أوْهَامُ الطَّغام ــ أشرف الصباغ

للكتاب: أشرف الصباغ،


أوْهَامُ الطَّغام .
إنَّهم شَرُّ البَشَر، طريقُهم حُفَر، ونصحُهم خَطر، وماؤُهم كَدَر، وعُيُونُهم تَرمي بالشَّرَر.
تتعددُ وجوهُهُم في قُبحِها، وتتلوَّن نُفوسُهم من شُحِّها؛ ولكنَّهم مهما تعدَّدوا، وبالسُّوءِ تمدَّدوا، لنْ يَسْعَدُوا، لأنَّهم مِنْ مَكرِهِم على أكتافِ الأخيارِ يَتسلَّقون، ومِنْ خَوْفِهم بينَ يدي الأشرارِ يتملَّقون.
إنَّهم أناسٌ مُخادعون مَفتونون يُظهرون الخير، وقلوبُهم مملوءةٌ بالشَّر، تحملُ أفئدتُهم الضَّغينة، ويُمارسونَ الأعمالَ المُشينة، الليلُ مسرحُهم، والخفاء مسلكُهم، والظلام ساحتُهم، وجوهُهم بالنِّفاقِ مَنقُوشة، وأعمالُهم بالرِّياءِ مَغشُوشة، يُحبطون حسناتِهُم النَّادرة، بتَوالي سيئاتِهِم البادرة.
إنَّهم أناسٌ يَعيشونَ في الضَّباب، ويُزعِجُهم الضياءُ فيُغلقون دونه كلَّ باب، ويَستبشرون بالغَمامِ في السَّحاب، يَسيرونَ في طَريقٍ يَجهلُون نِهايتَه، ولا يَدرُونَ مُدَّتَه، ولا يُعِدُّونَ له عِدَّتَه، ويَهِيمون على وجُوهِهِم لا يُدْرِكُون للسَّيرِ غايته، فيلاحقهُم سوءُ الاخْتيار، واستهجانُ الأنْظَار، ويسيرون في رِكَابِ الأشرَار، واللهُ المستعان.
إنَّهم أناسٌ أعداءُ المجد، يَحملونَ الحِقد، ويُحبُّون نقضَ العهد، ويَكرهون بذلَ الجُهد، ولا يَزالون يَقبَعُون في غَيِّهِم وغدْرِهم حتَّى يَجلِبُوا على أنفسِهِم بِخُبثِهِم مِن الضَّررِ والمَساوئِ ما لا يَستطيعونَ دفعَه، ولا يَملكونَ ردَّه.
إنَّهم أناسٌ أرواحُهم بالغَيْرة مُصابة، وعُيونُهم خوفًا من حُرقة حَسدها مُهابة، يَحفرون للنَّاسِ سَراديبَ الكآبة، ويَحقدُون على مَن يتميزُ عليهم، ويَطعنون في مَن يأخذُ بزمامِ النَّجاحِ إليهم، فَيفُوتُهم الخيرُ المَطلوب، ولا يُدركُونَ الأملَ المرغوب.
إنَّهم أناسٌ يُحاربونَ الجَديد، ويُقاتِلون التَّفكيرَ المُفيد، وقُلوبُهم أقسَا من الحِجارةِ وأشدُّ مِن الحَديد، فبئسَ القومُ هُمْ، يَستبدُّ بهم الوَهْم، فلا تَأمنْ جانبَهم؛ إنَّما يُحرَقُ بلهيبِ شُرورِهم المغرُور.
وما يَزالُ صَوتُ النَّذير، يَرْفعُ التَّحذِير، فألقِ له سمْعَك أيُّها النِّحْرير .
الحمايةُ مِن أوْهامِ الطَّغَامِ تكونُ بنورِ اليقينِ، وهذا أصلٌ مَتين مِنْ أصولِ الدين، والحكمُ على أمرٍ يتعلقُ بالغيب مَردودٌ دونَ ريب، فاحذرْ أنْ يستبدَّ بك اليأس، فتُوقِعَ نفسكَ في ظلماتِ البأس، وإذا ما أظلَّت الكوْنَ سحائبُ الأوهام، فلا تَقُلْ: هلكَ الناس، واحفظْ نفسكَ مِنْ أخبثِ الأنفاس، واطردْ عنْ قلبكَ هذا الوَسوَاس، تنعمْ بأكرمِ إحساس.
وكُنْ ذا صَبرٍ عِند المِحنةِ يَمنعك أنْ تَجزع، وذا عقلٍ عند الشُّبهةِ يَحمِيكَ أنْ تُخدع، وذا بصيرةٍ عند الشهوةِ تُحذركَ أن تَشْرع، فاستنْهِضْ لذلك عَزيمتَك، واشحذْ له همَّتَك.
وبعدُ ....
يا أعداءَ الطُّموح ....
يا مَعَاوِلَ الهدمِ لصَرْح النَّجاح ....
يا طَّغامَ البَشَر ....
غَدْرُكم معرُوف، وبالخُبْثِ موْصوف.
تبًّا لعقولِكم المريضة، وقبَّحَ اللهُ أحلامَكم العريضة، وَاصِلوا الهَدم بقُوَّةِ العزْم، وسيُحيطُ بكم يومًا من الأيَّامِ الألم.
وما تُغني عنكُم يومئذٍ مُعاقرةُ النَّدم.
فاهدَؤوا ولن تهْنَؤوا.

بقلم / أشرف الصباغ

© 2024 - موقع الشعر