة . وفي التاسعة كتب قصيده موزونة تعجب منها من سمعها فلم يصدقوا أنه هو قائلها ، ومنها قوله :

لما رأيت نسيم الصبح داعبني بكيت حتى كأن الدمع اشغلني

ولا يكاد أحد يصدق أن يكون هذا القريض المستوي مبنى ومعنى ووزنا وبيانا لطفل في التاسعة . ولعل شعلة الطموح التي ما خبت لديه قط قد كانت وراء هذا الدفق الإبداعي الذي يصدح به قوله وقد كان طفلا :

أنا حفيظ وكل الناس يعرفني لكنني حين أبني الشعر قد ألم

وليس يمكن أن يفهم من هذا الفخر والطموح كبرياء أو كبرا فشخصيه الشاعر ذات انسجام سيكولوجي أساسه العقيدة الصحيحة فمع قمة الطموح يلاحظ المرء في شعره قمة التواضع .

اهتمامات الشاعر ومواقفه : -

لاشك أن حفيظا بن عجب آل حفيظ ليس رجل سياسة ولا ناقد ولا فيلسوفا بل شاعر حتى النخاع ، نلك علية هذا الجنس الأدبي القلب واللسان حتى إن لغة التخاطب اليومي عنده تصاب أحيانا كثيرة بعدوي التوقيعات الموزونة . لكن علي الرغم من ذلك ، وفي إطار الكلمة الإبداعية دائما ، فإن لهذا الشاعر اهتمامات أخري كثيرة علي رأسها فن الخطابة ، وهي تمثل الشق الثاني من ابداعاتة الادبيه ، وهو فن شغف به منذ الصغر وحاز فيه قصب السبق لما اشتد عوده واستوت آلته الإبداعية علي سوقها شاهدة له بالتفوق وبز الأقران . وذلك أن حفيظا بن عجب قد أضحي خطيبا منذ المرحلة المتوسطة وهو لا يزال يبدع في هذا الفن إلي اليوم لكن لاينبغي أن يفهم من ذلك أن الخطابة عنده هواية أو حرفه بل هي أداه دعوه إلي الله تعالي لايتصنع فيها ولايتعمل خاصة وان اغلب ما قاله في هذا الباب أنما كان مرتجلا . ولعل ذلك راجع إلي كثره انشغال الشاعر بهموم الأمة الاسلاميه وحمله وزر التفكير في مصيرها وفي أحوالها المتردية سياسيا واجتماعيا وثقافيا ودينيا .. حتى إن هذا الهم قدا ستغرق الجزء الأكبر من إبداعاته شعرية كانت أم نثريه ، بل إن الشعار نفسه الذي اختاره لمسودات إبداعه الشعري أو رسائله الخاصة قد بناه علي تصور جهادي ، وهو شعار مؤلف من ثلاثة عناصر ذات شأن في حياه الامه : القلم والورقة والسيف . وإذا كان أبو تمام قد خفض في بائته المشهورة الكتب ورفع شأن السيف ، فإن شاعرنا هاهنا قد قلب الآية وجعل المركزية للقلم الذي يظهر علي " اللوحة " شامخا صادعا بكلمه الحق .. وقد يمكن تأويل انبطاح السيف علي أسفل الورقة بنزوع صاحب الشعار منزعا سليما ، غير أن حضوره كمكون أساس في اللوحة يوحي بالمعني الذي أشار إليه أمل دنقل في إحدى قصائده بعنوان " مقتل كليب " وهو قوله :
" لا تصالح وأن منحوك الذهب لا تصالح "!.
ولقد دعا التصور الرسالي لفن الشاعر إلي الالتحاق برابطة الأدب الإسلامي العالمية ، فأصبح من أعضائها النشيطين لأن تصورها للأدب وافق منهجه وفكره ومذهبه في فن القول ، فبرز علي شعراء آخرين في مناسبات كثيرة قرئ فيها الشعر في أطار أنشطه الرابطة . وبعد فأن للشاعر حفيظ بن عجب مواقف نقدية جادة من بعض قضايا الفكر العربي المعاصر نذكر منها علي سبيل المثال :
موقفة من التغريب : إنه يرفض الانفتاح المفضي إلي الإنمساخ و ذوبان الشخصية الإسلامية في الآخر ذوبانا يفقدها خصوصيتها ومقوماتها الحضارية ، وفي مقابل ذلك يدعوا إلي المحافظة علي القيم الإسلامية وأخلاقيات الإنسان العربي الأصيل ، ولا ينبذ الانفتاح تماما بل يقبله شريطه أن يكون مؤطرا بقيود الشرع كي لا يتحول إلي عنصر مشوش علي طبيعة تصور الإنسان المسلم للكون والحياة ، فهو لا يرتضي من مظاهر الحضارات الوافدة علي أبناء الأمة الإسلامية إلا ما ينسجم مع هذا التصور .
وفي هذا الإطار يدعوا إلي الانفتاح علي الآداب العالمية كالمسرح والسينما والقصة والشعر والفنون الجميلة . فمن المعلوم أن الشاعر حفيظا من الذين يطيلون الوقوف علي اللوحات ، وخاصة منها ذات الملامح الطبيعية إذ الوقفات التأملية في هذا الفن تستغرق لديه وقتا طويلا . ولا غرور فهو مغرم بالتأملات الفكرية ألاعتباريه منذ صباه ، إذ كانت تسترعي انتباهه أشياء كثيرة يمر عليها أقرانه فلا يأبهون لها ولا تحرك فيهم ألا فضول .
منازعته شعراء الحداثة : في هذا السياق يعتب الشاعر علي الدنيا أنها سمعت من غيره شعرا يبعدها من الله تعالي ويقربها من الشيطان وهو يريدها أن تسمعه وتعرض عن غيره ، يقول في ذلك :

