النهر الظامئ - محمد الفيتوري

أريد أن أعشق.. أن ألمس الأعماق..
أن ألمس أعماقي..
أن أعبد الله كما لم أكن أعبده
في عمري الباقي
بي ظمأ.. بي ظمأ قاتل
فأين ينبوعك.. يا ساقي!
أكاد لا أبصر حيث ارتمت عيناي
إلا دم أشواقي..
أطفئ بإعصارك هذا اللظى الأسود
في قلبي.. وأحداقي
أطفئه إني نهر ظامئ للحب
في جنة عشاق..!
إن هزت الريشة في أنمل الرسام..
في سكرة إبداعه..
فالصورة الشوهاء ما ذنبها
ألم تكن غلطة إسراعه
وكيف تشقيني بما لم تكن لي طاقة
في رسم أوضاعه..
سئمت جدبي في ربيع الورى..
وظلمتي في نور أمتاعه..
وثورتي في ظل أحلامه
وصرختي في صخر أسماعه
سئمت ضعفي..
آه للبئر لو لم تطلع الشمس على قاعه!
وآه لي لو لم يعانق دمي كرمتها..
كرمة أحلامها..
وآه لي لو لم يذوب فمي..
هذا الجفاف الضخم.. في جامها
ولو تدثرت بموتي، ولم تلفني خضرة أيامها!
ولم أباركها بصوفيتي..
ولم تطهرني بآثامها..
لسوف أحيا في الورى ثائرا
على معانيها.. وأحكامها
محتقرا كل نواميسها
حتى ألوهية أصنامها..!
* * *
قالوا: لك الفن.. ولم يجتمع في كائن قبلك مجدان
والفن أشواق ألوهية تولد.. في أعماق إنسان..
والفن أقباس سماوية
والناس ألعوبة فنان
فخل للفنانين دنياهم..
فإنها معرض ألوان..
وامش بآلامك في عيدهم
فإنها آلام رحمان
واحمل بجنبيك جراحاتهم..
وخلد القسوة في الفاني!
فقلت، والرغبة في داخلي..
عاصفة.. ماردة.. عاتية..
يا ليتني راع، عتيق الرداء..
ذو عصا، مشقوقة، باليه..
شرابه من دمعة الساقية..
وقوته من مهجة الدالية..
يسوق للغابات أغنامه..
وروحه.. كروحها صافية
راع له صاحبة ترتجي عودته في الليلة الشاتية..
حتى إذا عاد إليها ارتمت في حضنه أدمعها الهانية!
* * *
يا ليتني فراش نحل..
جناحاه على هيكله شعلتان
يعيش في منعطفات الشذى
فوق حدود الوهم.. فوق الزمان
ورشفة ترويه.. أو رشفتان
وحسوة تغذوه.. أو حسوتان
حتى إذا عاد إلى عشه الشمعي في أودية السنديان
خفت له أنثاه فرحي..
وفوق مقلتيها نبتت ضحكتان
يا ليت قلبي قلبه ويدي جناحه
وموطني اللامكان..
* * *
يا خالق الإنسان من طينة
وخالق الفنان من طينة
عذبتني بالفن..
عذبتني بهذه النار السماوية
لسوف ألقاك غدا صارخا بكل ما في من اللوعة
لم تشقني دمامتي في الورى
لم تقشني.. إلا حساسيتي
أدعوك لا تشق بها كائنا بعدي
فهذه النار من قسمتي..
رضيت أن أفنى على وهجها..
لكي يعيش الفن في مهجتي!
© 2024 - موقع الشعر