أنشودة الصيرورة - فدوى طوقان

-1-
(1967)
منهم من كانوا اطفالا
ما كبروا بعد
افراخ عصافير صغيره
ما زالت بالعين المبهوره
ترنو وتحدق في الاشياء
في قمر يسطع، في شعله
في رش رذاذ تنعفه نافورة ماء
في قط يربض.. في عصفور ينفض اجنحةً مبتلّه
يتلفت، يجفل، يخطف ظله
ويطير إلى ذروة نخله!
منهم من كانوا صبيه
تحترف الشيطنة وتلهو بالالعاب الناريه
تطلق في الريح الغربيه
سرب الطيارات الزرق الحمر الخضر القُزحيه
تتأبط كل شقاوتها في الارصفة وفي الساحات
تتشاكس تقفز تصفر تركض تحت عقود الدور الرطبه
تتراشق بالنكت العفويه
بقشور الفستق والضحكات
تتبارز الاغصان الصلبه
تشهرها سيفاً أو حربه
تتقمص شخصيات كفاح اسطوريه
عنترة العبد الباحث عن حريته في درب الموت
عز الدين القسّام الرابض في الاحراش الجبليه
عبد القادر في "القسطل"
يحيا ويمارس عشق الارض
منهم من كانوا مضغاً بعد
ترقد في الارحام اجنه
-2-
وج حزيران أربد
زخ المطر الاسود
وهناك على اطراف الافق هوت وتعلقت اللعنه
حين جراد القحط اندلق سيولا من خوذات الجلد
الأرض تميد تميد وتسقط يبلعها طوفان الحلكه
يعبر نهر الزمنم عليها بالخطوات المرتبكه
يزحف، يرجع أو يتجمد
(كان النهر وراء الافق حصاناً يعدو
تشتد على شطيه "الحركه")!
-3-
(1976)
كبروا في غاب الليل الموحش، في ظل الصبار المر
كبروا أكثر من سنوات العمر
كبروا التحموا في كلمة حب سريه
حملوا احرفها انجيلا، قرآنا يُتلى بالهمس!
كبروا مع شجر الحناء وحين التثموا بالكوفيه
صاروا زهرة عباد الشمس
كبروا أكثر من سنوات العمر
صاروا الشجر الضارب في الأعماق الصاعد نحو الضوء
الوقف في الريح الهوجاء
صاروا الصوت الرافض صاروا
جدلية هدم وبناء
صاروا الغضب المشتعل على اطراف الافق المسدود
يكتسح صفوف مدارسهم
يجتاح شوارع وحوارى
يتمركز في قلب "الدوار"
وعلى الدبابات الجهمة يطلق رشاش الاحجار!
ويخلخل بالرفض العاري مشنقة الفجر
يقتحم الليل وطوفانه
كبروا كبروا أكثر من سنوات العمر
صاروا العابد والمعبود
صاروا "سمحان" "عفانه"
صاروا "عبد الله" "محمد"
صاروا "أحمد" "لينا" "محمود"
حين تلقتهم في شغف احشاء الأرض
كبروا.. صاروا الأسطورة
كبروا كبروا صاروا الجسر
كبروا كبروا كبروا
صاروا أكبر من كل الشعر
© 2024 - موقع الشعر