أنا الذي عاتب الدنيا ومن فيها لأنها سمعت من غير حاديها
لأنها سمعت من عير شاعرها شعرا عن الله يغويها ويقصيها

ومن مظاهر هذا الانتقاد النهج الفني الذي سلكه في هجاء نزار قباني بحيث استقي المادة المعجمية من لغة الخصم فرد بذلك سنانه في نحره حتى أن نزار لما وصلته القصيدة لم يطق أن يجيب عنها . ومما جاء للشاعر في هذه القصيدة قوله :

نزار لماذا تجاوزت حدك
قل لي أجبني أيا طاغية
تجرأت حتى علي الله إني
رأيتك تسعي إلي الهاوية
ألست تخاف من النار إني
نذيرك إن كنت تخشي النذير
إلي أن يقول :
أجب يا صفيقا رأي
نفسه في ثياب النساء
................................فبات يفكر فكر النساء
................................وقام يعيد هموم النساء
وأضحي إذا ما تفاخر يفخر فخر النساء .........

ومع هذا فإن الإنصاف يقتضي منا الإشارة إلي أن موقف حفيظ من نزار ليس هو موقف حفيظ المسلم ، فهو حينما يسأل عن شاعريه نزار لا يوارب ولا يمرىء بل يقول بملء فيه : إنه يحاول كشف أسرار الشاعرية في لغته الإبداعية ذاهبا إلي أن نهجه هو السهل الممتنع بل إن حفيظا لا يخفي إعجابه بنزار الشاعر إلي درجه التغني ببعض قصائده . هذه درجه قصوى من موضوعيه الشاعر المسلم الذي لا يعميه تصادم المبادئ عن جزء من الحقيقة الشعرية ومن آيات ذلك مثلا رفضه أن يسمي الشعر النبطي شعرا شعبيا ، فالصفة في رأيه مضلله ، ذلك لأن الشعر العربي هو الشعر الشعبي الدارج علي أفهام الناس ولهذا كانت لغته هي لغة القرآن الكريم . وهو بعد ذلك يؤثر عبارتي الشعر النبطي أو الشعر العامي . وقد كان حفيظ من البارزين في هذا النوع من الإبداع الشعري ، لذا فقد طلب منه مرات عديدة أن يقوم بنشره نظرا لتميزه فيه إلا أنه كان يرفض لأنه يعتبره منازعا للغة العربية الأم .
تصوره للشعر : لابد أن تترك في هذا السياق ، المبادرة للشاعر نفسه فقد وردت له قصائد عده ضمنها موقفه ذاك . ومنها مثلا قوله في قصيدة تحت عنوان : وصف قصيدة من ديوان أين ذاك العهد منا :

