أَسَدٌ هَصُور وَضَبٌّ غَرُور ــ أشرف الصباغ

للكتاب: أشرف الصباغ،


أَسَدٌ هَصُور وَضَبٌّ غَرُور.
تتفاوتُ النُّفُوسُ في مَيْلِها إلى أغْراضِها، على حَسَبَ اختلافِ جواهرِها وأعرَاضِها، ويَظَهَرُ قَدْرُها غُرُورًا في لَونِها، وبعضُ الألوانِ تَخْدَع، وصَاحِبُهَا في الشَّرِّ يَرْتَع .
وشتَّان بين فَيْضٍ يُفجِّرُ ينابيعَ الخيْر، وقَبَسٍ يُضَلِّلُ على السَّائرِينَ مَعَالمَ السَّيْر، وكلٌّ مِنْهما أسوةٌ للغيْر حلَّقَ في الآفَاقِ كالطَّيْر، فأمَّا الأوَّل لا تَهْتَدِي إليْه المُوجِدَة، وأمَّا الثَّاني تَتَسلَّطُ عليْه التُّهْمَة .
وبيْنَ الحِينِ والحِينِ يخرجُ علينا ضَبٌّ من جُحْرِه؛ ليفتنَ النَّاسَ بسِحْرِه، ولهُ في ذَلِك أُسوةٌ تروي خبرَه، وقُدْوةٌ تقفو أثرَه، إنَّه إبليسُ من دونِ تلبيس، إمامُ أئمةِ التَّدليس، غوى آدمَ وزوجَه بالمُلْك والخُلود، ولا سبيلَ لتحقيقِ ذلك إلا بالتَّحرُّر مِن أمرِ اللهِ وفكِّ القُيُود، فزَيَّن لهما أكْلةً مِن شَجَرةٍ حتَّى تجاوزا الحُدُود، فأُخرجَا من الجنَّة، وأضحتْ غوايةُ إبليسَ في الخَلْقِ سُنَّة، وكمْ له مِن قرينٍ في الشَّرِّ يُرسِل، ومقاصدُ فاسِدةٌ بها يَتَوَصَّل، وإلَى مُرَادِه يَتَوَسَّل، وما وَسْوَس لأحدٍ إلا وسلَّم إليه القِيَاد، مِن غير ما عِنَاد، فلم يَزَل المِسكِينُ بَينَ يديْه على حَالِه، إلى أن يَحُلَّ به غريمُ أجَلِه، ويقابِلَ مَهَلَهُ بِعَجَلِه، إلا مَن اسْتَمْسَك بحَبْلِ اللهِ وبِرُكْنِه اعْتَصَم .
وتمرُّ الأيَّام بالعِبَر، وتأتي السُّنون بالخَبَر، فكانَ مَا كانَ مِن أعْدَاءِ المُرسلينَ والأنبياء، وأشدُّهم وأعتَاهُم، وأظلمُهم وأطغاهُم فرْعوْن، وبينَه وبينَ الأنبياءِ والصَّالحينَ ألفُ بَوْنٍ وبَوْن، فقدْ فاقَ في الضَّلال أستاذَه، وصارت النَّار ملاذَه؛ إذ قال وبئسَ ما قال: " مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي " .
وممَّا أوْرَدَتْه الأخبَار، ليأخذَ العاقلُ منها الاعتبار، أنه مَنْ بالباطلِ تغزَّل، لا محالةَ مِن الحقِّ تَنَصَّل .
ومَن كانتْ أوَامرُه تُزَيِّنُ المَنَاصِب، بزيادة المتَاعِب، فبئستْ وَجَاهَةُ المَرَاتِب .
ومِن قارونَ إلى شارونَ تتعاظمُ المِحن، وتتراكمُ الفِتن .
وكمْ أفرزتْ لنا الأيَّامُ عن مُناضِلٍ أو مُناظِر، تفتنُه الكتابَة، فَتَعْلُوه الكآبة، ونسيَ أنَّ إحسانَ اللهِ إليه ثابت عليْه، وبالشُّكرِ يَزيد، ويُغدقُ عليهِ من النِّعم ما يُريد، فيُخطئُ الصَّوابَ ولا يُقَارِب، ويأتي بالغَوَامِضِ مِنَ المَشَارِب، فليسَ صادقَ القَوْلِ فيما ينقلُه، ولا حاذقَ الفَهْمِ فيما يعقِلُه، فلم يزلْ على تلكَ الطَّريقةِ التي أخذَها، وتفرَّد بارتكابِها، حتَّى يجعلَه اللهُ آية، ولم يحقِّقْ لهُ مِنْ مُرَادَه قِيدَ شَعَرَة مِن غَاية، ولا يرَفَعُ لهُ في الخَلْقِ راية .
فبِئْسَ الضَّبُّ الغَرُور .
ثم يعاودُ الضَّبُّ الخُرُوجَ من جُحْرِه؛ ليفتنَ الناسَ بسحْرِه، فيقدحُ في مَن كانَ سَعْيُه مشكورًا، وبالأمانةِ مشهُورًا، وبالجِهادِ مذكورًا، ويسبُّ مَن كان فيه الخيرُ يانِعًا والبِر، ويتعهدُ الرَّعيَّةَ في العَلَنِ والسِّر، وعندَه في النَّفْسِ كِفَايَة، ويصُونُهَا عنْ كُلِّ غِوَايَة، وفي هِمَّتِهِ نَهْضَة، وبين جنْبَيْه مرُوءةٌ يُؤدِّي بِهَا في الإحْسَان فَرْضَه، فوقفَ على جِهَاتِ الجِهَادِ أوقافًا، وجَعَلَ لنفسِهِ من - غيرِ عُجْبٍ - في أغْوَارِ الذِّكْرِ الجَميلِ أحقافًا، إلى أنْ بَرَزَ المِحَاقُ لنُورِ بَدْرِه، وانطبقتْ على جُهُودِه المبارَكَةِ صَدَفَتَا قَبْرِه، فيُفْجَعُ النَّاسُ فيه، ويعَدِمُوا الشجَاعةَ التي كانَ يُزَيِّنُها ميدَانُ جهادٍ يُوَافِيه، وراحَ إلى اللهِ على أتَمِّ اسْتِعْداد، وأعدَّ الزَّادَ ليومِ المعاد .
فأكْرِمْ بِهِ مِنْ أسَدٍ هصُور !
وبَعْدُ ...
هَلْ يَسْتَوِي أسَدٌ هَصُور وضَبٌّ غَرُور ؟
لا والَّذي بيَّنَ الحَقَّ وفَضَحَ الزُّور .
والبَصيرُ ..... مَن أخذَ العِبْرةَ عندَ المَسِير .
قالَ اللهُ تباركتْ أسماؤُه: " وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205) وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ (206) " .

بقلم / أشرف الصباغ

© 2024 - موقع الشعر