أَفْنَانُ الإِحْسَان يَرْوِيهَا العِرْفَان ــ أشرف الصباغ

للكتاب: أشرف الصباغ،


أَفْنَأنُ الإِحْسَان يَرْوِيهَا العِرْفَان ــ أشرف الصباغ

قَالَ اللهُ ـ تَبَارَكَتْ أَسْمَاؤُهُ: ( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33) وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35) وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (36) ) فُصِّلَتْ .
مَا أَكْرَمَ التَّوَاصُلَ بِأَجْمَلِ التَّوَاصِي !
مَقَامُ الإِحْسَانِ مَقَامٌ رَفِيعٌ، فَهُوَ خُلُقٌ جَلِيلٌ، وَعَلَى النُّبْلِ دَلِيلٌ، يَحْوِيهِ الاعْتِرَافُ بِالْفَضْلِ، وَيَرْوِيهِ الْعِرْفَانُ بِالْجَمِيلِ، وَتَوْقِيرُ الْمُنْعِمِ يُنْبِئُ عَنِ الصَّفَاءِ، فَيَنْطِقُ اللِّسَانُ بِفَصَاحَةِ الْوَفَاءِ، وَتُتَرْجِمُ الْجَوَارِحُ بِرَجَاحَةِ السَّخَاءِ؛ فَبِالإِحْسِانِ يُغْرَسُ فِي الْقُلُوبِ الحُبُّ، وَيَسُودُ فِي المُعَامَلَةِ الوُدُّ، وَتَزْكُو النُّفُوسُ، وَتَطْهُرُ الأَفْئِدَةُ .
الإِحْسَانُ عَطَاءٌ دُونَ حُدُودٍ، وَجُودٌ يُحَطِّمُ الْقُيُودَ، وَبَذْلٌ مِنْ غَيْرِ تَرَدُّدٍ، وَإِنْعَامٌ دُونَمَا مَنٍّ، وَإِكْرَامٌ لا يُلاحِقُهُ أَذًى .
الإِحْسَانُ غَايَةُ مُرَادِ الطَّالِبِينَ، وَمُنْتَهَى مَقَاصِدِ السَّالِكِينَ، وَأَعْظَمُ الإِحْسَانِ أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ .
وَلِلإِحْسَانِ ثَمَرَاتٌ يَانِعَةٌ، وَآثَارٌ نَافِعَةٌ، وَمِنْ أَطْيَبِ ثَمَرَاتِهِ انْشِرَاحُ الصَّدْرِ، وَلُزُومُ سَبِيلِ الحَقِّ بِالصَّبْرِ، وَقَدْ جَعَلَ اللهُ لِلْحَقِّ نُورًا لا يُبْصِرُهُ إِلا مَنْ شَرَحَ صَدْرَهُ لَهُ، وَفَتَحَ مَغَالِيقَ قَلْبِهِ إِلَيْهِ، وَدَلَّهُ عَلَيْهِ، وَصَبَّرَهُ عَلَى مَرَارَتِهِ؛ لِيَشْمَلَهُ بِرَحْمَتِهِ، وَيُذِيقَهُ حَلاوَةَ كَرَامَتِهِ .
وَازْرَعْ أَثَرًا طَيِّبًا فِي نَفْسِ كُلِّ مَنْ تَلْقَاهُ بِأَمْرَيْنِ: إِقْبَالٍ بِوَجْهِكَ عَلَيْهِ، وَإِصْغَاءٍ بِاهْتِمَامٍ إِلَيْهِ، وَلا تَحْصُرِ اهْتِمَامَكَ فِي كَلامِكَ، فَإِنْ لَمْ تُقْبِلْ بِوَجْهِكَ عَلَيْهِ، فَلا لَوْمَ عَلَيْهِ إِنْ لَمْ يُقْبِلْ بِقَلْبِهِ إِلَيْكَ، وَرَفَعَ مُؤْنَةَ اسْتِمَاعِهِ مِنْكَ، وَهَذَا مَوْطِنٌ مِنْ أَكْرَمِ مَوَاطِنِ الإحْسَانِ .
وَعِنْدَ الحِوَارِ لا تُسَارِعْ بِالاعْتِرَاضِ، وَاغْضُضْ طَرْفَكَ مَلِيًّا أيَّمَا إِغْضَاضٍ، وَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ تُقْنِعَ مُحَدِّثَكَ بِوِجْهَةِ نَظَرِكَ فَابْدَأْ بِأَسْئِلَةٍ تَفِيضُ يَنَابِيعُ الإحْسَانِ فِيهَا بِالجَوَابِ: نعم .