لي بين أضلاعي نداء قـصيدة
شـماء ليسـت مـثل أي نــــداء
يتواضع الشعراء عند سماءها
ويموت عند سماعها أعـــدائي
تسمو علي كل القصائد رفـعة
وتسود فوق روائع الشــــعراء
عصماء ما نطق البيان بـمثلها
حسنا ولا سمعت مع الفصحاء
عنقاء تنبض بالجمال وتنتشي
فـكأنـها تمشي عــلي الأنـــداء
كل اللآليء جـمعت في جيدها
وتري بها من حكمه الحـكماء

وقد سبق له في قصيدة ثانيه أن ركز علي ضرورة الصدق الفني وجماليه الخطاب الشعري ، الجمالية التي تمتح خصائصها من هدي الحق وعبر الحقيقة ، وبما أن القصيدة تتميز بالوحدة الموضوعية فلابد إذن من إثباتها في هذا السياق كاملة غير منقوصة لتفي بالقصد :

ما هو الشعر ؟!
ما لشعر ؟ قلت لهم حكايات الورى
يحكي بها في الناس كل ضنين
والشعر مزرعة الفضيلة نبتها
صدق ، وإخلاص ، ونور يقين
والشعر حمحمة الزمان إذا بكي
يشكو الظلوم علي الذي يحميني
والشعر آهات الحروف إذا شدت
بالــحزن تـكـتب آيــــة التـنويـن
والشعر مرآة لصاحبه الذي
يشدو بصدق مـــشاعر التضمين
والشعر قافيه الزمان إذا رسا
بالـــــحق فوق مرافئ التـــحسين

فمن خلال هاتين القصيدتين يمكن الخلوص إلي خصائص الشعر عنده :
أولا:- الخطاب الشعري خطاب جمالي وهذه السمة أساسها القيم المثلي والمعاني السامية .
ثانيا : - الخطاب الشعري مسؤولية وقضية، فالشاعر حفيظ لاينظم القريض للمتعة بل يقرضه لأنه يلح عليه ، والملح في الحقيقة هو هم التفكر في حال الأمة وآمال خلاصها من إسار التخلف .
ثالثا : - الخطاب الشعري رسالة ومن ثم لزم أن يكون سهلا علي الأفهام لاتقعر فيه ولا تعمل .
رابعا : - البنية الإيقاعية في الشعر من الثوابت التي يرفض الشاعر حفيظ التخلي عنها ، مع فسح المجال لإمكانيات كثيرة للتجديد في الإيقاع في إطار تفاعيل الخليل .
أما ما يحلو للبعض تسميته بقصيدة النثر فهو يرفضه ويعده هجنه .
والظاهر أن هذا التصور قد التزم به نابغة الجزيرة إلي حد بعيد ، فما من خاصية من الخصائص إلا ويظهر لها الأثر العميق في بنيات قريضه معجما وتركيبا ودلالة وإيقاعا وبيانا ومرجعيات .. وهذا ما سيحاول الفصل الثاني من هذا المؤلف بيانه .

