(شتان بين اللجنتين!) - أحمد علي سليمان

ليس بالجهل يَستمِي العُلماءُ
إنما العِلمُ سُلّمٌ وارتقاءُ

والتقى يأتي بالعلوم تِباعاً
إنما التقوى الخير والنعماء

كم بأهل العِلم استضاءتْ عُقولٌ
أبعدَتْها – عن رُشدِها – الظلماء

كم ألانوا صَلبَ المسائل طوعاً
فاستفاد مِن فسْرها العقلاء

كم أزاحوا الألغازَ عن نصِّ حُكم
بعد أن دارتْ حوله الآراء

كم تَصَدَّوا للترَّهات احتساباً
ما لهم - في استبسالهم - نُظراء

كم بتوفيق الله جادوا بنصح
وبهم مولانا هدى مَن يَشاء

كم تحَدَّوا أهلَ الضلال ، ودَكّوا
ما ابتناه – في الساحة – الأدعياء

ما استكانوا لمَن يُلاحي هُداهم
لم يُخِفهم مِن رَدِّهُ الابتلاء

ما استبدُّوا بالرأي يُزري بغِر
آفة الاستبدادُ والأهواء

لجنتان التِقاهما مستحيلٌ
رَغم أن كلاً له عُلماء

حيَّرتْني أولاهما مُذ تبارتْ
بالتجني ، ما رَدَّها استحياء

جاءها الأستاذ المُبجَّلُ قدراً
آملاً نُجْحاً يحتويهِ اصطفاء

داعياً رباً لا يُخيِّبُ سَعياً
لم يخِبْ يوماً في المليك الرجاء

مُحرزاً نصراً في امتحاناً مَرير
بَدؤهُ صَعبُ الوَقع والإنتهاء

مُحسناً في كل الإجابات ، يرجو
كل فوز ، والسائلون أساؤوا

باذلاً جهداً فاقَ كَمَّ الأماني
حارَ في تقدير الجَزا الحُكماء

لم يُفوِّتْ إجابة ذات شأن
لم يَفتْهُ الترميز والإيماء

لم يُقرِّرْ حُكماً بدون دليل
ذاكراً قاموساً له الالتجاء

لم يُغلّبْ هواه طرفة عين
مثلما يَهذي – بالهوى - السفهاء

فأنالوه الفوزَ يُسعِدُ قلباً
والبشاراتُ ساقهن الصفاء

شاكرين إخلاصه والتفاني
بعضُهم قال: ما له نُظراء

ثم قال المسكينُ: هل بعضُ ماءٍ
حيث بي يا أهلَ السجايا ظِماء

مَن سقى ظمآناً يُحَصِّلُ أجراً
خيرُ جُودٍ نُجزى عليه الماء

قِيلَ عند الشباك (قلة) ماءٍ
فالتمسْها يأتي لك الإرواء

كانت السقيا مِحنة واختباراً
هل بظن يُستجلبُ الإهتداء

ثم عاد مُستفسِراً عن قرار
بعد نُجْح دَفتْ له الأصداء

يا صديقي جَنى عليك التجني
ساقه قومٌ بالتعنت باؤوا

حَكَّموا فيك الظن ، والظن إثمٌ
ويحهم إذ مما صنعت استاؤوا

بالنفاق كانوا رَمَوك افتئاتاً
وافتراءً ، كأنهم أعداء

تعسَ الطيشُ ، كم يُضِل البرايا
إذ يُجافي بعضَ العقول الذكاء

لكن الأخرى لجنة ذاتُ شأن
لم يَشُبْها سُخفٌ ولا بغضاء

جُلُّ مَن فيها بالعلوم استعزوا
إنَّ بالعِلم يَهتدي الأسوياء

غلّبوا حُسْنَ الظن في الناس حتى
قال قومٌ: قد أفلحَ الأولياء

جاءهم ذو التدخين دون احتراز
لم يكنْ تمويهٌ ولا إخفاء

شارطوه ، والشرط لاقى قبولاً
كل شرطٍ يَفي به الأوفياء

صاح أقلِعْ حتى تبيت معافىً
تُبْ لئلا تجتثك الضراء

قال: أقلعتُ ، فاشهدوا باقتناعي
قيلَ: أبشرْ ، سعى إليك الهناء

قد قبلناك اليومَ أستاذ جيل
بالمتاب فلتنجَل الأرزاء

لجنتان عن سَمت كلٍّ تساءلْ
هل تساوَى الإصباحُ والإمساء؟

هل ظلامُ الدنيا كنور غزاها؟
الدياجي يُفني دُجاها الضياء؟

مناسبة القصيدة

(حِرتُ في أمر لجنتين من لجان اختبار أئمة وأساتذة القرآن والعلوم الشرعية! فلجنة متفهمة عالمة واعية ناصحة أمينة ، ولجنة متنطعة جاهلة غاشمة! وأبدأ باللجنة الجاهلة الظالمة ، والتي قالت للممتحن المجيد المحترم: (لقد نجحت في العلوم وسقطت في (القلة)! وتبدأ هذه قصة اللجنة الثانية عندما كان أحد أصفيائي من أهل القرآن ، يُمتحن فى الملحقية الثقافية السعودية بالقاهرة ، وكان امتحان الرجل في القرآن الكريم (حفظاً وتجويداً وتفسيراً وأحكاماً). والرجل قد سلِم له أصل التوحيد والعقيدة. ولكنه قد تورّط في تدخين السجائر. وأجازته اللجنة لتمكنه من القرآن والأحكام بشرط أن يتوب إلى الله تعالى ولا يُدخن بعد اليوم!)
© 2024 - موقع الشعر