ملك أو كتابة - محمد الفيتوري

بيننا خائن يا رفيق
أنا أو أنت..
فلنقترع قبل بدء الطريق
***
ملك أو كتابة!
***
تصدأ الصور المعدنية مثقوبة في مضاجعها
كل وجه قبيلته فوقه
كل وشم على معصمين احتفال
ذروة النقص في ذروة الاكتمال
نبي ولا ملك
أنت عصف المحاريث وحدك
أية فاجعة أن تكون المغني وحدك
في ذروة النقص أو ذروة الاكتمال
ويد الله تسكب إبريقها
عطشا في التضاريس
والأرض طاولة تخذت شكلها:
ملك أو كتابة
***
ليس ثمة ما يجعل الموت في الفجر
أجمل منه إذا انتصف الليل
موتك كان الولادة..
هل طيبتك الزيوت العتيقة
حتى تفاوحت في حمرة القيظ!
لا ليس ثمة رائحة في زهور القرنفل
ثمة رائحة في نقوش الخلاخيل
والزبد الأصفر المتخثر تحت العباءات
والقبعات المليئة بالدم والنفط..
في أي برج ولدت؟
إذن برجك الرمل
كوكب عصر التهافت في الأفق العربي السعيد
***
سألوني..
وها أنا أشهد
أن الزمان عجيب
وأعجبه أن هذي الجموع
تغني وترقص في قفص من حديد!
***
وأشهد
أن التراب الذي عجنته الهزيمة
كان جميلا..
وأضحى قبيحا
وأقبح من لونه في العيون
تألق تاج المهانة
فوق جباه الرجال العبيد
***
الجوارح تنهش لحم السموات جائعة
وغزالة طاغور في العشب تحلم
مرت بها منذ حين سحابه
لم تقل أنت يا من رأى
ملك أو كتابة
***
ثم يحدث ما يشبه الحلم
تهبط بضع شموس من الأفق
ذات عيون رصاصية، وأصابع باردة
تتقوس فوق بنادقها..
وكآلهة في الأساطير..
تمشي الشموس مجنحة
وببطء ثقيل ترش الرصاصات
عرش الذي قتل الأرض
إنه يتبوأ كرسيه الآن
ريش الفراعنة الأولين
على منكبيه.. وفي روحه
جسد بالغ الموت
يحسب أن لن يموت
وببطء ثقيل ترش الرصاصات
عرش الذي قتل الأرض
ثم تغوص، وتنكسر الخطوات عليه
وتخلع مصر براقعها..
كان في دمها، وهي حاضت به..
نسلته غريبا
وأنسلها غريبا
أحضرته من الظلمات.. وغاب
كان حجم جريمته
حجم يوم الحساب!
***
الذي قتل الأرض
نفض نعليه فوق رقاب النبيين
واختار رقدته في الكنيس اليهودي
لكنه لم يكن وحده
كان أنت الخيانة أو أنا
والظل أجنحة الشجر المتكسر
معذرة يارفيق
 
إن عصرا تحوم عليه الإدانة
فلنقترع قبل بدء الطريق!
***
حائط الغيم يصعد معترضا حائط الغيم
والقوس يبرق في الهضبات البعيدة
والرعد ملء الأكف التي أمسكت بالمداميك
ها قد مشى الرمل
فوق الحقول التي زرعتها يداك
هو الرمل يمشي هناك!
أم العمر تطفو عليه شخوص الكوابيس
"عيد السيادة..