المناهل الأثيرة

في شعر نابغة الجزيرة

شعرية البيان والإيقاع والحجاج عند حفيظ الدوسري

د / أحمد عبد الحق مبسط

مـقــدمـــــة

لقد استمتعت بقراءة هذا البحث أيما استمتاع لأسباب منها : -
1:- أنة عرف القارئ العربي بشاعر أصيل من شعراء الأمة العربية ذوي الملكة الشعرية التي لايخطئها الذوق الرفيع والأذن المرهفة ، إذ يتقاطع شعر الشاعر مع شعراء العربية الأفذاذ قديمهم وحديثهم وعهدي بالباحثين قد طرحوا جانبا التعريف بالشاعر وبيئته وثقافته فأبي الباحث عبد الحق مبسط إلا أن يعيد للترجمة أمجادها فعرف بالشاعر تعريفا موجزا غير مخل وهو مدخل لامناص منة لمن يريد دراسة شعرة فمن يستطيع أن يعلم أنة خطيب ومهتم بالمسرح وحافظ لكتاب الله عز وجل ولدواوين فحول الشعراء لولم يطلع علي سيرة حياته ؟ .
2:- أنة درس شعر الشاعر حفيظ الدوسري من عدة زوايا تتقاطع وتتكامل فيما بينها كالإيقاع والصورة والحجاج وقد أعطي كل عنصر من تلك العناصر حقه من البحث والتحليل والتمحيص ليسبر غور شاعرية الشاعر وقد اتسمت الدراسة بثلاثة عناصر أساسية وهي :-
الرصد والتحليل والتأويل
فأما الرصد فاعتمد علي الإحصاء العلمي الدقيق لينفذ منة إلي دراسة الظواهر الأسلوبية والإيقاعية والحجاجية .
وأما التحليل فأبان فيه عن سعة اطلاعه ومعرفته بروافد شعر الشاعر الظاهر منها والمخبوء .
وأما التأويل فينم عن نضج ملكة النقد المدعوم بملكة الذوق لدي الباحث .
3:- أن لغة البحث لغة واضحة أصيلة تمتح من معجم ومصطلحات نقاد العربية الأفذاذ وعلي رأسهم عبد القادر الجرجاني فكأن الباحث يحثنا علي الاحتفاء بالجوانب المضيئة من تراثنا النقدي والبلاغي لما له من كفاية وطلاوة
4:- أن الباحث نفذ إلي أغوار شاعرية الشاعر المتمثلة في الحجاج ورأي أن هذا الفصل هو تركيب لكل الفصول السابقة ومن ثم للتجربة الشعرية عند الشاعر وهو فصل ممتع حقا تصوراً ولغة وتحليلاً وتعليلاً .
كأني بالباحث قد أمسك بمفتاح شاعرية الشاعر المتمثل في الحجاج ، فإذا علمنا أن صاحب الشعر ذو رسالة إصلاحية تستمد جذورها من الإسلام الصحيح وإذا علمنا أنة خطيب ترسخ لدينا أن الحجاج هو أقوي اسلحتة للدفاع عن رسالته من الشبهات ليخرج الملتقي من الجهل والشك إلي النور واليقين ، ذلك السلاح الذي يخاطب العقل بالمضمون ويخاطب العاطفة بالإيقاع والتصوير هو الركيزة الأساسية لدي الشاعر وقد أتت قوة هذا الفصل وجمالة لكونه وقع علي السر المكنون في شعر نابغة الجزيرة .
غير أن ثمة أنواعاً من الحجاج لم يتعرض لها البحث وهي من أهم خصائص شعر الشاعر أري أن من الضروري أيضا إيضاحها لتكتمل الصورة :-
الأول :- الحوارية .. واعني بها أن الشاعر – إمعاناً في الحجاج – لا يحتكر الكلام لنفسه بل يفسح المجال للمخاطب لكي يدلي بدلوه يتجلي ذلك في قصيدة " قالوا " ( من ديوان : نجوم السماء ، ص 190 ) فإن المحاور هنا يمطر الشاعر بوابل من الأسئلة حو موقفة من العشق والملذات والمجد الخ .. فأتت أجوبة الشاعر مدعمة بحجج من الصعب دحضها مثل قولة في المطلع :-

