إلى مومياء - محمد الفيتوري

كان ليل.. وكان صبح..
وكانت قصة آدمية محتومة
قصة تعرفينها..
فلقد مثلت أدوارها معي يا أثيمة
ومضينا.. أنا.. وأنت
فقد تمت فصول الرواية المرسومة
ومضينا كل إلى حيث يبني من جديد
أيامه المهدومة..
وكأن لم تكن لنا ذكريات
حفرتها أقلامنا المحطومة
ونسينا.. أنا.. وأنت
نسينا كل شيء حتى حديث الخصومة
وهوانا العنيف كم كان ضخما..
والمواعيد.. والأماني القديمة
والطريق الطويل.. والمنحنى الضيق
والسنديانة المهمومة..
ونسينا الكوخ الذي تتبناه..
الأكف المعشوشبات الكريمة
ذلك الكوخ كم لنا فيه من ذكرى
وكم من حكاية مردومة..
كم مساء ما زال نشوان..
ما زالت بقاياه حيث كنت مقيمة
لم تزل منه صرخة في عيون الهر
في أوجه الطيور الرحيمة..
حينما كنت.. كنت حقل هشيم
رتمي فوقه رياح عظيمة..
حينما كنت يا شقية..
تسقين هجيري ظلالك المحرومة
كنت تحيين في دمائي
وأفنى أنا في ساعديك.. في ديمومه
إن تكون نسيتني..
ولقد تنسين حتى أنفاسك المحمومة
فالمسي جسمك الثمين..
فقد أدمته يوما أظافري المنهومة
والمسي شعرك الثري..
ففوق الأذن والأذن خصلة معدومة
والمسي ثغرك المليء..
فكم أفرغته.. كم أذبت فيه جحيمه
واسألي كل ذرة فيك..
تصرخ: إنني كنت في يديه غنيمة!
* * *
غير إني لا زلت ظمآن..
لا زالت بقلبي من اللظى جرثومة..
لم أزل جائع الحياة إلى الصيف..
إلى أمسياتك المرجومة..
فتعالي يا لعنتي..
قبلما تجمد نيران كأسك المسومة
قبلما تذبلين.. تذبلك الأيدي..
وأيدي المروضين رجيمة!
قبلما تطرقين بابي.. باب الكوخ
مسحوقة الصباح.. حطيمه..
وعلى وجهك الرخامي..
ألقى معول الليل يأسه ووجومه
وبعينيك.. يا لآلام عينيك..
حنين إلى الليالي اليتيمة..
غير أني لن أستجيب لهذا الصوت..
صوت الأنوثة المهزومة..
أبدا.. لن أستجيب..
وإن كانت ستبكيك في فمي ترنيمه
فليالي لا تزال كما تدرين..
مخضرة الهوى.. مزحومة
وستمضين للطريق كما جئت..
كما أقبلت خطاك.. أليمة..
وستأتيك من بعيد.. مع الريح
تناهيد آثم وأثيمة
فتعالي يا رغبتي..
قبلما يركم في دربك الزمان همومه
أقبلي.. قبلما تجفين.. تحترقين
تمسين مومياء قديمة!
1951
© 2024 - موقع الشعر