ذكرى اغتصاب فلسطين"
"عيد فلسطين
ذكرى المعاهدة البربرية"
"عيد الصعود
"عيد الهبوط
ويوم الصيام
ويوم الضحية
ومات الرسول
وقام المسيح
وأعشبت العتبات السنية
وقال المطارنة الطيبون
وأفتى ابن مالك والشافعية
وهذا انقلاب لأجل القصية
وآخر أيضا، لنفس القضية
وكأس نبيذ لمجد يهوذا
وكأسان في صحة المجدلية
وعام على إثره ألف عام
وخارطة الدول العربية
ممرغة في بقايا حطام
قوائمه النظم العنترية
فهاتيك رايتها جاهلية
وتلك عباءتها هاشمية
وأخرى تميل إلى الماركسية
ورابعة تعشق الناصرية
وتنطق باللغة الفستقية
وتسقط كل رقاع البيادق
منهكة في حروب الكلام
وطار الحمام
وحط الحمام
وفي البال فسقية من رخام
ومحظية مثل بدر التمام
وعين جلالته لا تنام
وياقدس مني عليك السلام
***
الذي قتل الأرض
مازال يمسخ رؤيا الجموع
ويهطل في مطر الكلمات
يزهر أفيونه في الطقوس
وفي كتب الموت والصلوات
وأرغفة الخبز والملصقات
وطقطوقة الباشوات القدامى
ومعزوفة الباشوات الطغاة
***
ويا ليل.. يا عين
يا عين.. يا ليل
والليل ينفخ أرغوله في شوارع مكة
ومكة جوهرة الأنبياء
تعلق أوثانها فوق سور البكاء
وتحصد في جوعها النفط والفقراء!
***
في أشد الفصول خريفية
تتفتق أغشية اليرقات الشفيفة
عن أمم طفلة
سوف تحمل مائدة الله فوق سواعدها
وتثبت أعمدة الكون..
***
من يحبس الموج كي لا يقلب كفيه
في لؤلؤ البحر!!
من يجذب النار
ملوية من ضفائرها!
حجر القبر يرقب ساعتكم
اختبئوا فيه..
أو خبئوا جيف العصر
إني أدوس نياشينكم
إن هذي النياشين
فوق صدور مجوفة
قط لم تعرف النصر
إني أدين صحائفكم
طائر الكلمات الجريحة
يقطر في غسق الفجر
أسألكم يا ملوك الطوائف
هل أمة في حوانيتكم أم بقايا شعوب
إن أزمنة عانقتها الحضارة
تطمسها ريح أيامكم
إن من يحصد الضوء في الشمس
يحصد ظلمتها في الغروب
خشيتي من رماد هزائمكم
خشيتي من جحيم انتصاراتكم
فالغرابيل مسقوفة أبدا بالثقوب
وليكن قدر الحق
إن انهيار ممالككم وحده
هو شرط انتصار النبي الفدائي
***
شجر الأرز يأكل أطفاله فجأة
كانت الشمس تنصب في شجر الأرز
بستانها
وتروح تسيج منعطفات القرى بمغازلها
أنت من أدخل الشمس في ظله
وتسرب عريان في الظل
آخر ما لم تقل
أن سربا من الطير يتعب
لكن أعناقه لا تسد السماء على الطير
واخترت برق الألوهية
اخترت أن لا تكون الغيوم التي اتكأت في خيال الحديقة
أوسلة الياسمين
التي خبأتها صغار العصافير
في أرخبيل الغصون
-1- مونولوج صوفي
كن شريكي أهبك جواهر قلبي
أو كن قتيلي
إن في شفتيك دمي أو رحيلي
-2-
وكان اسمه عابد العابدين
وكان اسمك القادر المقتدر
-3-
أنت تعرف أني كثير
وانك وحدك
وأعرف أنك قبلي
وأني بعدك
-4-
الرماد رمادي، يا نهر دجلة
والرأس رأسي، يا سور بغداد
صرت وحدي في الناس مليون نخلة
كلما قطعوني أزداد
-5-
كان كأس دمي طافحا
فاستحيت.. وأفرغته
مثل من سبقوني
أتراني جاوزت قدري..
لأني قد تعمدت
في الهوى بجنوني!
-6-
منذ أن مسني.. ومضى
تاركا كنزه في فمي
خلصت شهوتي
فهي موج يفيء إليه
وأجنحة من صبابه
***
لست أعرفني
لم تقل لي من أنت؟
من أنا يا سيدي؟
من هو الآخر المتحجر في شفتي؟
ملك أو كتابه
شفق أو عقيق!
إن من خاننا لم يزل بيننا يا رفيق
والإدانة ماثلة في التقاطع
فلنقترع قبل بدء الطريق!
بيروت – تونس 1982
يأتي العاشقون إليك
الإهداء
إلي الزهرة الإفريقية.. جدتي المسكينة..
القائمة في ذاتي.. رغم شواهد النسيان!
محمد الفيتوري
© 2024 - موقع الشعر