عبيد العبيد - ابراهيم الاسود

بأي عذر ٍ إلى التاريخ نعتذرُ
ممّا أساءت له سَوْءاتُنا الكُبَرُ

أزرى بنا حين خاطرنا بذمتنا
فاجتاحنا ضارباً ناقوسه الخطَرُ

جواً .. وبحراً .. وبراً ، في مصائرنا
تحكَّم النسرُ .. والتمساحُ .. والنمِرُ

و نازعتنا الجهاتُ الستُّ وجهتنا
الفوقُ والتحتُ ثم الأربَعُ الأ ُخَرُ

في كمب دافيد إجرامٌ أعِدَّ ، وفي
أوسلو اجتماعٌ ، وفي مدريد مؤتمرُ

و زُعزعت ثَمَّ أعلامٌ و أشرعةٌ
من السفينة ، والألواح والدسُرُ

والريح قاصفةٌ .. والشمس كاسفةٌ
والبدر منخسفٌ .. والنجم منكدرُ

وعُطلت طرق الإحساس في دمنا
الذوقُ والشمُّ والأسماعُ والبصَرُ

عشرون واثنان ، شالت من بيارقها
ثلاثةٌ ، وأطيحَ التسعةُ العَشَرُ

فلا قريشٌ ، ولا بكرٌ ، ولا جُشَمٌ
و لا تميمٌ ، ولا قيسٌ ، ولا مضرُ !

ممالكٌ ما أقيمت حولها جُدُرٌ
لكنها قد أقيمت بينها جُدُرُ

برقُ الصواعق ، رعدُ الطائراتِ ، إلى
غيم الحرائق،شاموا الغيثَ وانتظَروا

فبال بوشٌ على آنافهم كرَماً
فأعلَنوا الشكر ، ظنّاً أنهم مُطِروا

لم يبق من ديننا ، أو من عروبتنا
إلاّ الدعايةُ ، والأسماءُ ، والصُوَرُ

و جملةٌ من شعاراتٍ نرددها
يكاد من ثقلها التاريخُ ينأطرُ

ما نحن إلا صغارٌ في حقيقتنا
و بالقياس إلينا يكبرُ الصِّغَرُ

عوراتُنا كلها للعين ظاهرةٌ
أمّا الضمير لدينا فهو مستترُ

محرمٌ في لُهانا ، والرؤوسُ عَثا
فيها جُمادى ، وفي أجوافِنا صَفَرُ

واستحكم الذل واستشرى الهوانُ بنا
حتى قبلنا بما لا تقبلُ الحُمُرُ

نُهيبُ بالحظ يستبقي بقيتنا
و الحظ ليس له دخلٌ ، بل القدَرُ

لمّا اقتفينا هداةً ضل سعيُهمُ
ساروا بنا كيف شاءوا، لا كما أ ُمِروا

قال اذهبوا (حيث ألقَتْ) إنكم بشرٌ
على المجاز ، وإلا لستمُ البشَرُ !!

