أمواجُ العِلَل وعَواصفُ الزَّلَل ــ أشرف الصباغ

للكتاب: أشرف الصباغ،


أمواجُ العِلَل وعَواصفُ الزَّلَل .
أحداثُ الأيام دولٌ بينَ الأنام، وبحسنِ العملِ يتحققُ صدْقُ الأمل، وهواجسُ النفوسِ الغريبةُ مصيبة، مَنْ رَكَنَ إليها استبدَّتْ به كُلُّ رِيبَة.
وهذا المُقام كمْ زلَّت فيه أقْلام، وطاشتْ منه أقْدام، وزاغتْ بهِ أفْهام، وإنما يتجاذبُ الأقزامَ سحائبُ الأوهام، فيعجزَ الجهلاءُ عند الصدمةِ عنِ الصبر، وتضيقَ بالمُلِمَّةِ ساحةُ الصدر.
وتتصدى للأحداثِ هِمَمُ الرجال، بينما أشباهُهم تراهم بينَ إدبارٍ وإقبال، حتى ردَّدَ الزمانُ مَجْمَعُ الأمثال: "الثباتُ على حالٍ مُحال" لذا كان التعلُّقُ بالحقِّ خيرًا من التعلُّقِ بالخَلْق.
ولو تأمَّلتَ مليًّا لعلمتَ أنَّ رِفْعةَ الشرفِ تقضي على قناطيرِ الترف، والفتنُ سبيلُ المحن، ولا غَرْوَ إنْ رأيتَ لكلِّ إشاعةٍ ألفَ ألفَ إذاعة، وفي نقلِ الخَبَر تَتَجسَّدُ بيْنَ عيْنَيْك العِبَر، فكمْ مِنْ غريبٍ لبيبٍ، أصدقُ من قريبٍ حبيب، يضْرِمُ في وشَائِجِ المَحَبَّةِ اللَّهيب، ولكلِّ سلامةٍ دِعامة، كما أنَّ الندامةَ لها علامة.
قال الله تباركت أسماؤه: (كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ ۚ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ۚ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ).
في غمرةِ الحياةِ وزخمِ العمل، قد ينشغلُ الإنسانُ بأحلامِ الأمل، فيعانقَ الإثمَ بلا خجل، ويُؤَازرُ الوِزْرَ دون وَجَل، سيرُه في الخيرِ على مَهَل، وإن دعَتْه طاعةٌ استَبَدَّ به الكَسَل، أو نادَاه معروفٌ نال منه الكَلَل، وكم يَفِرُّ من البِرِّ بالحِيَل، وإن أغْرَتْه شهوةٌ هَرْوَل على عَجَل، فإن أحْرَزَها استبشر واحتفل، وابتهجت منه المُقَل، وإن فاتَتْه استَدْرَكَها بلا ملل .
قد تفرَّقتْ به الأهْواءُ وتنازعَتْه أطراف السُّبُل، التي حذَّرَ منها الرُّسُل، فهو من شهوةٍ إلى شُبْهةٍ مُنْتقِل، وبفتنةٍ إلى محنَةٍ منشغِل، حتى إذا ضاقت نفسُه بضِيقٍ جَلَل، وجَثَمَتْ على صدرِه أزْمَةٌ انْفَعَل، ورَشَحَ جبينُه مِن هَوْلِها كما السِّقاِء مِن البلل، آبَ إلى رحاب ربه فابتهل؛ ليدفع عنه ما بساحته نزل، فإذا رُفِعَ عنه الكربُ وارتحل، عاد إلى سابق عهدِه وبالشرِّ اتصل، وقَطعَ علاقتَه بربِّه وانفصل، فوجهُه مُبْتَذل، وعقلُه رافق الخَبَل، ورأيُه اقتدى به الخَطَل، فإن نُصِحَ صار ذا جَدَل، وعن كل ناصحٍ اعتزل.
حتَّى ضُرِبَ به في الشَّقاءِ المَثَل، والشيطانُ به في الغواية امتثل، فيَهْوِي في هُوَّةٍ سحيقةٍ من الخَلَل، وتَسيخُ قدمُه _ وهو لا يَدْري _ بين أمواجِ الزَّلَل، ويتيه قلبُه بين عَواصفِ العِلَل، فهو عليها مُقيمٌ لم يَزَل.
يا ويحَهُ إذا وافَاه عَلى تلكَ الحالِ الأجَل!
قال الله تباركت أسماؤه: (أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ كَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُم) .
بقلم / أشرف الصباغ

© 2024 - موقع الشعر