فِخَاخُ الفَخُور وَأَغْوَارُ الغَرُور ــ أشرف الصباغ

للكتاب: أشرف الصباغ،


الغرورُ داءٌ عضالٌ، ومرضٌ قتالٌ، يَفْتِكُ بصاحبِهِ فيرديه قتيلا، وبئسَ مَن اتخذهُ سبيلا، تُحَرِّمُهُ الشرائعُ، وتُبغضُهُ الطبائِعُ؛ ذلك لأنَّ المغرورَ بنفسِهِ، المَزْهُوَّ بِحالِه، ينظرُ إلى نفسِه نظرةً علياءَ، وينظرُ إلى من حولَه نظرةً عمياءَ، فيرى نفسه بدرًا، ومن دونه ذرًّا، يظنُّ ـ وهمًا وجهلا ـ أنه يرتدي ثوبَ المَهَابة، فإذا به قد أصابَه من قناطيرِ الخزي ما أصابَه .
وشتَّان شتَّان بين مواضع التواضعٍ، وأغوار الغرور، وما أبعدَ المسافةَ بينهما ! ويا لها مِن مسافة ! فالمتواضعُ رفيعُ القدرِ، عظيمُ الفضلِ، يسمو في رفعته حتى يعانقَ نجومَ السماءِ، بينما المغرورُ، حقيرُ القدرِ، منزوعُ الفضلِ، ينحدرُ في هُوَّةٍ سحيقةٍ حتى يستبِدُّ به الشقاءُ .
وإن تعجبْ فاعجبْ مِنْ مغرورٍ مخدوع، عن الفضيلةِ مقطوع، جمع على نفسه برجْسِهِ مصيبتين :
إحداهما: يرفع نفسه فوق الناس .
والأخرى: فساد أنفاسه وبئس الإحساس .
فليت شعري ! هل عليه أُشْفِق ؟ أمْ منه أحذر ؟
فمن دون التباس، زيَّنَ له الوسواس، أنه في ظلمة الدياجير نبراس، وعلى قائمةِ الأكفاءِ أساس، وفي الحقيقة هو تحت مواطئ الأقدامِ يُداسُ، والعاقل مَنْ كان منه في احتراس .
وهيهات هيهات تجتمعُ مقالتان، مقالة حقٍّ من نبيٍّ، ومقالة شقٍّ من شقيٍّ .
قال موسى النَّبيُّ : " وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا "، قال : ( هو ) إقرارًا بالفضل وعِرفانا .
وفال إبليس الشَّقيُّ : " أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ "، قال : ( أنا ) تحقيرًا للقدر وغُرورًا .
أيها المغرور :
أوَلستَ من نفسك تخجل ؟ إذ لا محالةَ عما قريبٍ ترحل .
هكذا حالُ المغرورِ ومآلُه، حتى إذا وافاه حُمامُه، انْمَحَقَ مِنْ هُوَّةِ زَهْوِهِ تمامُه .
أيها المتواضعُ :
لا يُلَبِّسَنَّ عليك شياطينُ الإنسِ، في مجالسِ الأُنْسِ، أنَّ التواضعَ يقتضي منك عند هَضْمِ حقِّك خُنُوعًا، وعند التطاولِ علي مقامِك خُضوعًا .
إنما التواضعِ يقتضي خَفْضَ الجناح، ولينَ الجانبِ بالسَّماح، فلا تصرِفْك أمواج الفتن عن ذلك أو عواصفُ الرياح، هكذا التواضع اسمًا ورسمًا .
فإن كنت عاقلا وأنت كذلك .
فاحذرْ على نفسك مِنْ مَعاطبَ الغَرَرِ والغُرور، تُبْصرْ عواقبَ السرور، وتنجُ من الشرور، وتصبحْ مع كواكب الحق في فلك تدور .
وكن أنتَ أنتَ ولا تكنْ غيرَك، وتفقَّدْ كل حين سَيْرَك، واجعل شعارَك التواضع في كل المواضِع سجِيَّة، واحذر الغرور في القصد والنيَّة .
وتذكَّرْها حِكْمةً سرْمَدًا: " محالٌ أن يكونَ الهِرُّ أسدًا " .
فلا يُعْجِبَنَّكَ المَظْهر، إنما العِبرَةُ بالجوهر .
قال الله تباركت أسماؤه : " وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ ( 204 ) وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ ( 205 ) وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ ۚ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ ۚ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ ( 206 ) وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ( 207 )" .
كتبه / أشرف الصباغ

© 2024 - موقع الشعر