قالوا :- أتعشق ؟ قلت : لست بعاشق هل في زمان الظلم من قد يعشق ؟

نلاحظ هنا أن الشاعر أجاب السائل بجنس لفظة وهو الاستفهام ،غير أنة استفهام يتضمن جوابه فيه فكأن يقول – بالقياس المنطقي :-
العشق والظلم لا يجتمعان
أنا أعيش في زمن الظلم
إذن فأنا لســــت بعاشـــق

بل أنة يعمم تجربته علي كافة الناس كما في قولة ( من قد يعشق ) ؟
وتتجلي الحوارية الملمح إليها بشكل آخر في قصيدة المستحيل ( ص 180 ) من الديوان السابق نفسه سألته السائلة عن أسباب أساة وبكائه فأجابها إجابات مقنعة لأنها مدعمة بحججها معها كما
إني بكيت’ للآنــــي أري الزمان يميــل
قد مال في كل شيءٍ وضاع فيه الهزيـل
يحيا الأصيل’ دخيلاً وفية يحمى العميــل’
نحــيا بـــة كذبـــــابٍ يطير وهـو عـليـــل’

لقد اختلت القيم فضاع الحق واستأسد العميل ،ومن الناحية المنطقية فإن العقل لايقبل الإخلال بمبدأ الهوية .
الثاني :- الرمز : والمقصود بالرمز هنا هو تكرار بطريقة مخصوصة ، وذلك أن من التكرار ماله ارتباط باللاشعور إذ يصبح اللفظ المكرر بمثابة " المكبوت " الذي يظهر علي السطح – سطح الشعور – بعد أن يلبس قناعاً . ومن المعلوم أن المز ذو قوة حجاجية كبيرة آتية من غموضه وجماليته معاً .
والظاهر أن رمز " الطيف " يقوم بالوظيفة المشار إليها سابقا فقد حضر بكثافة في شعر الشاعر كما هو مبين في الدراسة ، غير أن حضوره ليس كمياً بقدر ماهو نوعي فطيف الدوسري ليس من قبيل طيف شعراء الغزل القدامى الذي كان يؤنسهم ويدغدغ مشاعرهم ويخفف ألامهم . إن طيف الدوسري طيف مزعج بأسئلته لجوج في حواره ، وهو طيف " رسالي " كما يتجلي في عنوان قصيدته " طيف يسأل عن حال الأمة " (ديوان نجوم السماء ص 69 ) .
في هداة الليل عاد الطيف يسألني أهذه أمتي نامت ولم تقم ِ؟

وشتان مابين الطيفين طيف المحبوبة وطيف " الرسالة " إذ الطيف الأخير لايزور الشاعر في الليل كما هوحال الشعراء ولكنة ساكن في سويدائة وحشاشة نفسه (اللاشعور بالمعني الفرو يدي ) أنة طيف يمت إلي الإسلام الصحيح بأوثق الصلات في الوقت الذي يزود الناس عن تعاليمه وقيمه إنها لمفارقة حقاً أن تجأر الأطياف بالشكوى مكان الأحياء من الناس . تلك وظيفة الطيف عند الشاعر مع مايتضمنة ذلك من مفارقة وسخرية .
وفي إجابات الشاعر للطيف ما يدل علي حيرته في الوقت الذي كان فيه الطيف يعيش علي اليقين ثابت الجأش .
الثالث :- السؤال الإشكالي : وأعني بة هنا السؤال الذي يلقي علي المتلقي – وهو يتضمن إشكالاً أساساً- ويترك بلا جواب ليقوم المتلقي بنفسه ليجد الإجابة من عنده وهذا النوع من الأسئلة هو" فخ " ينصبه الشاعر للقارئ للييستفزة ويحثه علي الخروج من منطقة الجمود الفكري والكسل العضلي إلي منطقة الفعل الإيجابي ، ومن أمثلة ذلك ما جاء في قصيدة " كشمير " . ( في ديوان : نجوم السماء ص 23 ) .

