هل أصبحتُ وباءً؟! - أحمد علي سليمان

اللهُ أعلمُ بالذي تُورونا
وهو البصيرُ بكل ما تُخفونا

ماذا دهاكم إذ قليتُم صُحبتي
وأزدتُمُ بللاً يفيضُ الطينا؟

ماذا جنيتُ لتُستباحَ مَودتي
وأبيتُ - في ضنك الخصام - رهينا؟

ماذا اقترفتُ لتقطعوني جهرة؟
كيف اغتدى حبلُ الوصال وهينا؟

يا ليت شعري كيف بعتم رفقتي
وقلبتُمُ ظهرَ المِجَن سِنينا؟

أو ليت شعري كيف نيلتْ سُمعتي
ورمى عليها المُغرضون عُفونا؟

أو ليت شعري كيف حَجّلَ واسعاً
جَمعٌ تحمّلَ - في الحياة – فتونا؟

أو ليت شعري كيف عِبتُم منهجي
حتى غدوتُ بفعلكم مغبونا؟

أو ليت شعري كيف هانت خُلة
كم واجهتْ مِحَناً زكتْ وطعونا؟

يا قوم عُودوا للأخوة ، واعقلوا
إن عُدتمُ عادَ الإخاءُ مَكينا

سافرتُ عنكم ، والرحيلُ مَقاصدٌ
وازددتُ - بالسفر الطويل - يقينا

أن المودة لا يزولُ شروقها
مهما تواجهْ باطلاً ودُجونا

أنا لستُ مَرذولاً به لن ترتقوا
أنا لستُ خدّاعاً ، ولا مأفونا

أنا لستُ أزري بالذين عرفتُهم
أنا لا أجيدُ الختلَ والتلوينا

أنا لستُ اتخذ التزلفَ صَنعة
أنا لستُ يوماً بالهوى مَفتونا

أنا لستُ عَدْوَى تتقون بهجرها
أنا لستُ طاعونا ولا كورونا

يومي كأمسي ، لم يَشُبْهُ تغيرٌ
والقولُ بالفعل اغتدى مقرونا

لم تنقص الأشواق شوقاً واحداً
وتَبينوا - إن شئتمُ - تبيينا

واستوثقوا مما أقولُ وأدّعي
أنا لا أسَوّقُ – للصحاب - ظنونا

لم يعتورْ حبي الأصيلَ تملقٌ
بل زادَ حبي – للرفاق - حنينا

لم تُعمني الأموالُ عنكم لحظة
وسوايَ أهدتْه النقودُ مَنونا

أنا ما نسيتُ الدارَ تجمعُ عُصبة
جُمعتْ لتلتمس الهُدى والدينا

أنا ما نسيت – بغربتي - أسمى العُرى
أنا لستُ - للعهد الوثيق - خؤونا

أنا ما نسيتُ علاقتي بأحبتي
بل عشتُ أرفعُ - بالوداد - جبينا

أنا ما نسيتُ تجاربي وتعففي
بين الأنام ، وإن بذلتُ أنينا

أنا ما نسيتُ تمسّكي بمبادئي
إذ قدتُ في لجج البحار سفينا

أنا ما نسيتُ تصبّري ولجاجَكم
يوم (الخِيار) ، وقد حلفتُ يمينا

أنا ما نسيتُ الذكرياتِ تشوقني
وروى قريضي جُلها ممنونا

أنا لم أزلْ أرعى الذمارَ ، وأحتفي
بالطيبين ، وأستطيبُ اللينا

أنا لم أزلْ أهفو إلى إحسانكم
يا زمرة تستعذبُ الإسفينا

أنا لم أزلْ بعزيمتي مستعصماً
مهما طغى غيري ، وبات مَشينا

أنا لم أزل أضعُ الوفاءَ قبالتي
وبه أصونُ روابطاً وحُصونا

وعقيدتي – مهما ادعوا - وَسَطية
وغدا التزامي – بالهُدى - موزونا

أهوى الدليلَ ، وأقتفي آثارَه
وأثمّنُ الحججَ اسْتمتْ تثمينا

وأحب أهل الحق ، ألزمُ دربَهم
وولاؤهم عندي غدا مَسنونا

رباه فاجمعني بهم في جنةٍ
إني دعوتُ - لما أريدُ - مَتينا

مناسبة القصيدة

(غابَ عن دياره سنينَ عدداً! وكان له قبل غيابه أصدقاءُ بررة ومعارفُ طيبون صالحون! وكان هؤلاء وأولئك لا يُحْصَون كثرة! وكم اشتاق إليهم في غربته! وكان على اتصال بأغلبهم! فلما رجع إلى الديار بأشواقه ومحبته إذا به يجد الجميع بلا استثناءٍ ينفَضّون عنه! فراح يسألهم: هل أصبحتُ وباءً تخشون على أنفسكم منه؟! وليس يدري لذلك تفسيراً. وكلما سأل أحدهم كانت (السهوكة) هي الإجابة لكل أسئلته! فراح يتساءل: يا قوم هل فعلتُ ما يغضبكم عليّ ويُبرر لكم هذه القطيعة! فكانت هذه القصيدة ترجمة لهذا الموقف المزري! والأصلُ أن تكون الصراحة بديلاً عن الرياء والتنصل والتهرب! ولسنا ندري لما جاءه هؤلاء الأصدقاء والمعارف والرفقاء تفسيراً! وعجبُ العُجاب في الأمر أن الكل هكذا! أتواصوا به؟!)
© 2024 - موقع الشعر