*** ***
من أي بقعةِ رمل ٍ عُربُنا خُلقوا

من أي طينةِ أرض ٍ سَبْخةٍ فُطِروا
الناسُ حَطّت على المريخ صاعدةً

و نحن في هُوّةٍ عمياءَ ننحدرُ
و الناسُ وحَّدها بغيٌ ، و واحدُنا

في ذاته اثنين مقسومٌ ومنشطرُ
غاباتُ ناس ٍ تهابُ العينُ كثرتَها

كأنها الشوكُ ، لا ظلٌّ و لا ثمرُ
نام الزمانُ وهم يقظى لآونةٍ

حتى إذِاستيقظت أعداؤهم شخَروا
و البعضُ قبل قيام المحنةِ انبطحوا

و البعضُ قبل اشتعال الفتنةِ انصهروا
و البعضُ قد أسلموا للغرب صانعِهِم

و بالعروبةِ و الإسلام قد كفروا
و هم بأسمى معاني القتل ماقُتلوا

لكن بأوطا معاني الأسر هم أ ُسروا
يا قدسُ لا تَرْجُ منا نجدةً أبداً

و لا يَغُرَّنْكَ أنّا معشرٌ كُثُرُ
ناموسُنا عاد كالناموس ِ ،إن عَصَفتْ

ريحٌ ، يغيبُ ، فلا عينٌ و لا أثَرُ
و يا عراقُ أغِثنا أنتَ ، مُتْ عَجِلاً

ليغتذي بك هذا الدود والحشَرُ
ثلاثمائةِ مليونٍ تضيقُ بهم

بقيةُ الوطن المنهوب لو قُبِروا
نبيع عشرين مليوناً ، يعيشُ بهم

عشرون لصاً ، ليقتاتوا ويتّجروا
لا ديننا ، لا غنانا ، لا عروبتُنا

لا جذرُنا الحر ، لا تاريخُنا العطرُ
أضفت على قُبحنا من حسنها طرَفاً

بل ليس يظهر منها عندنا أثرُ
و كلنا أمراءٌ ، لامناص لنا

من العبيد سوى تنفيذ ما أمروا
و كلنا عظماءٌ ، لا نُطيقُ لها

رَدّاً إذا نَهبَتْ أقواتَنا الهِرَرُ
و كلنا حُكماءٌ ، لا يُقاسُ بنا

إلاّ هَبنَّقَةُ القيسيُّ و النفَرُ
و كلنا علماءٌ ، من جَهالتِنا

يَهمي البلاءُ علينا مثلما المطرُ
و كلنا أدباءٌ ، من ثقافتنا

تُشوّهُ القيمُ العُليا و تندثرُ
و كلنا شُعراءٌ ، من حَماسَتنا

تَحمى الأسِرّةُ حتى تَقدح السُّرَرُ
... ... ...

الثأرُ يُلغى إذا ثارت غرائزُنا
و الوتْرُ يُمحى إذا ما دندنَ الوتَرُ

قد تخطر القدسُ في أذهان قادتنا
فلا يكونُ لها وزنٌ ، ولا خَطَرُ

و لا تُؤثِّرُ في وجدانهم أبَداً
إلاّ ( العيون التي في طرفها حَوَرُ )!

بنى لنا أوّلونا المجدَ شاهقةً
عِمادُه ، و علينا هَدمُ ما عَمَروا

هل سائل ٍ نفسَهُ بالجدِّ أو فَرَضاً
ماذا نقول لهم لو أنهم نُشِروا ؟

*** ***
يا أمّةً في ظلام الليل قابعةً

و إن في رَجَوَيْها الشمسُ والقمرُ
ضيّعتِ حزمكِ مذ ضيّعتِ طائعةً

وصيةً كان قد أوصى بها عُمَرُ
فالآن فاستنجِِدي للثأر أغربةً

تُعلي النعيق ، ولا نابٌ ولا ظُفُرُ
أو فاعلمي أنها حربٌ صليبيةٌ

صَمّاءُ عمياءُ ، لا تُبقي ولا تَذَرُ
إذِ العراقُ غدا بالحرب مبتَدَءاً

فيا لَسوأةِ ما يأتي به الخبَرُ
بيادرٌ حول نار ٍ أوقِدت عَبَثاً

من لم يطُله لهيبٌ طالَه الشّرَرُ
و لْتَرفعي بدلَ التيجان عاليةً

راياتَ عزٍّ ، هي الأقماطُ و الخُمُرُ
(وفاءُ) (آياتُ) (إيمانٌ) و زمرتُها

و (درةٌ) حسدت أمثالَهُ الدررُ
بهؤلاء يُشَقُّ الفجرُ منبلجاً

إن فجّروا هدفاً ، أو إن همُ انفجروا
لا بالذين إذا قِط ٌّ تَثاءبَ ، أو

دجاجةٌ قَوقَأتْ في حَيهم ذُعِروا
دعوا أطَيْفالنا يحمون عزتَنا

فربما قلّدونا إن همُ كَبِروا
الأمرُ أكبَرُ من طفل ٍ و من حجَر ٍ

و الطفلُ أكبَرُ من أمر ٍ له ائتَمَروا
أسلافُنا أدركوا هذا و حكمتَهُ

فكان من أجل هذا يُعبَدُ الحَجرُ
يا مسلمونا ، و يا أحرار أمتنا

تنبهوا يا أ ُلي الألباب واعتبروا
النصرُ أقرب من حبل الوريد إذا

شئتم ، و شرطه ميسورٌ ومختصَرُ
( إن تنصروا الله ينصرْكم ) إذاً فضَعوا

في البالِ (إنْ) ، و ثِقوا أنّا سننتصرُ .
© 2024 - موقع الشعر