عودة نبي - محمد الفيتوري

كتبت في ذكرى الشابي
حسبك من فنك هذا الخلود
بعثت شعبا من سجون البلى
وأمة ترسف تحت القيود
سكبت لحن الفجر في قلبها الصادي
فأرعشت دجاها المشيد..
واغرورقت بالشوق أعماقها
واخضوضرت أحلامها من جديد
واستيقظ الماضي البعيد المدى
وانتفضت حتى عظام الجدود
فاسمع برغم الموت أصواتها
مختلطات باللظى والحديد
وشق صدر القبر..
واعتقد لها من شعرك الخالد أسمى نشيد
فصرخة الإيمان أقوى من الموت
وأبقى من تراب اللحود..
يا أيها الذاهل في حلمه..
يجذب عينيه الفضاء البعيد
أقسمت ما ضاع هتافي سدى
لكنه هز تراك المجيد..
كأنني أسمع شبابة
حنينها الجارف يطوي الحدود
كأنني أبصر ذا غربة..
يود من غربته أن يعود!
* * *
يا معجز الأرض بفن السماء
ومعجز الموت بسر الخلود..
كم زحزحت كفاك من صخرة
سدت على الفجر طريق الصعود
وكم مشت روحك في هوة
صباحها خلف الزوايا طريد
وكم حضنت الشوك..
مستغرقا في فكرة مملوءة بالورود
وعشت كالمنبوذ..
في أمة هدت قواها مومياء الجمود
ومت.. لكن الذي لم يمت
هذا البناء الضخم.. هذا القصيد
شعر كأشواقك يغزو السماء امتداده
كالسنديان العتيد..
شعر تمزقت عليه..
كما تمزقت فوق السحاب الرعود
وانتبهت تونس مذعورة
مع انتفاضات الصباح الوليد
انتبهت تبحث عن نفسها.. عنه.
عن الشادي الحزين الشريد
واستيقظت أعماق أفريقيا..
تغسل بالنور خطايا الجدود..
وانطلق المارد من سجنه
تسحق رجلاه بقايا السدود
وعدت يا شابي حرية..
ثائرة ملء ضلوع العبيد
وعدت عزما في وجوه الأسى
ويقظة ملء عيون الرقود
وعدت يا شابي في ناظر الأعمى
وفي قلب الأصم القعيد
عدت نبيا كالنبيين..
لو تدرك معناك عقول الوجود!
© 2024 - موقع الشعر