الجَيشُ الحَيا في مَأقَظِ الرَوضِ مَعرَكٌ - صفي الدين الحلي

الجَيشُ الحَيا في مَأقَظِ الرَوضِ مَعرَكٌ
كَأَنَّ لَهُ ثائِراً عَلى الأَرضِ يُدرَكُ

إِذا اِستَلَّ فيهِ الرَعدُ أَسيافَ بَرقِهِ
فَلَيسَ بِهِ إِلّا دَمُ الزِقِّ يُسفَكُ

فَيا حَبَّذا فَصلُ الخَريفِ وَمُزنُهُ
وَسُترُ السَحابِ الطَلقِ بِالبَرقِ تُحبَكُ

وَلِلطَلِّ في الغَدرانِ رَقشٌ مُنَمنَمٌ
كَأَنَّ أَديمَ الماءِ صَرحٌ مُشَبَّكُ

وَلَم أَنسَ لي في دَيرِ سَهلانِ لَيلَةً
بِها السُحبُ تَبكي وَالبَوارِقُ تَضحَكُ

وَثَوبُ الثَرى بِالزَعفَرانِ مُعَطَّرٌ
وَلِلريحِ ذَيلٌ بِالرِياضِ مُمَسَّكُ

وَأَقبَلَ شَمّاسٌ وَقَسٌّ وَأُسقُفٌ
وَمِطرانُهُم مَعَ مَقرَبانٍ وَبَطرَكُ

يَحُفّونَ بي حَتّى كَأَنّي لَدَيهِمُ
حَبيبٌ مُفَدّى أَو مَليكٌ يُمَلَّكُ

وَيُصغونَ لي عِلماً بِأَنّي لِبَحثِهِمُ
عُذَيقُ جَناهُ وَالجُذيلُ المُحَكَّكُ

وَأَقبَلَ كُلٌّ مِنهُمُ بِمُدامَةٍ
بِها كانَ في تَقديسِهِ يَتَنَسَّكُ

فَذَلِكَ نَحوي يَحمِلُ الكَأسَ جاثِياً
وَهَذا بِمَسحِ الكَفِّ بي يَتَبَرَّكُ

وَطافوا بِكَأسٍ لا يُوَحِّدُ راحُها
وَلَكِن لَها في الكَأسِ ماءٌ يُشَرِّكُ

مُشَعشَعَةٌ يُخفي الزُجاجُ شُعاعَها
فَمِن نورِها سِترُ الدُجُنَّةِ يُهتَكُ

تَوَهَّمَها الساقونَ نوراً مُجَسَّماً
فَظَلَّت بِها بَعدَ اليَقينِ تُشَكِّكُ

إِذا قَبَّلوها يُنعِشُ الروحَ لُطفُها
وَإِن تَرَكوها فَهيَ لِلجِسمِ تَهتِكُ

وَإِن سامَحوها في المِزاجِ تَمَرَّدَت
وَمالَت فَكادَت أَنفُسُ الصَحبِ تَهلَكُ

فَتَكنا بِسَيفِ الماءِ فيها فَحاوَلَت
قِصاصاً فَباتَت وَهِيَ في العَقلِ تَفتُكُ

وَهَبَّ لَنا شادٍ كَريمٌ نِجادُهُ
خُؤولَتُهُ في الفَخرِ قَيسٌ وَبَرمَكُ

يُحَرَّكُ أَوتاراً تُناسِبُ حِسَّها
بِها تَسكُنُ الأَرواحُ حينَ تُحَرَّكُ

إِذا جَسَّ لِلعُشّاقِ عُشّاقَ نَغمَةٍ
يُشارِكُها في اليَمِّ رَستٌ وَسَلمَكُ

وَرَتَّلَ مِن شِعري نَسيباً مُنَقَّحاً
يَكادُ يُعيرُ الراحَ سُكراً وَيوشَكُ

إِذا ما تَأَمَّلتُ البُيوتَ رَأَيتُها
نُضاراً بِنارِ الأَلمَعِيَّةِ يُسبَكُ

وَلَمّا مَلَكتُ الكَأسَ ثُمَّ حَسَوتُها
تَقاضَت فَظَلَّت وَهيَ لِلعَقلِ تَملِكُ

بَخِلتُ عَلى الأَغيارِ مِنها بِقَطرَةٍ
وَجُدتُ لِساقَيها بِما كُنتُ أَملِكُ

وَناوَلتُهُ كَأساً إِذا ما تَمَسَّكَت
يَداهُ بِها ظَلَّت بِها تَتَمَسَّكُ

فَظَلَّ إِلى اللَذّاتِ يَهدي نُفوساً
عَلى أَنَّهُ لا يَهتَدي أَينَ يَسلُكُ

فَلا تَنسَ نَصيبَكَ في الدُنيا وَاِبتَدِر
إِلى الراحِ إِنَّ الراحَ لِلروحِ تُمسِكُ

وَثِق أَنَّ رَبَّ العَرشِ جَلَّ جَلالُهُ
غَفورٌ رَحيمٌ لِلسَرائِرِ مُدرِكُ

وَما كانَ مِن ذَنبٍ لَديهِ فَإِنَّهُ
سَيَغفِرُهُ إِلّا بِهِ حينَ نُشرِكُ

© 2024 - موقع الشعر