يأمة الإســــلام طـــــال طريـقــنا فإلي متى يقضي علينا الفدفد’ ؟
وإلي مـتى الـــذل المقـيـت مخـيـم وإلي مــتى لا يحوينا الأجرد’ ؟
وإلي متى والمسلمون علي الهوى قد طالما صاح الهوى يستنجد’ ؟

إن الشاعر حفيظ الدوسري شاعر موهوب في شعره درر أستطاع الباحث القدير د / عبد الحق مبسط استخراج أكثرها بحسه النقدي والإبداعي ولاشك أن في قاع البحر درراً أخري تحتاج إلي من يعيد الغوص عليها ليستخلص بعضها ذلك أن درر الشعر مثلها مثل درر البحر كنز لا ينفد ..

وبالله التوفيق ،،،،

بقلم الدكتور محمد بلاجي
أستاذ التعليم العالي بكلية الآداب
جامعة الحسن الثاني عين الشق المغرب
الدار البيضاء في 28/6/1999 م

رجل بألف رجل( رجل بأمة)الدوسري الشكري ابن حفيظ


شيخ وداعية وشاعر وامير حق لنا معشر الدواسر أن نفخر به
يملك زمام العلم والمعرفة والبيان والفصاحة والصدق والاخلاص
لا يخاف في الله لومة لائم
له العديد من الخطب والمحاضرات والندوات
يملك القدرة على الارتجال في الشعر الفصيح والنبطي
يحمل هموم الامة في كل لحظات حياته يحزن لحزنها ويفرح لفرحها
يسابق في الاصلاح بين الناس وينفق في ذلك الغالي والنفيس
يحبه ابناء قبيلته ويقدرون علمه ومكانته وفضله وهو من امراء الشكرة
ذلكم هو الشيخ الشاعر و الداعية المعروف

حفيظ بن عجب بن فيصل بن عجب بن محمد بن فرج بن حفيظ الشكرة الدوسري، وكنيته أبو عبدالرحمن ولد في مدينة الخرج سنة 1392 هجرية، وحصل على بكالوريوس كلية الشريعة جامعة الإمام محمد الإسلامية سنة 1416هـ، تخصص الفقه وأصول الفرائض، وهو عضو رابطة الأدب الإسلامية العالمية.

حاصل على شهادات في الإخراج والإلقاء والتعبير المسرحي بتقدير ممتاز، عمل معلماً في المرحلة الثانوية لمدة خمسة عشر سنة وهو حافظ لكتاب الله تعالى ومعه إجازة بذلك.

صدر عنه:
1- قراءة غير عادية فى تجربة حفيظ الدوسري الإبداعية أ. محمود عبد الصمد زكريا
2- براءة الضد الجميل (قراءة فى ديوان أغاريد العذاب للشاعر حفيظ الدوسري) أ. محمود عبد الصمد زكريا
3- إطلالة على الملامح الفكرية فى شعر حفيظ الدوسري أ. إبراهيم عباس غانم
4- المناهل الأثيرة فى شعر نابغة الجزيرة د. عبد الحق مبسط
5- كشجرة طيبه دراسة نقدية فاحصة د محمود زكريا
صدر له العديد من الدواوين منها: 1-شوارد البيان، 2-لحظات ندم، 3-الأقصى والشرف،4- أنا وليلى، 5-نجوم السماء،6- لغتنا والقتلة، 7-سرطان العصر،8- أغاريد العذاب9-سدرة الحرف 10-احلام مجنون 11-قحط المحبة 12-نبض الخافقين 13-اين ذاك العهد منا 14-وأنا أنا 15-ليل الغربة 16- فارس واجه المستحيل 17-رواية ضياع دار تحكي واقع الامة الاسلاميه 18 -الحان نبطيه ديوان شعر نبطي
19 ديوان الشعر النبطي ثلاثة اجزاء - له خطب ومحاضرات مشهورة مثل طاغوت العصر -السلاح السلاح - قادمون -صابرون - براءة- وغيرها كثير ، وله العديد من

>>
© 2024 - موقع الشعر