وَالإحْسَانُ يَقْتَضِي أَنْ تُسَايِرَ النَّاسَ عَلَى طَرِيقَتِهِمْ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةِ اللهِ ـ تَبَارَكَتْ أَسْمَاؤُهُ ـ وَأَقِمْ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُمْ جُسُورَ التَّوَاصُلِ، وَازْرَعْ وَشَائِجَ المَوَدَّةِ مَعَهُمْ دُونَمَا فَوَاصَلَ، وَمِنْ أَشَدِّ عُيُوبِ الإنْسَانِ خَفَاءُ عُيُوبِهِ عَنْ نَفْسِهِ، فَمَنْ خَفِيَ عَلَيْهِ عَيْبُهُ خَفِيَتْ عَلَيْهِ مَحَاسِنُ غَيْرِهِ، وَمَنْ خَفِيَ عَلَيْهِ عَيْبُ نَفْسِهِ وَمَحَاسِنُ غَيْرِهِ فَلَنْ يُقْلِعَ عَنْ عَيْبِهِ الَّذِي لا يَعْرِفُ، وَلَنْ يَنَالَ مَحَاسِنَ غَيْرِهِ الَّتِي لا يَكَادُ يُبْصِرُهَا بِسَبَبِ الرَّانِ الَّذِي اسْتَبَدَّ بِبَصِيرَتِهِ، وَالغِشَاوَةِ الَّتِي سَيْطَرَتْ عَلَى بَصَرِهِ .
وَجَدِّدِ العَلاقَةَ مَعَ النَّاسِ مِنْ غَيْرِ مَلَلٍ أَوْ كَلَلٍ، وَلا تُجَالِسْ أَحَدًا بِغَيْرِ طَرِيقَتِهِ، فَإِنَّكَ إِنْ أَرَدْتَ لِقَاءَ الجَاهِلِ بِالعِلْمِ، وَالعَيِيِ بِالبَيَانِ أَجْهَدْتَ نَفْسَكَ، وَضَيَّعْتَ وَقْتَكَ، وَبَعْثَرْتَ جُهْدَكَ، وَأَبْطَلْتَ عَمَلَكَ .
وَاعْلَمْ أَنَّ كَرَامَتَكَ لا تُطِيقُ عُمُومَ الخَلْقِ كُلِّهِمْ أَجْمَعِينَ، فَتَوَخَّ بِهَا أَهْلَ الفَضْلِ، وَقَلْبَكَ لا يَتَّسِعُ لِكُلِّ شَيْءٍ فَفَرِّغْهُ لِلأهَمِّ، بِصِيَاغَةِ رُتُبِ الحُقُوقِ فِي سُلَّمِ الأَوْلَوِيَّات، وَإِنْ نَصَحَكَ فَاجِرٌ فَلا يَمْنَعُكَ فُجُورُهُ مِنْ قَبُولِ إِحْسَانِهِ، وَانْصَحْ لَهُ مِنْ دُونِ شِدَّةٍ، وَلا تُلْبِسْ تَوْجِيهَكَ ثَوْبَ الحِدَّةِ .
وَتَذَكَّرْ مَا كَانَ مِنْ نُصْحِ الشَّيْطَانِ؛ لِحِفْظِ مَالِ الصَّدَقَةِ بِقِرَاءَةْ آيَةٍ مِنَ القُرْآنِ .
وَلا تَعْجَبْ .
وَإِنْ بَدَا بَيْنَ عَيْنَيْكَ السُّؤَالُ .
أَيُرْشِدُ الفُجَّارُ الأبْرَارَ؟
نَعَمْ .
فَقَدْ يُرْشِدُكَ إِلَى طَرِيقِ النَّجَاةِ وَسَبِيلِ الهِدَايَةِ ..... مَنْ يَسِيرُ فِي رِكَابِ الضَّلالَةِ، وَيَقْبَعُ فِي أَحْضَانِ الغِوَايَةِ .
ثُمَّ أَعُودُ ....
فَأَقُولُ :
الإحْسَانُ خُلُقٌ بَدِيعٌ، وَحَوَادِثِ الأيَّامِ نَاطِقَةٌ بِأَلْفِ شَاهِدٍ وَدَلِيلٍ .
وَالإحْسَانُ مِنْ آكَدِ الوَاجِبَاتِ، وَالقِيَامُ بِهِ ضَرُرَةٌ لا يَمْنَعُكَ مِنْهَا حَاجِبٌ .
أَحْسِنْ فَبِإِحْسَانِكَ تَجْذِبُ حُبَّ مَنْ حَوْلَكَ، فَتُلاطِفُكَ القُلُوبُ، وَتُجَاوِرُكَ الأفْئِدَةُ .
فَأَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَجْمَعَ لَنَا انْشِرَاحَ صَدْرٍ، وَسَبِيلَ حَقٍّ، وَنُورَ هِدَايَةٍ .
وَيَرْزُقَنَا مِنْ أَفْنَانِ الإحْسَانِ أَكْرَمَ حَظٍّ، وَأَكَمَلَ نَصِيبٍ .

كتبه / أشرف الصباغ

© 2024 - موقع الشعر